يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب". حديث جامع يعطي دلالات وإشارات واضحة حول مكانة القلب وأثره في صلاح المرء، فصلاح الجسد كله مبني على صلاح القلب، ومنها المشاعر والجوارح وإرادة المسلم وسعيه في الحياة. فإن استطاع المرء أن يُغذي قلبه بالإيمان، ويرويه بالخير، ويُنقيه من شوائب الحياة، ويبذر فيه بذور الآخرة، فهو بذلك قد استطاع أن يصل إلى مبتغاه، ويُقوي قلبه ويربطه بمولاه سبحانه وتعالى. فإنما العلاقة مع الله عز وجل مبنية على هذا القلب، الذي هو مصدر الإيمان والسعادة في هذه الحياة.
فمشاعرك وأحاسيسك وتحركاتك في الحياة إنما باعثها هذا القلب الذي يعطيك السعادة في الخير إن أحسنت تعاهده في كل حين، أما إن أهملته، فباعثك حينها نزغات الشيطان، الذي سيعيث في قلبك خراباً وأثراً سيئاً، وستجد نفسك على مقربة من مهالك الحياة والوقوع في مستنقعات الرذيلة.
عندما تعيش لحظات الحياة بقلبك وأنت مفعم بروح الإيمان المتقدة المُحبة للخير، والساعية في المعروف، فإنك حينها ستعرف الحياة بمعانيها الحقيقية، وستجد نفسك مُنتجاً مُبادراً في كل حين، تعرف معنى دقائقها، وكيف تُحولها إلى معانيها الحقيقية التي تستثمرها من أجل منازل الفردوس الأعلى. عندما تُدرك أنك مطالب بأن تكون خير خلفاء الله في الأرض، فإنك حينها ستنهض من رُقادك وتُسرع الخطى لتكون في ركب المُبادرين وعُشاق الجنان الذين لا همّ لهم إلا رضا الله عز وجل والعيش بسلام قلبي.
عندما يقوى قلبك، فإنك قد استطعت أن تبني بنياناً حياتياً سليماً يتحدى الصدمات الحياتية، ويتعملق في الخير، ويعرف قيمة الثبات على المبادئ. فسلام القلب والمشاعر هو أساس قوتك، وأنت تبني بقلبك خطواتك الثابتة في الحياة التي لا تتغير مهما تغيرت الظروف ومرت الأيام، وإن تزعزعت في بعض المواقف، فإنك سرعان ما تعود إلى سابق عهدك في العطاء والخير، وبذل المعروف والإحسان إلى الحياة كلها.
إنك إن أصلحت قلبك، أصلحت علاقتك مع الآخرين، واستطعت أن تجذب القلوب إلى قلبك الجميل الصافي، فقلبك الطيب ينعكس على أخلاقك الرفيعة وابتسامتك اللطيفة، وأعمالك التي تشهد على إخلاصك في الحياة، وصدق نواياك. صلاح قلبك يمتد أثره إلى كل من قابلته ولو للحظات، فاستشعر الخير في نفسك، واستشعر حُبك الذي يمتد ظلاله إلى كل نواحي الحياة، فلا يترك مساحة إلا وجمّلها بأجمل الأثر الإيجابي.
يقول الإمام الحسن البصري رحمه الله: "ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل". لابد أن يكون الإيمان حقيقياً، ما كان في قلب الإنسان وصدقه عمله، ويعني: "بأن يثبت في قلبه ويبقى أثره". الأثر الذي يدفعه لعمل الخير، والاستمتاع بالمعروف، والسعادة بمصاحبة الصالحين، فتراه لا يفتر عن خطوات الخير، ويستثمر كل أوقاته في أعمال الخير التي تُقربه إلى الله عز وجل.
تعايش في بعض المحطات قلوباً مُختلفة عن بعضها البعض، منها من تُنافسك على الدنيا، ومنها من تنافسك على الآخرة، فتجد قلبك ينشرح تلقائياً إن رويته مُسبقاً بري الإيمان، وإلى تلك القلوب التي عشقت الآخرة، وديدنها في كل حين ميزان الله سبحانه وتعالى، عندما تزن كل شاردة وواردة برضا الله عز وجل، فلا ترضى أن تغوص في المحرمات، ولا في المشتبهات، وتتورع في الوقوع فيها، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الحلال بيّن والحرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام.
ومضة أمل
يبحث البعض عن السعادة وهو لا يُكلف نفسه أن "يُجدد إيمانه" ويُقوي علاقته بالله عز وجل، ويتفقد قلبه بين الحين والآخر. يبحث البعض عن السعادة وتجده قد أسرف في ملذات الحياة، وأنهك نفسه بالمشكلات الحياتية التي أثرت سلباً على قلبه وإقباله على ربه. السعادة التي تبحث عنها ستجدها بدون شك بعلاقتك بربك. فإن أحسنت القُرب، فزت بسعادة العطاء والأثر الخالد، وفزت براحة قلبية ستجد طعمها بسعادتك في كل مساحات المحيط الذي تعيشه.
0 تعليق