تعتبر اللغة العربية أحد أهم عناصر الهوية الثقافية والدينية للمجتمعات العربية، إذ تمثل رمزًا للحضارة والفكر العربي الإسلامي.
وفي ظل التحديات المعاصرة التي تواجهها اللغة العربية من تراجع في استخدامها بين الأجيال الجديدة، أصبح من الضروري اتخاذ خطوات جادة للحفاظ عليها وتعزيز مكانتها.
وفي هذا السياق، شهدت الفترة الأخيرة اهتمامًا ملحوظًا من قبل الحكومة المصرية ممثلة في وزارة التربية والتعليم، بالتعاون مع الأزهر الشريف، لتعزيز اللغة العربية والتربية الدينية في المناهج الدراسية، وهذه الخطوات تعكس إدراكًا عميقًا بأهمية اللغة العربية في بناء شخصية الفرد والمجتمع، وتبرز الحاجة إلى تعليم الأجيال الجديدة لغة سليمة وسليمة في التفكير والممارسة.
ومن خلال هذه القرارات، تسعى الدولة إلى تقليص الأخطاء اللغوية وتعزيز الفهم الصحيح للدين الإسلامي، بما يتماشى مع قيم الوسطية والاعتدال.
محرك النهضة والتقدم في أي مجتمع بشري
قال الدكتور محمود الصاوي، الوكيل السابق لكلية الدعوة والإعلام في جامعة الأزهر بالقاهرة، إن التعليم يمثل محرك النهضة والتقدم في أي مجتمع بشري، ويُعتبر الحفاظ على الهوية من أهم أولويات العمل التعليمي في المجتمعات التي تسعى للنهوض، حيث يرتبط ذلك بالأصالة ويتصل بالعصر.
وأضاف الدكتور محمود الصاوي، في تصريحات خاصة لموقع "كشكول"، أن اللقاء بين معالي وزير التعليم وسماحة الوالد الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، يعكس بشكل واضح معاني قيمة وهامة للأمة المصرية، مؤكدًا على دعم الهوية العربية والإسلامية، مع إضافة الطابع المصري المميز. وأشار إلى أن اللغة تعتبر أحد الأعمدة الأساسية في تشكيل الهوية، فهي ليست مجرد كلمات، بل هي مرآة لثقافة الأمة وحضارتها، ولكننا نواجه اليوم تراجعًا في استخدام اللغة العربية بشكل جلي، سواء في الأسرة أو الشارع أو الإعلام، حيث أصبحت اللغة العربية في حالة اغتراب لغوي وسط انتشار مفردات غير سليمة أثرت على الذوق العام.
وأوضح، أنه في ظل هيمنة العامية المتدنية على الشارع والإعلام، وتزايد تأثير اللغات الأجنبية على اللغة العربية، يجب أن نكون على وعي بأهمية الحفاظ على ثقافتنا وهويتنا من خلال لغتنا، وأكد أنه لا يمكن للأمة أن تبدع إلا من خلال لغتها الأم التي تمثل قيمها وأخلاقها وثقافتها.
كما أكد على أهمية قول الأديب الكبير مصطفى صادق الرافعي: "ما ذلّت لغة شعب إلا ذلّ، ولا انحطّت إلا كان أمره في ذهاب وادبار"، وتابع أنه يثمن المبادرة الأخيرة من وزارة الأوقاف المصرية لدعم الكتاتيب في كافة أنحاء الوطن لدورها الكبير في تحسين مستوى اللغة العربية لدى الأجيال الجديدة.
وفيما يتعلق بالتربية الدينية، شدد الدكتور الصاوي على أن الدين هو أساس الحياة وسبب وجودنا، وفقًا لما ورد في القرآن الكريم "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"، وأضاف أن التربية الدينية تلعب دورًا مهمًا في بناء شخصية الأجيال من خلال الخطاب التعليمي، مشيرًا إلى ضرورة تقديم خطاب ديني وسطي يعكس سماحة الإسلام، بعيدًا عن التطرف بكل أشكاله، سواء كان دينيًا أو لادينيًا، حيث يسعى البعض إلى تهميش الدين في الحياة العامة، وهو ما قد يؤدي إلى الانحرافات الفكرية مثل الإلحاد والعلمنة.
توظيف القواعد وتحويلها من معلومات إلى مهارات حية
بينما علق الدكتور حسن شحاته، أستاذ المناهج التربوية وعضو المجالس القومية المتخصصة، في تصريحات خاصة لموقع “كشكول”، على أهمية اكتساب اللغة العربية الميسرة، حيث أكد أن هذا يتطلب بيئة مشجعة سواء داخل المدرسة أو خارجها.
وأوضح، أن استخدام اللغة الفصحى في التواصل اليومي والاعتزاز بها يعد من الأسس المهمة، مشيرًا إلى أن النمذجة من قبل المعلم والمحاكاة من قبل الطلاب، بالإضافة إلى التكرار والممارسة على أنماط اللغة السليمة، يساهم في تطوير المهارات اللغوية.
كما دعا إلى توظيف القواعد وتحويلها من معلومات إلى مهارات حية يتم ممارستها، وتحفيز الطلاب على المشاركة في الأنشطة اللغوية مثل الخطابة، التمثيل، الإذاعة، والصحافة المدرسية، واستخدام المسابقات والجوائز في تشجيع الممارسات اللغوية من مناقشة وحوار وقراءة وكتابة وتحدث واستماع.
وأكد أن القضية الأساسية هي تقدير استخدام اللغة العربية الميسرة في الدراما، الأغاني، الألعاب اللغوية، والمسابقات اللغوية وباختصار، فإن هذه ممارسات وظيفية يومية في بيئة مشجعة تحفز على الاستخدام الجيد اليومي للغة العربية الميسرة.
كما أضاف الدكتور حسن شحاتة، أن تكوين معلمين ممارسين للغة العربية الميسرة يعد أساسًا مهمًا لتحقيق الممارسات اللغوية والتواصل الفعّال في المناقشات والحوارات داخل الأنشطة المدرسية ومع جميع المعلمين.
وأشار إلى أن المسألة تعتمد على النمذجة والتكرار والممارسة والتفاعل، خاصة إذا كانت المواد اللغوية التعليمية تقدم النصوص اللغوية، سواء كانت شعرًا أو نثرًا، التي تُعرض عبر وسائل الإعلام مثل الأغاني، المسلسلات، الدراما، والمنوعات، وهي جميعها تُمارس باللغة العربية الميسرة والسهل.
تعليق بعض المعلمين على قرار الوزير
قال "مهتدى سلطان"، كبير معلمي اللغة العربية، في تصريحات خاصة لموقع "كشكول"، إن اجتماع شيخ الأزهر ووزير التربية والتعليم كان خطوة مهمة نحو تعزيز اللغة العربية والتربية الدينية، وذلك من خلال متابعة هذه الجوانب في المناهج الدراسية وزيادة الاهتمام بهما، وأكد أنه كان من الضروري الاستماع إلى المختصين في اللغة العربية والعلوم الإسلامية لبحث هذا الموضوع بشكل دقيق.
وفي هذا السياق، قال مهتدى سلطان: إن اجتماع شيخ الأزهر ووزير التربية والتعليم لتعزيز اللغة العربية في المناهج الدراسية يعد خطوة هامة في طريق رفع مكانة اللغة العربية وسموها، وأضاف أن الوزير محمد عبد اللطيف أبدى اهتمامًا بالغًا باللغة العربية منذ بداية عمله، حيث أصبحت اللغة العربية تشكل أكبر مادة في مجموع الثانوية العامة بعد تعديل بعض المناهج وحذف مواد أخرى.
وأشار إلى أن اللغة العربية كانت تمثل 19% من مجموع الثانوية العامة قديمًا، لكنها بعد التعديل أصبحت تمثل 25% من المجموع، مما جعلها محط اهتمام كبير من الطلاب والطالبات للحصول على الدرجات المطلوبة، وبالتالي فإن اهتمامهم بها يساعدهم على إتقانها في الحديث والكتابة، مما يساهم في تقليص الأخطاء اللغوية التي نشهدها حاليًا.
كما أضاف مهتدى سلطان، أن الوزير شعر بتراجع مستوى اللغة العربية بين نسبة كبيرة من طلاب الجامعات، وهو ما ظهر بوضوح من خلال الأخطاء اللغوية المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، ولم يكتف الوزير بذلك، بل اهتم برقي اللغة العربية، وكان ذلك من خلال اتفاقه مع شيخ الأزهر لتعظيم اللغة العربية في المناهج الدراسية المصرية، وأكد أن مصر، باعتبارها بلد الأزهر وعلماء اللغة العربية، يجب أن تظل اللغة العربية فيها في مكانتها الرفيعة، فلا يجوز أن تكون عرضة للإهمال أو التفاخر باللغات الأجنبية باعتبارها مقياسًا للرقي.
وتابع مهتدى سلطان قائلًا: إن احترام اللغة العربية يشكل جزءًا أساسيًا من هوية المجتمع العربي، حيث أن مصر هي قلب العروبة، ومن الضروري أن تُعطى اللغة العربية المكانة التي تليق بها في المجتمع المصري، وأعرب عن أمله في إصدار قرار لمراجعة أي منشورات تصدر باللغة العربية، لضمان أن تكون هذه المنشورات نموذجًا للكتابة الصحيحة للأجيال القادمة، مشيرًا إلى أن الكثير من الأخطاء اللغوية التي تنتشر بين الأجيال الجديدة تعود إلى قراءتهم لمنشورات تحتوي على أخطاء لغوية، مثل كتابة "شيء" بدلًا من "شئ" و"رءوس" بدلًا من "رؤوس".
وفيما يتعلق بالتربية الدينية، أكد مهتدى سلطان على أهمية تعزيز الفهم الصحيح للإسلام المعتدل، الذي يقوم على السماحة الدينية، بعيدًا عن التطرف أو التعصب، وأشار إلى ضرورة الوقوف بحزم لإعادة هيبة اللغة العربية ومكانتها من خلال القرارات التي اتخذها الوزير، سواء بشكل منفرد أو بالتعاون مع شيخ الأزهر، لأن اللغة العربية هي جزء لا يتجزأ من هوية المجتمع المصري، وأن المجتمع بلا هوية لن يكون له مستقبل، وأضاف أنه يجب أن يتم نشر الفهم الصحيح للإسلام عبر الترغيب وليس الترهيب الذي يستخدمه بعض المتطرفين، وأن الأزهر هو المصدر الصحيح لتعليم الناس سماحة الإسلام.
تُعزز القيم الدينية والأخلاقية وترتقي بمكانة اللغة العربية
بينما علق إبراهيم بدر، مدرس لغة عربية، إن اللغة العربية والتربية الدينية أساس بناء الأجيال، ولا شك أن اللقاء الذي جمع بين فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، ووزير التربية والتعليم محمد عبد اللطيف، يعكس أهمية كبيرة تتعلق بمستقبل أجيالنا ودورها في الحفاظ على هويتنا الوطنية وقيمنا الأصيلة.
وأضاف، في تصريحات خاصة لموقع “كشكول”، أن ما طرحه شيخ الأزهر بشأن ضرورة تبني إستراتيجية تعليم تُعزز القيم الدينية والأخلاقية وترتقي بمكانة اللغة العربية يعبر عن وعي عميق بالتحديات التي تواجه مجتمعنا، فالغزو الثقافي الذي أشار إليه يمثل خطرًا حقيقيًا على هوية النشء والشباب، خصوصًا في ظل محاولات تغييب الدين والأخلاق، وإعطاء أولوية للغات الأجنبية على حساب لغتنا الأم.
وأوضح، أن اللغة العربية ليست مجرد أداة للتواصل، بل هي وعاء ثقافتنا وحضارتنا الإسلامية والعربية، والحفاظ عليها وتطوير مهارات أبنائنا في استخدامها هو أساس بناء جيل واعٍ بقيمه وهويته، وأن جهود وزارة التربية والتعليم في التركيز على تدريس اللغة العربية والتربية الدينية خطوة مهمة للغاية لتعزيز شعور الانتماء الوطني، وتهيئة الطلاب لمواجهة التحديات بقيم ثابتة وشخصية متوازنة، ولتعاون بين الأزهر والوزارة لتطوير المناهج وتبادل الخبرات هو رسالة واضحة بأهمية إعداد جيل يحترم دينه، ويعتز بلغته، ويدرك حقوقه وواجباته تجاه وطنه وأمته.
وأؤيد هذه الرؤية التي تضع الدين واللغة العربية في مقدمة الأولويات، وأرى أنها خطوة ضرورية لبناء مجتمع قوي ينطلق من هويته نحو مستقبل أكثر إشراقًا وازدهارًا.
0 تعليق