السباق السلطاني للفروسية.. السياق التاريخي واللحظة الإنسانية

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

إذا كانت كل المشاهد التي تصنعها عُمان مهيبة ومليئة بالدلالات الناطقة دون كلام فإن المهرجان السلطاني لسباقات الخيل الذي أقيم اليوم بمدينة العاديات وشرّفه المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- كان أحد ذروات المهابة العمانية التي تحتفي بجماليات التراث الإنساني، حيث تناغمت اللوحات الفنية التي قدمت في المهرجان بجمال الخيل وشموخها سواء وهي تعدو ضباحا نحو خط النهاية في سباق يعيد إلى الأذهان سباق الحياة مع الزمن أو وهي تختال بدلالها وجمالها في اللوحات الاستعراضية التي بدت تليق بالسلطان المعظم الذي شرّف المكان والمهرجان وأعطى للمناسبة هيبتها ودلالتها في الوجدان العمانية بشكل عام وفي الوجدان السلطاني بشكل خاص، وأكد على عنايته الشخصية بالفروسية باعتبارها رمزا متجذرا في الثقافة العمانية، وركنا من أركان الهوية الوطنية.. بل، أيضا، باعتبارها ركنا متجذرا في الثقافة العربية منذ «قيد الأوابد» في عصر الشاعر الجاهلي امرؤ القيس و«الرماك» في عهد اليعاربة إلى «سوكو» الذي توِّج اليوم بكأس جلالة السلطان المعظم في أغلى سباقات المهرجان.. في إمداد إنساني لا ينقطع وتكرس حضوره مثل هذه المهرجانات الكبرى.

وقد نجح المهرجان السلطاني في رسم صورة باهرة استطاعت أن تصنع مهابة للحدث تليق براعي المناسبة ومكانته وتليق بتاريخ عُمان وتليق بمكانة الخيل في الوجدان الإنساني التي ارتبطت على الدوام بمفردات الجمال والقوة والعنفوان والشموخ والإرادة الحرة.

واحتلت الخيل في الأدب الإنساني مكانة مرموقة منذ الملحمات الإغريقية إلى الشعر العربي الذي احتفى بالخيل احتفاء لا يعادله احتفاء آخر حيث ارتبط حضورها بالقيم النبيلة كالشجاعة، والوفاء، والحرية.. وبكل ما يمكن أن يكون مصدر فخر للإنسان العربي.

ورغم الرمزية الكبرى للخيل في الثقافة العربية فإنها في الثقافة العمانية تتحوّل إلى ما يمكن أن نعتبره رمزا حضاريا مرتبطا ارتباطا وثيقا بمسيرة الإنسان وجزءا أساسيا من ملامح تاريخه.

واستطاع المهرجان السلطاني للفروسية اليوم أن يجسد كل هذه المفردات وأن يناغم بين كل هذه الفنون وما تحمله من دلالات تاريخية وثقافية الأمر الذي جعل المهرجان يوصف بالفخامة والثراء ويجعل المهرجان بين أكثر المهرجانات العالمية التي تعنى بالفروسية حضورا وتميزا. وهذا ليس جديدا على عُمان وليس جديدا على الجهة المنظمة له؛ فالأمر له سياقه التاريخي وله تراكمه المعرفي الراسخ. ويمكن أن نفهم تفضُّل حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم بحضوره الشخصي لرعاية المهرجان يأتي في سياق ترسيخ القيم الثقافية وإبراز الهوية العمانية بمختلف جوانبها، بما في ذلك تلك البطولات التي حققها العمانيون على ظهور الصافنات في مسيرتهم التاريخية.. وكم هو العالم في حاجة ماسّة، في غمرة طفرة الحياة المادية، أن يعود إلى مثل هذه القيم الأصيلة التي تعيد تكريس إنسانية الإنسان ونبله.. وليس في هذا أي عائق أمام حركة التقدم المجتمعي بل دليل توازن بين الأصالة والمعاصرة.

وإذا كان المهرجان قد أعاد توهج شعلة الإرث العماني المرتبط بالفروسية سباقا واستعراضات ومهارات وفنونا مغناة وحضورا شعريّا فإن مثل هذا الوهج سيبقى في ظل الاهتمام السامي نابضا بالحياة وملهما لأجيال عمانية صاعدة وقادرا على صناعة النموذج الحضاري الفريد الذي يمزج بين الماضي العريق والحاضر المزدهر.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق