د. مينا الكاظمي
ذات صباحٍ كنت أجلس مع أحفادي حول مائدة الفطور، وأردّد على مسامعهم عبارتي المعتادة: «الزعتر يجعلكم أذكياء!» أرى في عيونهم بريق الحماس وهم يتسابقون لتناول شطائرهم، رغم صعوبتهم أحياناً في تقبل الطعام اليومي. في تلك اللحظة، أدركت أنهم لا يتناولون الزعتر حباً في مذاقه فقط، بل استجابة لتلك الرغبة الفطرية بأن يكونوا أذكياء. لكنني توقفت لأسأل نفسي: ما الغاية التي نريدها من ذكاء أطفالنا؟ هل نريد ذكاءً يخدم ذواتهم فقط، أم نطمح لأن يكونوا أدوات بناء وإبداع في مجتمعاتهم؟
هذا التساؤل يقودنا إلى إدراك عميق للعلاقة بين الغذاء والعقل. فالطعام الذي نختاره لا يغذي أجسادنا فقط، بل يشكّل أفكارنا، ومشاعرنا، وطاقتنا الإنتاجية. الدكتور درو رامسي، الرائد في الطب النفسي الغذائي، يوضح أن اختيار الأطعمة الصحيحة يمكن أن يحسّن من وظائف الدماغ ويعزّز الصحة النفسية، وهو ما يجعل الإنسان أكثر قدرة على الابتكار، والتعاون، والعطاء. فالغذاء لا يتعلق فقط بإشباع الجوع، بل هو استثمار في قدرة الإنسان على تحقيق ذاته وخدمة الآخرين.
تشير الدراسات العلمية إلى أن الأنظمة الغذائية المتوازنة يمكن أن تقلّل من مستويات التوتر وتحسّن الأداء العقلي. على سبيل المثال، نشرت الجمعية الأمريكية للطب النفسي عام 2021 دراسة تؤكد أن اتباع نظام غذائي غني بالخضروات والفواكه والأسماك الغنية بالأوميغا-3 يقلّل خطر الإصابة بالاكتئاب بنسبة تصل إلى 35% هذه النسبة تعكس الأثر العميق الذي يمكن أن يحدثه الغذاء على إنتاجية الإنسان ودوره في بناء المجتمع.
لكن الذكاء ليس هدفاً بحد ذاته؛ إنه وسيلة لتحقيق غايات سامية. إن تعليم أطفالنا أن الذكاء الحقيقي ليس فقط في الحصول على درجات عالية أو التفوق الشخصي، بل في القدرة على حل المشكلات، والإبداع، والمساهمة في تحسين الحياة من حولهم، هو الخطوة الأهم. وهذا يبدأ من اختيارات بسيطة، مثل شطيرة الزعتر التي تصبح رمزاً لرحلة أعمق نحو بناء إنسان قادر على تحقيق التوازن بين احتياجاته الذاتية ودوره في التنمية الإنسانية.
لذا، كل مرة أرى أحفادي يتناولون شطائرهم بحماس، أجد في ذلك فرصة لتعزيز قيم أعمق. نحن لا نغذي أجسادهم فقط، بل نبني عقولهم وأرواحهم، ونوجههم نحو غايات تتجاوز ذواتهم، غايات تصنع فارقاً في حياتهم وحياة من حولهم. فلتكن شطيرة الزعتر رمزاً للذكاء الذي يخدم الإنسانية.
0 تعليق