أول خبيرة آثار بحرينية تروي مسيرتها لـ"الوطن" ..
.حصولي على وسام من الملك أهم تكريم
.استقبلنا المبعوث الأممي في 1971 للتأكيد على هوية البحرين العربية
.أتواجد في ميدان العمل التطوعي منذ عقد الخمسينيات وحتى الآن
قالت الشيخة هيا بنت علي بن عبدالله آل خليفة، أول خبيرة آثار بحرينية، إنها عملت لنحو 18 عاماً في التنقيب عن الآثار في جميع المواقع الأثرية، وكانت تحفر بعض المواقع الأثرية بيديها وتخرج القطع الأثرية وتسجلها وتوثقها، ثم ساهمت في تنظيم قطاع الآثار البحريني في هذا الوقت المبكر، وحققت نجاحات كبيرة أبرزها تأسيس متحف البحرين الوطني والانتقال للعمل فيه.وأشارت لـ«الوطن» إلى أنها درست التاريخ، وحصلت على الليسانس فيه في أواخر الستينيات، ثم التحقت بالعمل في وزارة التربية والتعليم في زمن الشيخ عبدالعزيز بن محمد آل خليفة رحمه الله «توفي عام 1981»، وتصادف ذلك مع إنشاء قسم للآثار بالوزارة عام 1968 فعملت فيه وتمكنت من إقناع الوزير بالسعي لدى الحكومة باستصدار قانون خاص بالآثار ينظم التنقيب عنها ويحول دون العبث بها أو سرقتها، فصدر القرار عام 1970، وأصبح التنقيب بتصريح وإشراف الحكومة ومن قبل متخصصين، وباتت العلاقة بين البعثات الأجنبية والبحرين تحكمها نصوص قانونية.وفي عام 1972 تم تعديل مسمى وظيفتها في قسم الآثار بوزارة التربية إلى «باحثة آثار»، فصارت تتابع وتشارك في الأعمال الميدانية التي قامت بها آنذاك بعثة التنقيب الدنماركية، ومن بعدها البعثة الإنجليزية والبعثة الفرنسية وبعثات عربية ووطنية، في المدافن الدلمونية الأثرية، وراحت تعمل وتحفر بيدها غير آبهة بالتراب والطين ومقابر الموتى وما تحتويه من هياكل عظمية.وأكدت الشيخة هيا بنت علي بن عبدالله آل خليفة أن التطوع يبعث في النفس السعادة لأن المتطوعة لا تخدم المرأة أو المجتمع فحسب بل الوطن أيضاً، وأشارت إلى أنها شاركت في إطلاق «نادي السيدات» عام 1953، الذي أغلق ثم أعيد إطلاق جمعية رعاية الطفل والأمومة كبديل له عام 1960، ثم استقبلت مبعوث الأمم المتحدة بصحبة عضوات الجمعية عام 1971، منوهةً في كلمتها بأن إيران دولة جارة ولكننا لا نقبل أن نكون جزءاً منها، بل نريد دولة البحرين العربية المستقلة. وقالت إنها عاشت في المحرق والرفاع يوم أن كانت الأولى عاصمة للبحرين، فيما كانت الرفاع، منطقة هادئة، لذا كانت تفرح عندما تنتقل إلى المحرق، حيث الحياة صاخبة في الفرجان والجيران طيبين، والأطفال يلعبون في «السكيك» و«الدواعيس» الضيقة، وروائح الأكلات الشعبية منبعثة من البيوت.وفي لقائها مع «الوطن» قمنا بالحفر معاً في طبقات سيرتها ومسيرتها الثرية وتاريخها المهني والتطوعي الناصع، فاستخرجنا حكايات إنسانية وأسراراً رائعة، تعكس معدن جيل بحريني لا يعوض، نتعرف عليها في الحوار التالي:بالنظر من شرفة الحياة.. كيف تصفين لحظاتك الأولى؟- ولدت عام 1939، في بيت عبدالله الزايد بالمحرق، وسكنا لفترة في الصخير، ثم الرفاع في بيت المرحوم سمو الشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة، ثم سكنا في المحرق عندما بدأت المدرسة. ولي من الإخوة ولدان وخمس بنات، وأنا الكبرى، وقبلي بنتان توفاهما الله، وعندما ولدت فقدت الوعي، فظنوا أنني لحقت بهما، لكنني استيقظت، فقالوا: حية .. حية. فظن الأهل أن هناك حية في المنزل، وركضوا يسألون: أين الحية؟! أين الحية؟!هل ما زلتِ تحملين ذكرى معينة محفورة في وجدانك عن حياتك الأسرية في هذه الفترة المبكرة من حياتك؟- نعم. كنت أجلس مع الكبار وأسمع حكاياتهم، ومنها حكاية الهجوم الإيطالي القادم من جيبوتي، حيث ألقى الإيطاليون 90 قنبلة على مصنع تكرير النفط، وكلها أخطأت الهدف بعد تمويه ناجح وإضاءة مكان بعيد عنه، لكن صوت الانفجار المخيف أصبح حديث الناس لوقت طويل.وماذا عن الأجواء الأسرية والاجتماعية وقتذاك؟- كنا نسكن في المحرق شتاءً وفي منطقة بوزيلة القريبة من «الجابور» في الصيف، وكان لنا بيت وبستان وحمام سباحة على البحر، قريب من بئر بوزيلة، وتحد المنطقة قرية الديه من الغرب والسنابس من الشرق وجدحفص من الجنوب.هناك كانت نساء القرى يزرن جدتي وأمي كل يوم، ونزورهم نحن في بيوتهن، نأكل من طعامهن ونشاركهن أفراحهن، وبعد صلاة العصر كانت النساء الكبيرات يزرن أمي العودة «جدتي» لولوة ويتسامرن ويعملن الخوص ويخيطن الملابس وينظفن الأرز، ثم تأتي النساء الأصغر سناً لأمي بعد صلاة العشاء، وفي الليالي القمرية كان الجميع يجلسن على شكل دائرة، ويحكين القصص الشعبية، وكنت أنام على أرجلهن وأستيقظ صباحاً فأجد نفسي على سريري!أما في المحرق فكنا بيت الشيوخ الوحيد في الفريج، حيث كان فريج الشيوخ بعيداً نسبياً عن بيتنا، وكان الجميع مترابطين مثل البيوت المتلاصقة، وبيتنا مفتوح لجميع أهل الفريج من بعد صلاة الصبح وحتى بعد صلاة العشاء، حيث تجيء سيدات الفريج وتنظفن الأرز وتتسامرن وهن يأكلن التمر ويشربن القهوة.كانت البحرين رائدة في تعليم البنات وقتذاك.. فهل استفدت من هذا السبق والريادة؟- نعم، تعليم البنات في البحرين هو الأول على مستوى منطقة الخليج العربي، لكن لم يأتِ بنات من الخليج بل جاء أولاد لدراسة الصناعة، وكان تعليم البنات أولاً في الإرسالية الأمريكية ثم افتتحت مدرسة خاصة في بيت الزياني تعلمت فيها أمي.وبعد افتتاح مدرسة خديجة الكبرى درست فيها حتى الصف الرابع الابتدائي، ثم انتقلت لمدرسة الإرسالية الأمريكية في المنامة لدراسة «الإنجليزية»، ثم التحقت بالصف الخاص، وكان هذا اسم المرحلة الإعدادية في هذه الفترة المبكرة.وتزوجت في عمر السادسة عشرة، من المرحوم عبدالرحمن بن محمد بن عبدالله بن عيسى، ورزقنا الله تعالى بأربعة أولاد وثلاث بنات، وواصلت تعليمي الثانوي «منازل»، بعد أن وافق جدي الشيخ عبدالله بن عيسى وكان يشغل منصب وزير المعارف على استكمال تعليمي بشرط الزواج!وبعد المرحلة الثانوية أنجبت معظم أولادي الـ4 وبناتي الـ3، فاستحييت أن أدخل الجامعة، لكنني نجحت في التغلب على مشاعر الخوف والخجل، والتحقت بجامعة بيروت العربية قسم التاريخ. وبعد تخرجي التحقت بجامعة الإسكندرية لدراسة الماجستير، وبدأت بإعداد الرسالة لكن وفاة المشرف وانشغالي في العمل الميداني بتلال مدينة حمد، أديا إلى عدم استكمالها.كيف بدأ اهتمامك بآثار وتاريخ البحرين؟- كنت أعرف نساء أجنبيات ينقبن عن الآثار ويسافرن بها إلى الخارج!، ودعوني للمشاركة معهن، وكان وزير التربية والتعليم هو الشيخ عبدالعزيز بن محمد، أخو زوجي وابن عمي، فقلت له إن آثار البحرين تذهب لخارج البلاد وليس هناك متحف يجمعها أو جامعة تخرج خبراء فيها، وبالفعل قامت الوزارة بإصدار قانون منع التنقيبات العشوائية. وكان لها دور في افتتاح أول متحف وهو عبارة عن قاعة في دار الحكومة عام 1970، وتنظيم مؤتمر عالمي للآثار بالتعاون مع اليونسكو حضره خبراء من دول العالم، ومنهم بعثة التنقيب الدنماركية التي نقبت عن الآثار في الخمسينيات حيث شاركوا وعرضوا مقتنياتهم ثم أعطونا المقتنيات!.وكيف بدأت حكاية عملك في التنقيب عن آثار دلمون؟- تخرجت عام 1970 من قسم التاريخ، وكان لي جهود تطوعية منذ 1969 لمنع التنقيب العشوائي وتنظيم العمل بالآثار، كما سافرت إلى مؤتمر عالمي في سريلانكا وإقناع اليونسكو بتنظيم المؤتمر التالي في البحرين، ثم عملت بقسم الآثار التابع لوزارة التربية والتعليم عام 1971، بعد أن أقنعت زوجي رحمه الله بأن أكون امرأة عاملة، حيث رفض ذلك قائلاً: «عندما أموت اعملي بشهادتك»!وسعيت إلى إقناعه بالعمل خصوصاً بعد أن بعث وزير التربية والتعليم أحمد العمران برسالة له يطلب فيها التعهد منه بأن ألتزم بالدوام الرسمي من الخامسة صباحاً وحتى الخامسة مساءً!. واقتنع زوجي الحمد لله، والتزمت بوقت الدوام بل زدت عليه لأنني كنت أعشق العمل الميداني، ولا أحب العمل الإداري أو المكتبي.صفي لنا مشاعرك وذكرياتك في العمل في الآثار، وما هي المواقع التي نقبتِ فيها؟- كان لدينا بعثات أجنبية ومتدربون بحرينيون أصبح بعضهم متخصصين وأكاديميين الآن، وأول عمل ميداني لي كان في منطقة الدراز، في أحد مواقع دلمون، ثم حفرت بيدي مواقع كثيرة بعد ذلك، وتعلمت التنقيب واستخراج الآثار وتوثيقها.ويعتبر موقع تلال مدينة حمد والمدافن القريبة من الجسر من أكبر المواقع التي عملت فيها، وكان شعوري في جميع المواقع لا يوصف، عندما ألمس الأرض وأجد الآثار وأستخرجها من تحت الأرض.لقد عملت 18 عاماً في خدمة آثار وتراث البحرين، وتدرجت في المناصب من باحث آثار ميداني إلى قائم بأعمال مدير الآثار إلى مديرة الآثار والمتاحف إلى وكيل وزارة مساعد لشؤون التراث والآثار، حتى تقاعدت عام 1989.أنتِ رائدة في التنقيب عن الآثار لكن هل تركتِ بصمة لك في هذا العمل الصعب؟- كان المجهود ذهنياً وعضلياً في عملي، حيث أنقب بيدي وأحلل وأفسر، وأتعلم وأطور نفسي من خلال قراءة المراجع والاحتكاك بالبعثات الأجنبية، وعندما أستخرج قطعة أثرية أقارنها بقطعة في حقل أثري آخر.ودربت أثريين من البحرين ودول مجلس التعاون الخليجي، وكنت أؤكد للخبراء البحرينيين أنه لا مجال للأهواء أو التحيزات الشخصية، فعلينا أن نكتب تقريرنا كما وجدنا القطع الأثرية في مكانها، ثم نختتم برأينا إذا أردنا.ولا أخفيك سراً، مع كل بصماتي هذه، كنت ألاحق حلماً لم يتحقق، وأتمنى أن أراه في حياتي وهو «مكتبة دلمون»، التي تحكي تاريخ البحرين، فكل الكتابات عن دلمون سومرية وباللغة المسمارية التي تم اكتشافها في بلاد الرافدين، وأكثرها كتابات تجارية تصف التبادل التجاري ولا تصف الإنسان والحياة على أرض دلمون.بالانتقال من سيرتك المهنية اللامعة إلى مسيرتك التطوعية.. هل تذكرين البدايات؟- بدأت مع جمعية رعاية الطفل والأمومة منذ اللحظات الأولى لتأسيسها، كنت في مدرسة الزهراء وشاركت في الأسواق الخيرية التي كانت تنظمها الشيخة لولوة والشيخة نيلة لصالح الفقراء. ثم تزوجت عام 1954، وأصبحت أكثر قرباً من الجمعية نظراً لأن الشيخة لولوة هي أخت زوجي، وكانت والدتها تزور أولادها الذين يدرسون في مصر وأعجبت بفكرة نادي السيدات، وكانت الاجتماعات في بيت الشيخة لولوة.وطلبت السيدات الرخصة، وخلال هذه الفترة حضرت كل النقاشات والاجتماعات وشاركت في المراسلات وبلورة الأهداف وأنشطة الجمعية، التي تركزت في هذه الفترة على مساعدة النساء في القرى وتثقيفهن، ثم جمع التبرعات لدعم المجهود الحربي في مصر.وما هي بصماتكِ في العمل التطوعي بالجمعية؟- ترأست اللجنة الاجتماعية واستعانت بنا مستشفى السلمانية في دراسة أسباب زيادة معدل الوفيات بين الأطفال الرضع في بعض القرى، وذهبت إلى سترة والمعامير، وذهبت الشيخة لولوة والعضوات إلى قرى أخرى. وهناك اطلعت على بعض الأسباب مثل نقص الرعاية كالأم التي كانت تخبز وطفلتها اختنقت وماتت لأنها جعلتها تنام إلى جانب الفرن، ونجحت في إنقاذ أطفال ومنهم طفلة والدتها عمياء ووالدها مزارع وعهدت أمها بها إلى أخيها ذي الثلاثة عشر من عمره، فاتصلت بالسلمانية لرعايتها وبالبلدية لتوظيف ابنهم لمساعدتهم.كانت كل مشروعاتنا مبنية على احتياجات فعلية، فمثلاً عندما بدأت النساء تخرج للعمل أسست الجمعية رياض الأطفال، وعندما وجدت الشيخة لولوة إهمال بعض الأطفال ذوي الإعاقة، أسست معهد الأمل للتربية الخاصة.. وهكذا كانت كل مشاريعنا.وكنت رئيسة ومنفذة لمشروع ترميم البيوت القديمة والآيلة للسقوط، بالتعاون مع شركة بيبسي التي أعطت الجمعية مبلغاً من كل زجاجة مباعة، وكنا نقوم بمسح ميداني ونضع معايير للبيوت التي لها أولوية لإعادة الترميم، واستمر هذا العمل التطوعي لي لمدة 15 عاماً، وأذكر أن أحد النساء التي قمنا بترميم بيتها ما زالت تتصل بي حتى الآن.وأتذكر أيضاً أننا استقبلنا مبعوث الأمم المتحدة بصحبة عضوات الجمعية عام 1971، وأكدت في كلمتي أن إيران جارة لنا ولكننا لا نقبل أن نكون جزءاً منها، بل نريد دولة البحرين العربية المستقلة.خلال رئاستكِ للجنة الثقافية ومركز تدريب المرأة للصناعات الورقية سابقاً. ما هي أبرز جهودك التطويرية التطوعية؟- ترأست اللجنة الثقافية وأطلقت برنامج الموسم الثقافي الذي يشمل معارض خيرية متنوعة وعروضاً شعبية وكنت أول من أقام معرض أزياء خيرياً في البحرين. أما مركز تدريب المرأة للصناعات الورقية، فقد سعيت إلى تطويره سواءً العجينة المستخدمة في صناعة الورق أو تطوير المنتجات وتدريب النساء على المشروعات.وكنت عضوة في مجلس الإدارة، ثم عدت عضوة فاعلة في الجمعية بعد تقاعدي حتى الآن، ولم تنقطع صلاتي الإنسانية والتطوعية منذ تأسيسها حتى اللحظة، وما زلت شاهدة ومشاركة على تطوير مشروعاتها لخدمة المرأة والطفولة في البحرين.وما زلت أرعى الفعاليات الثقافية والتراثية، الخاصة بالطفل البحريني في التراث الشعبي لتعريف عقيلات السفراء وعضوات السلك الدبلوماسي في البحرين بأغاني الأطفال والحكايات والألعاب في التراث الشعبي، وأهمها احتفالات الحية بية. كما أرعى عروض الأزياء التراثية البحرينية، لارتباطها الوثيق بالجوانب التاريخية والاجتماعية في مختلف مناطق البحرين، فهذه الأزياء عنصر مادي من التراث يعكس الهوية البحرينية ولازالت تشكل عنصراً هاماً من التراث والتاريخ البحريني.هل كوفىء جيلكم بالتقدير الذي يناسب جهودكم المهنية والتطوعية وحتى التربوية؟- بالتأكيد، وبالنسبة لي فإن أهم التكريمات التي حصلت عليها، كان استلامي لوسام من جلالة الملك المعظم، وسلمته لي صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة.ختاماً.. ما تقييمك لتمكين المرأة خلال المشروع الإصلاحي مقارنة بجيلكم؟- في أيامنا كنا نعمل بدون تشجيع ونجتهد ونجمع بين واجباتنا الأسرية والمهنية والتطوعية، أما اليوم فبصمات صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم قرينة ملك البلاد المعظم، في تمكين المرأة واضحة من خلال المجلس الأعلى للمرأة، مما يجعل الجيل الحالي أكثر حظاً، وأوصيه باستثمار الفرص المتاحة لخدمة وطنه ومجتمعه ونفسه.
0 تعليق