هكذا هي الحياة: لا تمهلك الكثير، ولا تعطيك النفس العميق حتى تحقق كل ما تتمناه. تكتب قائمة مطوّلة تريد تحقيقها في يومك، فينتهي اليوم وتتفاجأ أنك حققت ربعها. تبدأ سنة جديدة وترسم كل آمالك وأحلامك وأهدافك، وتبدأ في صياغة فصول جديدة من عمرك، فإذا بالسنة قد انتهت، وإذا بك تطوي صفحتك السابقة لتستعد لصفحة جديدة، وتنصدم أنك لم تحقق الكثير، بل حققت بعض البصمات التي ظلت تتحدث عنك جيلاً بعد جيل.
كم هي مُخيفة الأيام عندما لا تتحدث عن تلك المفاجآت التي تنتظرك، وكم هو مؤلم أن تجد نفسك ولم تحقق كل شيء كتبته. ولكن، وعلى كل حال، لا بد أن تتصدر ركب العطاء والإنجاز والأثر، ولا ترضى أن تكون في المؤخرة مع الكُسالى والمتقاعسين، ومع أولئك الذين ركنوا إلى الدنيا وتناسوا غاياتهم في الحياة، وألهتهم الشهوات دون اللحاق بركب المنجزين والمؤثرين.
نهاية العام 2024 نشبهها بنهاية الأعمال في الحياة، ونهاية الأثر الذي عشنا من أجله، ونهاية حقبة حياتية قدمنا فيها ما يشفع لنا عند الملك الديّان، وقصرنا وأذنبنا وسألنا المولى الكريم أن يغفر لنا الزلات، ويستر علينا العيوب، ويجعلنا في أمنه وعافيته. نهاية العام 2024 هي آخر السطور التي كتبناها واعتقدنا أننا حققنا الكثير، وحدّقنا في كل شاردة وواردة مضت سريعًا في هذا العام.. فيها الأحزان والآلام، وفيها التصادمات، وفيها مسالك الظنون ومعارك الكلام.. مضى العام ومضت معه بعض وخزات الألم التي علّمتنا الكثير، وجعلتنا نقوى أكثر من أي وقت مضى، ونرتقي بأخلاقنا، ونسمو بأنفسنا نحو الخير، ونكتب ميلاداً جديداً نعيشه في كل يوم، وبخاصة في مساحات الإيمان هناك في مكة وأرض عرفة، التي نشتاق إليها كل عام لنمسح عن أنفسنا عثرات الحياة، وتتجدد ملامح الإيمان في قلوبنا، ونرجع بصفاء ذهني، ونفس نقية أزالت عن مساحاتها كل الترسبات المؤلمة.
تجددت في رسائل حياتنا الكثير من المعاني والقيم التي سنظل نتعامل بها في خلافتنا في الأرض ما حيينا. فالمرء يتعلم في كل لحظة، وتتجدد في نفسه العديد من المعاني، وبخاصة عندما يختار له المولى الكريم ما يعينه على الخير، ويلطف به في أيام الحياة، ويمحص إيمانه ببعض الامتحانات والمواقف التي تجعله ينهض من جديد، وينظر للحياة بمنظور آخر: منظور اليقين والسعادة بما قُدر له، فيجد الراحة القلبية مع كل موقف، ويكرمه المولى بأشياء أخرى تجعله ينهض للخير مجدداً، ويواصل العطاء الذي اعتاد عليه، ويجد نفسه لا يكل ولا يمل من أن يواصل تكرار الأحلام والبدء من جديد في كل مرحلة عمرية.
العمر مجرد رقم، والعطاء والأثر المتجدد هما ما يعطي الإنسان طاقة خلاقة لا يرضى معها أن يظل مكتوف اليدين في مسير الحياة، بل يقطف كما يقولون من كل بستان زهرة وينثر بذوره في كل مكان تطأه قدماه.
توّلدت لدينا قناعات لا تتزعزع بأن مساحات الخير تتلألأ في أرض الله الواسعة، وحتى تنشر أثرك وعطاءك بصورة أكبر، عليك أن تتربع على كرسي الخير لكل الناس بلا استثناء، فتعايش البسطاء، وتنشر علمك الذي تعلمته، وتكون في محطتك الجديدة البلسَم الشافي للجروح، والشريان المتدفق بالأمل، والطاقة التي تفجر طاقات الآخرين، وتجعلهم يتسابقون معك في رسم الأثر الجميل.
القادم أجمل بإذن الله تعالى، لأن المولى الكريم قد اختار لك ما يعينك على تمكين الآخرين في مجالات إبداعهم، ومنح الفرصة لكل من فاتته أبواب الخير، لتكون سنداً لمن وثق بقدراتك، وتبدأ في تنفيذ أفكارك المتجددة التي تسهم في عطاء الإنسانية وترك أثر جميل يدوم.
أحسست بنعمة الأسرة والعائلة الممتدة وأهلك الذين هم الحضن الدافئ الذي تعود إليه كلما صعبت عليك الأيام وتكالبت عليك الظروف. متعة الوقت تقضيها معهم، وتعيش الفرح والسعادة في مناسباتهم، وتتحين الفرصة لتكون لهم عونًا وسندًا في كل ما يطلبونه، وتكون لهم القلب الحنون الذي يلم شملهم. مهما مرت الأيام، ستظل اللحظات الحلوة لا تُعوّض معهم، فتبقى في الذاكرة، وتبقى في تلك الصور الجميلة التي التقطتها معهم، وتعود لتتأمل ملامح الوجوه بين الفترة والأخرى.. وتتمنى لو رجعت الأيام مجدداً.. ولكن سلواك أنك اليوم معهم تتنفس الحياة، فاستمتع باللحظات الحلوة وكن بينهم ابتسامة خالدة لا ينسون أثرها من حياتهم، لأنك بالفعل رائع بأفعالك، وسَمح بأخلاقك.
ومضة أمل
مضى العام 2024، ومضت معه كل المواقف، وبقيت الذكريات عالقة في الأذهان. بإمكانك أن ترسم لوحة فنية جديدة تكتب بألوانك المفضلة كل أحلامك، وكل مواطن الأثر التي تبتغي أن تعود إلى مساحات حياتك، وتكتب مشروعك المتجدد الذي ما زلت تسير على أثره. ازرع الخير والعطاء، وكن جاداً في تنفيذ ذلك الآن، دون تأجيل، حتى يكبر معك الأثر.
0 تعليق