مسئول سابق بـ"البترول" يوضح لـ"الدستور" رؤية شاملة للنهوض بقطاع التعدين في مصر

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يكتسب قطاع الثروة المعدنية في مصر أهمية متزايدة كأحد دعائم الاقتصاد الوطني، نظرًا لما تمتلكه مصر من موارد تعدينية ومحجرية هائلة منتشرة في الصحراء الشرقية وسيناء والصحراء الغربية وجنوب مصر. 

تطوير قطاع الثروة المعدنية في مصر

كشف الدكتور حسن بخيت، وكيل وزارة البترول والثروة المعدنية سابقًا، ورئيس المجلس الاستشاري العربي للتعدين، عن رؤية شاملة تهدف لتطوير قطاع الثروة المعدنية في مصر، اختص بها «الدستور»، مع التركيز على إعادة الهيكلة والارتقاء بالسياسات التعدينية والاستعانة بخبرات دولية. 

 

تأتي هذه الرؤية في ظل اهتمام الدولة المصرية بالقطاعات الواعدة، وسعيها إلى الاستغلال الأمثل للثروات المعدنية لمواكبة تحديات السوقين المحلية والإقليمية.

 

نظرة تاريخية على دور التعدين في مصر

يشير الدكتور حسن بخيت إلى أن الصحراء المصرية شهدت على مر التاريخ القديم الكثير من الأنشطة التعدينية، ففي حقبة الدولة القديمة كان هناك تفاعل كبير مع الصحراء، خصوصًا في مجال الثروة المحجرية، وهو ما يتجلى في الآثار والمعابد والمنحوتات المصنوعة من أحجار مثل الحجر الرملي والرخام والجرانيت. 

 

كما ازدهرت عمليات التنقيب عن الذهب واستخراجه إلى حد كبير، ويتجلى ذلك في القطع الذهبية الثمينة التي نراها حاليًا في المتاحف.

 

ومن أبرز الأدلة التاريخية على هذا الازدهار، بردية خريطة منجم الفواخير في الصحراء الشرقية، المحفوظة بمتحف تورينو، والتي تعكس تطور صناعة تعدين الذهب أثناء حقبة الدولة القديمة، وتعد هذه البردية التاريخية، المكتوبة باللغة الهيراطيقية المصرية، أقدم خريطة معروفة في العالم، إذ يعود تاريخها إلى نحو 1300 ق.م في عهد الملك سيتي الأول.

 

التعدين في العصر الحديث:

يتابع الدكتور بخيت قائلًا إن حقبة الاحتلال البريطاني شهدت نشاطًا ملحوظًا في مجال تعدين خامات الفوسفات والمنجنيز والذهب والمواد المحجرية المختلفة، وفي فترة السبعينيات وحتى التسعينيات، تكثفت جهود هيئة المساحة الجيولوجية المصرية (ثاني أقدم هيئة للمسح الجيولوجي في العالم بعد نظيرتها البريطانية)، حيث تم تسيير بعثات جيولوجية عديدة بالتعاون مع هيئات روسية ومع برامج الأمم المتحدة، أسفرت عن اكتشاف معادن وثروات جديدة وإعداد حزمة كبيرة من الخرائط الجيولوجية المتنوعة.

 

منجم السكري.. نموذج حديث للنجاح:

يُعد منجم السكري للذهب، في جنوب مصر، نموذجًا رائدًا للتعدين العصري، إذ تبلغ مساحته نحو كيلومتر مربع واحد، وقد تمكن منذ عام 2010 وحتى اليوم من إنتاج قرابة 150 طنًا من الذهب، تُقدر قيمتها السوقية حاليًا بـ7.5 مليار دولار تقريبًا، ويصل معدل إنتاجه السنوي إلى نحو 13 طنًا بقيمة إجمالية تقارب 663 مليون دولار. 

 

الثروات المعدنية في مصر: ماذا نملك؟

يوضح الدكتور حسن بخيت أن مصر تمتلك 25 خامة منجمية (مناجم) و28 خامة محجرية (محاجر)، بإجمالي 53 خامة يجرى استغلالها حاليًا، بخلاف معادن مكتشفة لم يبدأ استغلالها بعد. 

وتتفاوت جودة هذه الخامات من منطقة إلى أخرى، لذا يصبح التصنيف الصناعي أمرًا محوريًا لتوظيف كل خامة في موضعها الأنسب.

 

الحجر الجيري مثالًا:

من أبرز الأمثلة على التنوع وجود خام الحجر الجيري بكميات ضخمة، يُقدر احتياطيها بالمليارات، ويشير بخيت إلى أن الحجر الجيري يمكن أن يدخل في أكثر من 34 صناعة، ويُعد الحجر الجيري في منطقة سمالوط بمحافظة المنيا من أجود الأنواع عالميًا.

 

السياسة التعدينية: تحديات وضرورة للتطوير

بحسب دراسة أعدها البنك الدولي عام 2007 لصالح هيئة الثروة المعدنية في مصر، فإن هناك غيابًا لسياسة تعدينية واضحة ورسمية، ويتجلى ذلك في التباين الكبير في الرؤى بين المسؤولين الحكوميين، مما يبرز الحاجة الملحة إلى صياغة رؤية موحدة وشاملة.

 

ويشدد الدكتور حسن بخيت على أن تطوير قطاع التعدين لا ينبغي أن يقتصر على النطاق المحلي فقط، بل يجب أن يمتد إلى المحيطين العربي والأفريقي؛ وذلك لضمان تأمين احتياجات الصناعات المصرية من الخامات التي قد تكون قليلة الاحتياطيات داخليًا، فضلًا عن فتح أسواق جديدة أمام الخبرات الوطنية ومراكز الأبحاث المصرية.

 

إعادة هيكلة قطاع الثروة المعدنية: رؤية متكاملة

يقدم الدكتور حسن بخيت رؤية منهجية لإعادة هيكلة القطاع، تشمل إنشاء ثلاثة كيانات رئيسية (قطاعات رأسية):

1- هيئة المساحة الجيولوجية المصرية 

- هيئة ذات سيادة تتبع مباشرةً مجلس الوزراء. 

- تختص بإعداد الخرائط الجيولوجية والجيوتقنية والاستثمارية للثروات الطبيعية وخرائط المخاطر الطبيعية لكافة الأراضي المصرية. 

- تقديم الخدمات الفنية والاستشارية لجميع أجهزة الدولة ومتخذي القرار، مع ضم الكيانات ذات الصلة المنتشرة حاليًا في وزارات مختلفة.

 

2- هيئة الثروة المعدنية 

- تمنح رخص المناجم والمحاجر والملاحات وتنظم العمل وتشرف فنيًا على الاستغلال الجيد للثروات. 

- تطبق القانون وتحصل حقوق الدولة من رسوم وإتاوات، وتعد الاتفاقيات التعدينية. 

- (يُطلق عليها الكيان التنظيمي).

 

3- الشركة القابضة للتعدين 

- هيئة اقتصادية تضم جميع الشركات الحكومية العاملة في استخراج الخامات وتعظيم القيمة المضافة، بالإضافة إلى شركات الخدمات المعاونة. 

- (يُطلق عليها الكيان الإنتاجي).

 

مقترحات إدارية وتمويلية:

- يخضع كل من الكيان التنظيمي والكيان البحثي للنظام المعمول به في الهيئة العامة للبترول، لضمان فاعلية الرقابة والتنظيم واستقلالية الأبحاث بما يخدم خطط التنمية المستدامة. 

- تخصيص نسبة محددة (مثلًا 2% من صافي أرباح الشركة القابضة للتعدين) لتمويل الكيان البحثي والكيان التنظيمي، بما يضمن توافر الموارد المالية اللازمة. 

- توحيد هذه القطاعات الثلاثة في إطار وزارة واحدة تُسمى (وزارة المعادن) على غرار ما فعلته دول عديدة نجحت في تطوير قطاع التعدين ليصبح أحد الروافد الكبرى للدخل القومي.

 

الاستعانة بخبرات دول رائدة لتطبيق الهيكلة

يوضح الدكتور حسن بخيت أن إدارة الهيكلة الجديدة وصياغة التشريعات المصاحبة لها تتطلب الاستعانة بخبرات دولية لدول رائدة في التعدين لفترة انتقالية (خمس سنوات)، يتم خلالها:

1-  تنفيذ إعادة الهيكلة. 

2- إعداد بنود التشريعات اللازمة. 

3-  تدريب الكوادر الوطنية على أحدث الممارسات.

 

ويلفت إلى أن قطاع التعدين يمثل جزءًا مهمًا في دخل بعض الدول، مثل جنوب أفريقيا وأستراليا وكندا والهند، والتي وضعت نظم إدارية وتشريعية واضحة أدت إلى جذب الاستثمارات الأجنبية بكثافة، ويُفضل بخيت الاسترشاد بنموذج الهند لقرب ظروفها الاقتصادية من مصر.

 

أهمية تأهيل الكوادر:

يشدد بخيت على ضرورة إعداد كوادر فنية وإدارية ومالية وفق معايير عالمية، بدءًا من الدرجات الصغيرة وصولًا إلى القيادات العليا، مع وجود سجل مهني وشهادات مزاولة مهنة من مراكز تدريب معتمدة، لضمان توفير الخبراء المؤهلين لمواكبة النمو في قطاع التعدين.

 

تشكيل فريق عمل لمتابعة خطة التطوير

يطرح الدكتور حسن بخيت مقترحًا بتشكيل فريق عمل بصلاحيات تنفيذية، يتولى:

1- التنسيق مع جهات الولاية المختلفة لتنفيذ خطة إعادة الهيكلة. 

2- الإشراف على المرحلة الانتقالية حتى اكتمال الهيكلة وتفعيل الكيانات الثلاثة. 

3-  مراجعة وتقويم التقارير والاستشارات العالمية التي سبق إعدادها حول الثروة المعدنية في مصر، أبرزها: 

- تقرير شركة WGM الكندية لصالح اتحاد الصناعات المصرية. 

- تقارير البنك الدولي لصالح وزارة البترول. 

- تقرير الشركة الإيطالية لصالح هيئة التنمية الصناعية. 

- تقرير شركة «مكنزي» حول مشروع المثلث الذهبي. 

- تقارير مشاريع الأمم المتحدة والمشاريع الروسية لصالح هيئة المساحة الجيولوجية، وغيرها من التقارير المماثلة.

 

ويهدف هذا الإجراء إلى البدء من حيث انتهى الآخرون، وتوفير الوقت والجهد والمال.

 

خطة الاستثمار خلال المرحلة الانتقالية (المدى القريب)

يشير الدكتور حسن بخيت إلى أن تطبيق خطة إعادة الهيكلة سيستغرق بعض الوقت، في حين أن مصر لا تملك رفاهية الانتظار في ظل التحديات الإقليمية والدولية، لذا يجب إطلاق خطة قصيرة المدى بالتوازي مع عملية الهيكلة، تضمن الاستغلال الأمثل للثروات المعدنية، وتشجع الاستثمارات المحلية والأجنبية عبر حزمة من الحوافز الضريبية والإعفاءات الجمركية وغيرها.

 

ومن أبرز المشروعات الجاهزة أو القابلة للتنفيذ في المدى القريب، والتي تمثل أولوية استراتيجية:

1- مشروع المثلث الذهبي بالصحراء الشرقية 

2- إنشاء منطقة هب للخامات المعدنية (Hub for minerals industries) 

3- التعاون مع بعض الدول الأفريقية لاستغلال المناجم الغنية بالفلزات 

4- مشروع استخراج البوتاسيوم 

5- استغلال خامات الذهب المنتشرة بالصحراء الشرقية 

6- مشروعات استغلال خامات الفوسفات لإنتاج حمض الفوسفوريك والأسمدة 

7- مشروعات استغلال خامات الكوارتز والرمال البيضاء لإنتاج السليكون التجاري والنقي للصناعات الإلكترونية والخلايا الشمسية 

8- إقامة مشروعات لمعالجة واستغلال الرمال البيضاء والرمال الكاولينية 

9- إقامة صناعة تجهيز الخامات المعدنية 

10- إنشاء مصانع للأسمنت نظرًا لتوافر الطفلة والحجر الجيري والدولوميت 

11- مشروعات لإنتاج الحجر الجيري المطحون والمعالج سطحيًا 

12- استغلال خام الجبس الموجود بين سفاجا والقصير 

13- استغلال خامات النيوبيوم والتنتالوم بمنطقة المثلث الذهبي

 

خلاصة وتوصيات

يرى الدكتور حسن بخيت أن قطاع الثروة المعدنية بمصر يمثل واحدًا من أهم قطاعات التنمية المستقبلية التي يمكن أن تضيف عوائد اقتصادية كبيرة للدولة، فضلًا عن إيجاد فرص عمل واسعة واستغلال أمثل للموارد، إلا أن هذا يتطلب وضوحًا في السياسات، وسرعة في الهيكلة والاستفادة من الخبرات الدولية، وحرصًا على تدريب الكوادر الوطنية وتأهيلها لإدارة القطاع على النحو الأمثل.

وسيضمن تنفيذ هذه الرؤية الشاملة أن تصبح مصر لاعبًا رئيسيًا في المجال التعديني، سواء على الصعيد الإقليمي أو العالمي، وستتحول الثروات الطبيعية المصرية إلى قاطرة حقيقية للتنمية المستدامة، ترفد الاقتصاد الوطني وتضمن استغلالًا رشيدًا للموارد، في آن واحد.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق