واشنطن تعود إلى دمشق وسط الرهانات على العملية الانتقالية السورية

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
سيكون للنتائج التي توصل إليها الوفد الأميركي بشأن القضايا السياسية والأمنية الرئيسية تأثير كبير على مستقبل تواصل الولايات المتحدة مع القادة الجدد في سورية، بما في ذلك قرار رفع العقوبات أو الإبقاء عليها.اضافة اعلان
*   *   *
للمرة الأولى منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2011، عندما تم سحب السفير الأميركي روبرت فورد من سورية بسبب مخاوف أميركية من قمع نظام الأسد للمتظاهرين، تعود واشنطن إلى دمشق -هذه المرة للتواصل مع الحكومة الانتقالية الجديدة بقيادة جماعة المتمردين "هيئة تحرير الشام". وفي العشرين من كانون الأول (ديسمبر)، التقى مسؤولون أميركيون مع زعيم "هيئة تحرير الشام" أبو محمد الجولاني (المعروف أيضاً باسم أحمد الشرع) للبحث عن معلومات حول الأميركيين المفقودين؛ أوستن تايس، ومجد كمالماز، وآخرين. كما كان من المقرر أن يلتقوا بشخصيات من المجتمع المدني ونشطاء وممثلين عن مختلف مجتمعات الأقلية. وضم الوفد باربرا ليف، مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى؛ وروجر كارستنز، المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص لشؤون الرهائن؛ ودانيال روبنشتاين، وهو مستعرب منذ فترة طويلة وسفير أميركي متقاعد استُدعي حديثاً للخدمة. وتأتي زيارتهم في أعقاب إعلان وزارة الدفاع الأميركية عن زيادة قواتها العسكرية في سورية من 900 إلى 2.000 جندي، مما يعكس المخاوف من احتمال استغلال تنظيم  "داعش" للوضع الجديد.
تأتي زيارة الوفد في وقت حاسم من عملية الانتقال في سورية، والتي من المقرر أن تستمر رسمياً حتى 1 آذار (مارس). وتشير مصادر محلية إلى أن المرحلة الثانية من العملية الانتقالية ستبدأ خلال الأيام المقبلة، حيث من المفترض أن تقوم "هيئة تحرير الشام" بفتح العملية أمام ممثلين أكثر تنوعاً من جميع أطياف المجتمع السوري، وليس الموالين لها الذين أشرفوا على المرحلة الأولى فقط. وبالتالي، فإن هناك الكثير على المحك بالنسبة للوفد الأميركي والجهود الأوسع نطاقاً لواشنطن لإعادة تطوير سياسة تجاه سورية.
"هيئة تحرير الشام" تعزز سيطرتها
في كثير من النواحي، تعكس زيارة دمشق والتواصل مباشرة مع "هيئة تحرير الشام" إقراراً ضمنياً بالمرحلة الأولى من العملية الانتقالية. وما تزال الجماعة مصنفة كمنظمة إرهابية أجنبية بموجب القانون الأميركي، مما يخلق بعض الحرج السياسي، لكنه لا يمنع المسؤولين الأميركيين من العمل مع الحكومة الانتقالية الجديدة. وعلى الرغم من أن واشنطن وحلفاءها فرضوا العديد من الشروط على "هيئة تحرير الشام"، إلا أن الإدارة الانتقالية في سورية اكتسبت شرعية دولية كبيرة خلال فترة قصيرة جداً، جزئياً من خلال اجتماعاتها مع مسؤولين من العراق، والبحرين، وعُمان، ومصر، والإمارات، والأردن، والسعودية، وإيطاليا، وتركيا، وقطر، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا. ومن الجدير بالذكر أن هذا التفاعل حدث بسرعة وعلى نطاق أوسع بكثير مما حدث مع حركة طالبان في أفغانستان، وهي جماعة إرهابية أخرى تمكنت من السيطرة فجأة على دولة بأكملها.
ركز أحد أهداف "هيئة تحرير الشام" للمرحلة الأولى على التواصل مع الأمم المتحدة والمسؤولين الغربيين والدول العربية وتركيا لضمان دعمهم الأولي لعملية انتقالية بقيادة سوريّة. كما سارعت الجماعة إلى تعزيز سيطرتها على المؤسسات الحكومية والبدء في تنفيذ هيكلها الإداري في معظم أنحاء البلاد. وبطبيعة الحال، ما تزال "هيئة تحرير الشام" غير مسيطرة على مناطق رئيسية عدة، وهي:
• المناطق الشمالية والوسطى من محافظتي حلب والرقة، التي تسيطر عليها مجموعة مظلة ميليشيات "الجيش الوطني السوري" المدعومة من تركيا.
• المنطقة الجنوبية من محافظة الرقة، والمنطقة الشرقية من محافظة دير الزور، ومحافظة الحسكة بأكملها التي تسيطر عليها "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) التي يقودها الأكراد والمدعومة من الولايات المتحدة.
ومع ذلك، وضعت "هيئة تحرير الشام" بالفعل بقية سورية تحت سيطرة أجهزتها الحاكمة، مؤمنةً دعماً كافياً من الوجهاء المحليين ومجتمعات الأقليات. كما بدأت عملية واسعة النطاق لتقصي الحقائق داخل وزارات النظام السابق، ومديرياته، ومكاتبه، والنقابات المهنية، واتحادات العمال، وما إلى ذلك. والهدف المعلن لهذه العملية هو تحديد ما يجب الاستغناء عنه، ومن يجب إقالته، وما الذي يمكن أن تفعله القيادة الجديدة لتحويل نظام الامتيازات الفاسد للنظام السابق إلى نظام أكثر استحقاقاً، على غرار دولة حكومة الإنقاذ التي أنشأتها "هيئة تحرير الشام" في محافظة إدلب قبل سقوط الأسد. كما أعلنت الجماعة عن تعيين محافظين جدد لكل من المحافظات الواقعة تحت سيطرتها.
مطلوب المزيد من التفاصيل بشأن المرحلة الثانية
وفقاً لـ"هيئة تحرير الشام"، تم الآن الانتهاء من الاستعدادات لإطلاق حوار وطني شامل خلال الأيام المقبلة. ومن المفترض أن يشمل الاجتماع الأول في هذا الحوار جميع الهيئات والمجتمعات (الطوائف) السورية، بدءاً من ممثلي الجماعات السياسية وإلى شخصيات المجتمع المدني والأكاديميين والعلماء والمستقلين. وستحضر الفصائل العسكرية المتمردة أيضاً -وهو ما قد يثير القلق نظراً لأن العديد من المشاركين قد يفضلون على الأرجح ضم المدنيين فقط، ما لم يحضر الممثلون العسكريون لمناقشة إصلاح الجيش ووزارة الدفاع فقط. وأشارت "هيئة تحرير الشام"، أيضاً، إلى أن الحوار سيضع الأسس للمراحل اللاحقة من العملية الانتقالية وآلية إدارة شؤون الدولة بعد الأول من آذار (مارس).
كما هو الحال مع البيانات الأخرى التي أصدرتها الجماعة خلال الأسابيع القليلة الماضية، يبدو كل هذا جيداً من حيث المبدأ. ومع ذلك، وكما هو معتاد، يكمن الشيطان في التفاصيل التي لم يتم الكشف عن الكثير منها بعد.
في الواقع، ستختبر المرحلة الثانية مدى استعداد "هيئة تحرير الشام" لمشاركة سلطتها المكتسبة حديثاً مع شريحة أوسع من المجتمع. وكانت المرحلة الأولى إلى حد كبير بمثابة شهر عسل -وهو أمر مفهوم بالنظر إلى الدور القيادي الذي لعبته الجماعة في الإطاحة بالأسد. وعلاوة على ذلك، فإن توقع حصول "هيئة تحرير الشام" على جميع الإجابات على الفور هو أمر غير واقعي -فحتى قادة الجماعة أنفسهم ربما لم يصدقوا على الأرجح أنهم سيسقطون النظام في غضون عشرة أيام، مما أجبرهم على التماسك بسرعة. ومع ذلك، فإن الحوار الوطني والمناقشات المتعلقة بالمرحلة الثالثة من العملية الانتقالية سيجبران قادة "هيئة تحرير الشام" على الكشف عن نواياهم بوضوح، مما يمنح واشنطن رؤية أفضل لمعرفة ما إذا كانوا سيلتزمون بالتصريحات الأخيرة بشأن الشمولية أو سيطبقون نموذج الحكم الذي أنشأوه في إدلب، حيث احتكرت "هيئة تحرير الشام" السلطة إلى حد كبير من خلال نظام نخبوي يهيمن عليه الذكور. وقد شهدت المرحلة الأولى استمرار هذا التوجه الاحتكاري؛ أما كيفية تعامل "هيئة تحرير الشام" مع المرحلة الثانية، فستحدد ما إذا كانت "الهيئة" ستضع أسس انتقال ناجح أو ستثير ردود فعل محلية عنيفة.
أول زيارة لواشنطن وأولويات الولايات المتحدة
نظراً لقصر مدة هذه الرحلة، كان بإمكان المسؤولين الأميركيين التركيز على أولويات محدودة الآن والعمل على القضايا الأكبر لاحقاً. والأولويات الأولى واضحة: يجب أن تحصل البعثة على مزيد من التفاصيل حول أماكن وجود الأميركيين الذين اختطفهم النظام السابق وعذّبهم وسجنهم، وتقييم الوضع العام على الأرض من خلال التحدث مع جهات فاعلة أخرى في ما يتخطى "هيئة تحرير الشام". وتشير المصادر إلى أن المهمة الأولى هي الهدف الرئيسي للمبعوث الخاص خلال هذه الرحلة.
والأولوية الثانية هي توضيح مستقبل مهمة مكافحة الإرهاب الأميركية في سورية. ويتطلب ذلك مناقشات حول حماية القوات الأميركية، وهي الحملة ضد تنظيم "داعش"، ومصير السجون والمخيمات السورية التي تحتجز الآلاف من الأفراد المرتبطين بـ"داعش"، ودور "قوات سورية الديمقراطية"، الشريك الرئيسي للولايات المتحدة على الأرض في مواجهة تنظيم "داعش"، والقوة التي أشرفت على جميع هذه المنشآت الاحتجازية لسنوات. وكانت واشنطن تجري بالفعل محادثات مع تركيا بشأن الهجمات المستمرة "للجيش الوطني السوري" على مواقع "قوات سورية الديمقراطية" ونوايا تركيا الأوسع نطاقاً في مرحلة بعد الأسد؛ وقد تساعد زيارة دمشق المسؤولين (الأميركيين) على تقييم كيفية انسجام "هيئة تحرير الشام" بشكل أفضل في هذا السياق. وعلى وجه التحديد، هل ستتخذ الجماعة موقفاً مختلفاً تجاه "قوات سورية الديمقراطية" وشمال شرق سورية بشكل عام؟ وهل ستلعب "هيئة تحرير الشام" دوراً بناءً في محاربة تنظيم "داعش"؟ على سبيل المثال، من خلال التحدث مع قادة "قوات سورية الديمقراطية" حول دمج قواتهم التي أثبتت جدارتها في مكافحة الإرهاب في الجيش الوطني المستقبلي لسورية؟
والأولوية الثالثة هي توضيح المعايير التي ستعتمدها واشنطن عند تقييم "هيئة تحرير الشام" في الأسابيع المقبلة. يجب أن يركز هذا التقييم على مدى استعداد الجماعة وقدرتها على تنفيذ عدة مهام رئيسية، وهي: الحفاظ على القانون والنظام، والحكم الشامل، والعمل مع المجتمع الدولي للتخلص من الأسلحة الكيميائية المتبقية في سورية، ومنع الجهات الإرهابية من استخدام البلاد كمنصة لشن هجمات ضد شركاء الولايات المتحدة في المنطقة. وتشير التقارير الأولية من الاجتماع مع الجولاني إلى أنه طمأن الوفد الأميركي بشأن قضية الإرهاب؛ وفي المقابل، أخبره المسؤولون الأميركيون أن واشنطن لن تتابع بعد الآن المكافأة البالغة 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تساعد في اعتقاله.
وفي الوقت نفسه، يناقش أعضاء الكونغرس الأميركي بشكل متزايد سبل تخفيف العقوبات المختلفة المفروضة على سورية والمتعلقة بالنظام السابق. ومع ذلك، إذا استمرت "هيئة تحرير الشام" في احتكار السلطة كما فعلت في إدلب -على سبيل المثال، من خلال استخدامها قائمة محددة مسبقاً لتقييد من يشارك في عملية الحوار الوطني الوشيك- فمن المرجح أن يعتبر المشرعون الأميركيون ذلك إشارة سلبية ويبقون العقوبات سارية في الوقت الحالي. وتتوفر لدى المسؤولين الأميركيين بمجرد عودة الوفد الأميركي من سورية فكرة أوضح بكثير عن كيفية تطور العملية الانتقالية وما إذا كانت ستوفر فرصاً أكبر لواشنطن ودمشق للعمل معاً، ربما مع تقليل العقوبات التي تعيق هذا التعاون.

*د. هارون ي. زيلين: زميل أقدم في برنامج الزمالة "غلوريا وكين ليفي" في "برنامج جانيت وايلي راينهارد لمكافحة الإرهاب والاستخبارات" في معهد واشنطن، حيث يتركز بحثه على الجماعات الجهادية العربية السنية في شمال أفريقيا وسورية، وعلى نزعة المقاتلين الأجانب والجهادية الإلكترونية عبر الإنترنت. وهو مؤلف دراسة بعنوان "عصر الجهاد السياسي: دراسة هيئة تحرير الشام".

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق