2024: من ضحايا الحرب إلى كوكب يزداد سخونة

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
‏جيوفانا كوي‏‏؛‏ ‏‏لوسيا ماكنزي؛‏‏‏ ‏‏وهانِه كوكيلير*‏‏ ‏- (بوليتيكو) 30/12/2024 
وسمت الاتجاهات المألوفة عامًا تميز بالانتخابات وإراقة الدماء. ‏ويقدر محللون جيو-مكانيون أن ما يقرب من 60 في المائة من المباني في قطاع غزة قد تضررت على الأرجح بحلول تشرين الثاني (نوفمبر) 2024.اضافة اعلان
‏‏‏‏*   *   *
بروكسل - عندما يتعلق الأمر بالعام 2024، سوف يُغفر لك إذا خالطك شعور مميز بأنك شاهدت كل هذا من قبل.‏
عادت سورية إلى الأخبار، وترتب على القادة الأوروبيين أن يعاودوا التركيز مرة أخرى على مسألة الهجرة. وعلى الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، يستعد دونالد ترامب لعودته إلى البيت الأبيض، في ما يرسل المزيد من موجات الصدمة في المؤسسة السياسية في عام تميز بزخم غير مسبوق للانتخابات.‏
‏استمرت ‏‏الحروب التي ميزت العام 2023‏‏ في الاحتدام، وفي بعض الحالات في التصاعد، بتكلفة باهظة من الأرواح البشرية. ‏
وكما تظهر مخططاتنا، حتى كل ذلك يمكن أن يطغى عليه التهديد الذي يخيم على مستقبل البشرية، الذي يشكله عالم يزداد سخونة. وعلى الرغم من عدد هائل من التحذيرات التي يُطلقها العلماء والمنظمات الدولية، ما تزال البلدان تفشل في احتواء ظاهرة الاحتباس الحراري -وإذا كنا لنصدّق خطابه، فإن ولاية ترامب الثانية يمكن أن تزيد من إضعاف الجهد الدولي المبذول في هذا الصدد.‏
‏بذلك، قد لا يشيع موعد الأعياد هذا شعورًا بالبهجة كما ينبغي أن يفعل. ولكن، بينما نأمل في قدوم أخبار أكثر بهجة في العام 2025، يعمل فريق صحافة البيانات هنا في "بوليتيكو" لتوضيح الكيفية التي تكشف بها العام المنصرم.‏
حرب، حرب، وحرب أخرى‏ أيضا
‏مع مقتل أكثر من 44.500 فلسطيني وإصابة 105.000 آخرين، وفقًا ‏‏لأرقام وزارة الصحة التي تديرها "حماس" في غزة‏‏، فإن التكلفة الإنسانية للحرب بين إسرائيل و"حماس" تستمر في الارتفاع.‏
‏ويقدر المحللون الجيو-مكانيون أن ما يقرب من 60 في المائة من المباني في قطاع غزة تضررت على الأرجح بحلول تشرين الثاني (نوفمبر) 2024، وهو ما يعني أن العديد من النازحين داخليًا ‏‏البالغ عددهم 1.9 مليون‏‏ شخص لن تكون لديهم منازل ليعودوا إليها.‏
زادت الحرب بين إسرائيل و"حماس" من الأعمال العدائية في جميع أنحاء المنطقة، حيث ‏‏أدت الاغتيالات،‏‏ ‏‏والتفجيرات،‏‏ ‏‏وموجات القصف‏‏ ‏‏الصاروخي‏‏ إلى إخراج الصراع بالوكالة بين إيران وإسرائيل إلى العلن. وبعد ما يقرب من العام من تبادل الضربات الصاروخية، بلغ الصراع بين إسرائيل و"حزب الله" ذروته في تشرين الأول (أكتوبر) مع ‏‏الغزو البري الإسرائيلي لجنوب لبنان‏‏، على الرغم من أن الهجمات انخفضت بشكل كبير بعد اتفاق وقف إطلاق النار. ‏
‏وفي سورية المجاورة، أدت الإطاحة الدراماتيكية بنظام بشار الأسد، التي سرعان ما أعقبتها‏‏ الضربات الجوية‏‏ الإسرائيلية على مخزونات البلد من الأسلحة ودخول القوات البرية الإسرائيلية إلى ‏‏المنطقة منزوعة السلاح،‏‏ إلى تكثيف مناخ عدم اليقين في المنطقة. ‏
على الطرف الآخر من أوروبا، تستمر حرب روسيا في أوكرانيا. وقد حقق الأوكرانيون بعض النجاحات في العام 2024، فأصبحوا ال‏‏قوة المهيمنة‏‏ في البحر الأسود على الرغم من الحجم الصغير للقوة البحرية للبلد، وشنوا هجومًا مضادًا على ‏‏منطقة كورسك الروسية‏‏ في آب (أغسطس). لكنهم ينهون هذا العام في موقف ضعيف بعد أن فقدوا العديد من مكاسبهم الإقليمية وشهدوا العديد من جنودهم يقتلون.‏
‏لكن ضغط روسيا المستمر يأتي بتكلفة هائلة على قواتها أيضًا، حيث كانت الأشهر القليلة الماضية وحشية للغاية. وقدر "معهد دراسة الحرب"، وهو مركز أبحاث أميركي، أن ‏‏53 ضحية روسية سقطت مقابل كل كيلومتر مربع من الأراضي الأوكرانية تم اكتسابها بين أيلول (سبتمبر) وتشرين الثاني (نوفمبر) من العام 2024. ‏
عام انتخابي استثنائي‏
‏مع خروج المواطنين في أكثر من 60 دولة، بما فيها فرنسا والمملكة المتحدة وبلغاريا والهند واليابان والولايات المتحدة، وكذلك للبرلمان الأوروبي، إلى مراكز الاقتراع، كان 2024 عامًا انتخابيًا بامتياز. وبينما عززت القوى اليمينية موقفها بقوة وعلى نطاق واسع في التيار السياسي السائد، شهدت الانتخابات نفسها منصات التواصل الاجتماعي، مثل "تيك-توك" وهي تمارس تأثيرًا أكبر من أي وقت مضى -بل وتحدد شكل الحملات.‏
‏كان ميل أوروبا إلى اليمين واضحًا في العديد من انتخابات هذا العام. في بعض البلدان، صعدت الأحزاب اليمينية المتطرفة إلى السلطة. وفي حالات أخرى، اكتسبت موقعًا يمكنها من ممارسة ضغط كبير على الحكومات.‏
أصبح المحافظون والإصلاحيون الأوروبيون اليمينيون بزعامة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني ‏‏سماسرة سلطة‏‏ في الاتحاد الأوروبي بعد انتخابات البرلمان الأوروبي التي أجريت في حزيران (يونيو). وأغرق قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الصادم الدعوة إلى انتخابات مبكرة في أعقاب التصويت على الاتحاد الأوروبي، البلد في فوضى سياسية.‏
‏لعل ما كان مثيرًا للاهتمام بشكل خاص هو أن نجاح اليمين المتطرف في العديد من الانتخابات دعا إلى تحديث الصورة النمطية لناخبيه على أنهم رجال مسنون غاضبون.‏
بدلاً من ذلك، أوضحت الانتخابات، واستطلاعات الرأي عند مراكز الاقتراع والمسوحات في أجزاء مختلفة من الكتلة الأوروبية ‏‏أن الناخبين الشباب أصبحوا يلقون بدعمهم بشكل متزايد خلف أحزاب اليمين المتطرف.‏ وأظهر استطلاع لتوجهات الشباب الألمان تزايد شعبية حزب "البديل من أجل ألمانيا" بين أصغر الناخبين عمرًا في البلاد.‏
‏لم ‏‏يتحقق‏‏ التوقع بأن الذكاء الاصطناعي سيستولي على ديمقراطيتنا بالضبط - لكن الأحداث الأخيرة قدمت لنا ‏‏معاينة أولية تجمد الأطراف‏‏.‏
في كانون الأول (ديسمبر)، ‏‏ألغت المحكمة العليا‏‏ في رومانيا انتخابات رئاسية بعد فوز المنافس الأضعف فيها، القومي المتطرف كولين جورجيسكو، في الجولة الأولى، مستشهدة بأدلة على تدخل واسع النطاق للتأثير بواسطة "تيك-توك" - يزعم أنه مدبر من روسيا.‏
‏وعلى الرغم من أن "تيك-توك" لم يمنح القوى اليمينية المتطرفة في أوروبا انتصارًا صريحًا مباشراً في انتخابات البرلمان الأوروبي في حزيران (يونيو)، إلا أنه ‏‏وفر لها‏‏ منصة ضخمة للوصول إلى ناخبين جدد.‏
ذعر من الهجرة، كما لو أنه العام 2015‏
‏عملت الحروب وعدم الاستقرار السياسي في جوار الاتحاد الأوروبي، مصحوبة بتحول ملحوظ نحو اليمين في المشهد السياسي الأوروبي، على إعادة مسألة الهجرة بقوة إلى أجندة الزعماء الأوروبيين. وأدت زيادة الدعم للأحزاب اليمينية المتشددة المناهضة للهجرة في العديد من البلدان الأوروبية إلى تبني الحكومات سياسات هجرة تزداد تقييدًا باطراد.
‏كما يبدو، ولت أيام سياسة الباب المفتوح التي كانت أوروبا تنتهجها بشأن اللاجئين السوريين، والتي تجسدت في شعار المستشارة الألمانية آنذاك، أنجيلا ميركل، "يمكننا أن نفعل"! وأصبح تأمين حدود أوروبا هو الأولوية رقم 1، وفي بعض الأماكن، وصل الأمر إلى اشتمال النقاش السياسي لفكرة إبعاد المهاجرين عن أراضي الاتحاد الأوروبي بالكامل.‏
ولم تكن بروكسل استثناءً من هذا الواقع. فقد وعدت المفوضية الأوروبية، التي أعيد تشكيلها في الأول من كانون الأول (ديسمبر) تحت قيادة الرئيسة أورسولا فون دير لاين (التي صادقت على تعيينها أغلبية يمينية في البرلمان الأوروبي)، باتخاذ إجراءات صارمة للتعامل مع الهجرة. والآن أصبحت السياسات التي كانت تعتبر في السابق هامشية ومتطرفة، مثل إنشاء "مراكز العودة" و"النقاط الساخنة" في بلدان ثالثة لاحتجاز طالبي اللجوء الذين ينتظرون معالجة طلباتهم، فضلاً عن الترحيل القسري لهم، شؤونًا راسخة في التيار السياسي السائد.
كما تقع "شنغن" -أكبر منطقة للتنقل الحر في العالم ‏‏وجوهرة التاج في مشروع التكامل‏‏ الأوروبي- أيضا ضحية للمشاعر المناهضة للهجرة. وقد أعادت دول عدة، من بينها ألمانيا، فرض ضوابط مؤقتة على حدودها داخل منطقة "شنغن"، مشيرة إلى المخاطر الأمنية والإرهاب والهجرة كأسباب لتجديد التدقيق. ومن المفترض أن تكون هذه القيود مؤقتة، لكن بعضها تم تمديده مرات عديدة حتى أنها أصبحت دائمة تقريبًا.‏
مشاكل أوروبا لا تتوقف عند هذا الحد...‏
‏لدى الاتحاد الأوروبي مخاوف أخرى تستمر إلى العام 2025. مع النمو الاقتصادي المخيب للآمال، والقضايا المتعلقة بالقدرة التنافسية‏‏ والقطاع الصناعي المتعثر‏‏، فإن آخر شيء تحتاجه أوروبا الآن هو اندلاع حرب تجارية. ‏
‏لكنّ هذا بالضبط هو ما قد تحصل عليه. وقد تسبب تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 10 في المائة على جميع السلع و60 في المائة على السلع الصينية في إثارة خوف الأوروبيين من الآثار غير الرسمية المحتملة لهذه الإجراءات. وسيترتب على الكتلة النضال ‏‏للتوفيق بين الصراع ‏‏بين الولايات المتحدة، أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي، والصين، ثاني أكبر شريك تجاري لها وأكبر مصدَر للواردات. ‏
‏… أو هناك‏
ثمة حقيقة تضع إرهاب التعريفات الجمركية في منظوره الصحيح، هي أن العام 2024 في طريقه إلى أن يكون العام الأكثر سخونة على الإطلاق. وسوف يكون أيضًا أول عام ارتفعت فيه حرارة الكوكب بمقدار 1.5 درجة مئوية عن مستويات ما قبل الثورة الصناعية. ويشكل عدم القدرة على احتواء الاحترار بحيث لا يصل إلى 1.5 درجة -وهو التزام تعهدت به الدول في "مؤتمر باريس للمناخ" في العام 2015- أحد أعراض ‏‏فشل التعاون الدولي بشأن المناخ‏‏.‏
أكد أحدث ‏‏تقييم للأمم المتحدة‏‏ أن العمل المناخي العالمي غير كاف على الإطلاق. وستؤدي الخطط والسياسات الحالية إلى ارتفاع الاحترار بمقدار 2.6 إلى 3.1 درجة مئوية في هذا القرن، مع عدم وجود احتمال للحد من ارتفاع درجة الحرارة وفق هدف 1.5 درجة مئوية المحدد. كما أن الحد الأعلى لاتفاقية باريس البالغ درجتين مئويتين معرض بدوره لخطر جسيم. ‏
‏ترتفع شدة وتواتر موجات الحر الخطيرة والعواصف المدمرة والكوارث الأخرى مع كل شذرة من الاحترار. ويقول العلماء إنه مع ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 3 درجات مئوية، يمكن أن يمر العالم بنقاط عدة من اللاعودة، والتي من شأنها أن تغير بشكل كبير مناخ الكوكب وتزيد من ارتفاع مستويات سطح البحر، بما في ذلك من خلال انهيار القمم الجليدية القطبية.‏
اتسم مؤتمر المناخ COP29 هذا العام في باكو، أذربيجان، مرة أخرى، بالخلافات والتناقضات. وفي حين توصل المفاوضون‏‏ إلى اتفاق‏‏ يمكن أن يشهد تقديم الدول الأكثر ثراء ما لا يقل عن 300 مليار دولار سنويًا بحلول العام 2035 لمساعدة الدول الفقيرة في معركتها ضد تغير المناخ، وجدت العديد من ‏‏التحليلات‏‏ أن هذا المبلغ هو أقل بكثير من تريليونات الدولارات اللازمة لمساعدة البلدان الضعيفة التي سيتعين عليها تحمل تبعات الجفاف والفيضانات، وارتفاع سطح البحار وتفاقم العواصف.‏
‏تلقي عودة ترامب إلى البيت الأبيض في كانون الثاني (يناير) بظلال من الشك -ليس على مستقبل هذه الصفقة فحسب، ولكن على كل ‏‏مؤتمرات المناخ الدولية أيضًا‏‏. ومن المرجح أن ‏‏يتراجع‏‏ الرئيس المنتخب، الذي وصف الحديث عن ‏‏ظاهرة الاحتباس الحراري بأنه خدعة‏‏، عن العديد من سياسات المناخ الأميركية في وقت مروع لكوكب الأرض.‏

‏*جيوفانا كوي‏ Giovanna Coi: صحفية بيانات في بوليتيكو.‏ قبل انضمامها إلى المجلة عملت كمستشارة في "ذا نذرلاندز"، وهي تركز على سرد القصص الرقمية وتجسيد البيانات.‏ ‏تخرجت بتخصص الصحافة الحاسوبية والبيانات من جامعة كارديف. قبل ذلك، حصلت على درجة الماجستير في الشؤون الدولية من جامعة بولونيا.‏ ‏لوسيا ماكنزي Lucia Mackenzie: منتجة بصرية في بوليتيكو.‏ انتقلت إلى بروكسل من إدنبرة، حيث عملت كمساعدة باحث في شراكة ديفلي، حيث غطت المواقف العامة تجاه القضايا الاقتصادية والاجتماعية في اسكتلندا. نشأت في اسكتلندا وألمانيا وحصلت على شهادة في السياسة بأساليب كمية من جامعة إدنبرة. هانِه كوكيلاير‏ Hanne Cokelaere: صحفية بيانات في بوليتيكو.‏ درست الفلسفة في جامعة لوفين وحصلت على درجة الماجستير في الدراسات الأوروبية والقانون الدولي والأوروبي. خلال دراستها، أمضت فصلا دراسيا في إيراسموس في فرنسا وتدربت في صحيفتي دويتشه فيله وبوليتيكو.‏
*نشر هذا التقرير تحت عنوان: 2024 by the numbers: From victims of war to a warming planet

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق