عمر بارتوف؛ ونرمين الشيخ* - (ديموكراسي ناو) 31/12/2024
منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، أسفر هجوم إسرائيل على غزة عن مقتل أكثر من 45.500 فلسطيني وإصابة أكثر من 108.000 آخرين. وفي الوقت نفسه، يواصل المسؤولون في غزة اتهام إسرائيل بعرقلة تسليم المساعدات عمدًا. وتدين منظمات حقوق الإنسان إسرائيل لمهاجمتها البنية التحتية الفلسطينية المنقذة للحياة، بما في ذلك إمدادات المياه والنظام الطبي في غزة.اضافة اعلان
كل هذا أدى إلى إعلان المتخصص الرائد في العالم في موضوع الإبادة الجماعية أن إسرائيل تنفذ مزيجًا من "أعمال الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وضم قطاع غزة". ويصف عمر بارتوف Omer Bartov، الأستاذ الإسرائيلي - الأميركي المتخصص في دراسات الهولوكوست والإبادة الجماعية في جامعة براون، سبب اعتقاده بأن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة الآن. ويقول بارتوف، الذي يحذر من أن إفلات إسرائيل من العقاب من شأنه أن يعرض صرح القانون الدولي بأكمله للخطر: "كانت هناك في الواقع محاولة منهجية لجعل غزة مكانًا غير صالح للسكن، فضلاً عن تدمير كل المؤسسات التي تجعل من الممكن لمجموعة أن تحافظ على وجودها -ليس جسدياً فقط بل ثقافيًا أيضًا. وهذا فشل أخلاقي كامل من جانب نفس البلدان التي تدعي أنها الحامية الرئيسية للحقوق المدنية والديمقراطية وحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم".
***
- نرمين الشيخ: هنا برنامج "الديمقراطية الآن! تقرير الحرب والسلام". وأنا نرمين الشيخ.
مع اقتراب العام 2024 من نهايته، تؤكد تفاصيل جديدة من وزارة الصحة في غزة إصابة أكثر من 108.000 فلسطيني في الهجوم الإسرائيلي المستمر منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، ومقتل أكثر من 45.500 آخرين -على الرغم من أنه يُعتقد أن العدد الحقيقي أعلى من ذلك بكثير. وفي الوقت نفسه، يواصل المسؤولون في غزة اتهام إسرائيل بعرقلة وصول المساعدات الإنسانية عمدًا، كما حذرت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) من "مجاعة وشيكة" في غزة، حيث يواجه السكان انعدام الأمن الغذائي الشديد.
يأتي هذا في وقت يحتج فيه الآلاف من الإسرائيليين ضد حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، مطالبين بإنهاء الحرب في غزة، وعقد اتفاق لوقف إطلاق النار يعيد الرهائن الإسرائيليين الذين ما يزالون محتجزين لدى "حماس".
يقول ضيفنا التالي إن إسرائيل تنفذ مزيجًا من "أعمال الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وضم قطاع غزة". ضيفنا هو عمر بارتوف، أستاذ دراسات الهولوكوست والإبادة الجماعية في جامعة براون. وهو باحث إسرائيلي أميركي وصفه متحف ذكرى الهولوكوست في الولايات المتحدة بأنه أحد أبرز المتخصصين في العالم في موضوع الإبادة الجماعية. كان مؤخرًا في إسرائيل وعاد للتو في وقت سابق من هذا الشهر (كانون الأول/ ديسمبر).
أستاذ بارتوف، مرحبًا بك مرة أخرى في "الديمقراطية الآن"! هل يمكنك أن تبدأ بشرح سبب اعتقادك بأن هناك إبادة جماعية تحدث الآن في غزة؟
• عمر بارتوف: نعم. شكرًا لاستضافتي مرة أخرى. أريد فقط أن أبدأ بالقول إنني كنت أستمع إلى المقابلة مع الدكتور أبو ستة، وأود فقط أن أعرب عن تقديري لكل العمل الذي قام به وكل ما قاله في الجزء السابق.
بدأتُ، كما قد تعلمون، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2023، بنشر مقال رأي في صحيفة "نيويورك تايمز" كتبت فيه أنني أعتقد أن جيش الدفاع الإسرائيلي يرتكب ما يبدو أنه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، لكنني لم أكن مقتنعًا بعد بأن لدينا أدلة كافية تثبت أن هذا كان عمل إبادة جماعية. وقد تغيرت وجهة نظري فعليًا في أيار (مايو) 2024 مع قرار جيش الدفاع الإسرائيلي، على الرغم من معارضة الولايات المتحدة، غزو رفح، آخر منطقة في قطاع غزة لم يكن قد تم الاستيلاء عليها بعد. كان هناك حوالي مليون فلسطيني نزحوا بالفعل مرات عدة، وقام جيش الدفاع الإسرائيلي بتهجيرهم مرة أخرى إلى منطقة الشاطئ، المواصي، من دون وجود أي بنية تحتية مناسبة على الإطلاق -إلى مدن خيام على طول الشاطئ، ثم شرع الجيش في هدم جزء كبير من رفح.
كان عند تلك اللحظة حين بدأت أنظر في العملية برمتها، بدءًا من التصريحات التي أدلى بها في البداية، في السابع والثامن والتاسع من تشرين الأول (أكتوبر)، القادة السياسيون والعسكريون الإسرائيليون من السلطة التنفيذية، الذين قالوا إنهم يريدون تدمير غزة، وإنه ليس هناك أحد غير متورط في غزة، وما إلى ذلك. بدا في تلك اللحظة أن هناك محاولة منهجية لجعل غزة منطقة غير صالحة للسكن، فضلاً عن تدمير كل المؤسسات التي تجعل من الممكن لأي مجموعة بشرية أن تحافظ على وجودها -ليس جسديًا فقط، وإنما ثقافيًا أيضًا؛ هويتها، وذاكرتها الجماعية، وهو ما عنى تدميراً منهجياً للجامعات، والمدارس، والمساجد، والمتاحف -وبالطبع المساكن والبنية الأساسية. وبذلك، كان ما يستطيع المرء أن يراه بحلول ذلك الوقت هو أن هناك ما يمكن أن نسميه "إبادة حضرية"؛ محاولة تدمير المراكز الحضرية؛ تدميرها فيزيائيًا، و"إبادة مدرسية" -أي قتل أعضاء المؤسسات التعليمية والمدارس والأساتذة في الجامعات وما إلى ذلك -بحيث أن السكان، الذين نزحوا مرات عديدة، والذين كما سمعتم من قبل، قتل وجرح عدد كبير منهم أو أصيبوا بالإعاقة، لن يتمكنوا أبداً من إعادة تشكيل أنفسهم كمجموعة في تلك المنطقة. هذا هو الاتجاه العام للأمور.
الآن، اعتباراً من أوائل شهر تشرين الأول (أكتوبر) من هذا العام -أي بعد عام من بدء الحرب- بدأ جيش الدفاع الإسرائيلي عملية في الجزء الشمالي من غزة، شمال ما يسمى "ممر نتساريم"، الذي لم يعد ممراً في الحقيقة -أصبح أشبه بصندوق يبلغ عرضه خمسة أميال وطوله خمسة أميال- بإفراغ المنطقة الواقعة إلى الشمال من ذلك الممر بالكامل من سكانها. كانت هذه خطة روج لها الجنرال الإسرائيلي المتقاعد، غيورا إيلاند، على شاشة التلفزيون الإسرائيلي قبل أشهر من ذلك. وتتلخص الفكرة في إجبار السكان على الرحيل جميعًا من خلال العمل العسكري ومن خلال التجويع؛ من خلال حرمان السكان من الغذاء والماء. وقد تم بالفعل إخلاء جزء كبير من السكان في تلك الأماكن. وشكل الهجوم الأخير على المستشفى (كمال عدوان) الذي ناقشتُه في وقت سابق مرحلة إضافية في هذه المحاولة لإفراغ هذه المنطقة بالكامل من سكانها.
وكان رئيس الأركان الإسرائيلي السابق ووزير الدفاع السابق، وهو نفسه من صقور السياسة الإسرائيلية، هو الذي وصف هذه العملية في وسائل الإعلام الإسرائيلية بأنها عملية تطهير عرقي. لكن التطهير العرقي يعني نقل الناس من مكان لا تريدهم فيه؛ نقل مجموعة عرقية معينة إلى مكان آخر حيث يمكنهم على الأقل أن يكونوا آمنين من تلك الهجمات. ولكن بالطبع، في غزة، عندما تنقل الناس من مكان إلى آخر -إلى ما تسمى بالمناطق الآمنة- فإنهم ليسوا آمنين هناك، وهم يتعرضون للهجوم بشكل متزايد ومستمر مرة أخرى. وإذن، هذا ما يجعل من التطهير العرقي الذي يجري الحديث عنه في الواقع جزءًا من عملية إبادة جماعية.
في ما يتعلق بالضم، فإن ما نسمعه كثيرًا الآن على وسائل الإعلام الإسرائيلية هو أنه بينما يتم تدمير هذا الثلث الشمالي من غزة وإفراغه من سكانه، هناك في الحقيقة مجموعات من المستوطنين تنتظر في الكواليس عبر السياج للانتقال إلى تلك المنطقة والشروع في استيطانها، بهدف احتلالها بالكامل. ولا أرى -في حال فعلوا ذلك بمجرد أن يسمح لهم الجيش بالدخول- أي آلية في إسرائيل نفسها أو، بصراحة، على المستوى الدولي كله، يمكن أن تبعدهم من هناك. وهكذا، ستكون هذه بداية ضم زاحف وإعادة استيطان لغزة بينما يتم إخلاؤها من سكانها الفلسطينيين.
- الشيخ: حسناً، أستاذ بارتوف، أود أن أسألك عن العوامل التي أدت إلى هذه الإبادة الجماعية، كما تقول. في مقال نشرَته صحيفة "الغارديان" الأسبوع الماضي تحت عنوان "ثمة إجماع ينشأ: إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة. أين العمل؟"، أدانت الكاتبة نسرين مالك التواطؤ الغربي في ما يحدث في غزة، وكتبت: "الخطر الآن هو أن يموت الفلسطينيون مرتين، مرة في الواقع المادي والثانية في واقع أخلاقي حيث يغيّب الأقوياء المعايير ذاتها التي تشكل العالم كما نعرفه. من خلال رفض حتى قبول تسميات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، ناهيك عن التصرف بناءً عليها، يفرض حلفاء إسرائيل التكيف على العالم، وبعد ذلك يصبح من المقبول ببساطة أن الحقوق لا تمنحها الإنسانية، وإنما تمنحها الأطراف التي تقرر من هو الإنسان" في المقام الأول. هذا ما كتبته نسرين مالك في صحيفة "الغارديان". أستاذ بارتوف، هل يمكنك الرد على هذا السؤال؟ على وجه الخصوص، هناك إبادة جماعية، كما تقول، تجري في غزة. ولن تكون الإبادة الجماعية ممكنة من دون تواطؤ وتورط مباشرين من جانب القوى الغربية، وخاصة الولايات المتحدة. وإذن، بهذا المعنى، هل الولايات المتحدة أيضًا مذنبة بارتكاب إبادة جماعية؟
• بارتوف: نعم، انظري، أعني، أود أن أبدأ بالقول إن السكان الذين يتحملون المسؤولية الكبرى عما تفعله إسرائيل الآن هم سكان إسرائيل؛ أن هناك تواطؤًا عميقًا من جانب السكان الإسرائيليين، وليس الحكومة فحسب، ولكن أيضًا أحزاب المعارضة في إسرائيل التي تدعم العملية العسكرية في غزة. وإذن، يمكننا التحدث عن هذا.
ولكن، بطبيعة الحال، لا تستطيع إسرائيل، ولن تكون قادرة على مواصلة عملياتها في غزة من دون دعم كامل، خاصة من الولايات المتحدة -وأيضًا من الدول الأوروبية، وألمانيا في المقام الأول، ولكن أيضًا في نواح كثيرة فرنسا والمملكة المتحدة. كان بإمكان الإدارة الأميركية، تحت قيادة بايدن، أن تنهي هذه الحرب في وقت مبكر، في تشرين الثاني (نوفمبر) أو كانون الأول (ديسمبر) 2023، لأن إسرائيل لم تكن لتستطيع تنفيذ مثل هذه العمليات وعلى هذا النطاق من دون مساعدة مستمرة من الولايات المتحدة أولاً وقبل كل شيء، بالكميات الهائلة من الذخائر التي تذهب إلى إسرائيل على أساس يومي، وقذائف الدبابات والمدفعية، والصواريخ الاعتراضية. كل هذا يأتي في أغلبه من الولايات المتحدة، بقيمة تبلغ نحو 20 مليار دولار يدفعها دافعو الضرائب الأميركيون الآن. لو كانت إدارة أميركية قد قالت لنتنياهو في كانون الأول (ديسمبر) 2023، "عليك أن تنهي هذا الأمر، أو أنك ستكون بمفردك"، لكان عليه أن يتوقف، لأن ما يفعله الآن كان ليصبح مستحيلًا، ببساطة. ولكن بدلاً من ذلك لم يحدث مثل هذا.
كانت النتيجة المترتبة على ذلك هي، أولاً وقبل كل شيء، الدمار الهائل الذي لحق بغزة. وثانياً، عنى ذلك أن كل البنى القانونية الدولية التي أنشئت في أعقاب الحرب العالمية الثانية والهولوكوست من أجل منع وقوع إبادة جماعية مرة أخرى -من خلال محكمة نورمبرغ، ومن خلال اتفاقية الإبادة الجماعية للعام 1948، واتفاقيات جنيف للعام 1949 وما إلى ذلك، والآن نظام روما الأساسي مؤخراً- كل هذه البنية أثبتت كونها لا معنى لها إذا كانت دولة مثل إسرائيل قادرة، بدعم من حلفائها الغربيين، على فعل ما تريد مع إفلات من العقاب. النتيجة المترتبة على هذا هي أن كل الدول المارقة الأخرى في العالم قد تقول الآن: "حسناً، إذا كانت إسرائيل قادرة على الإفلات من العقاب، فلماذا لا نستطيع نحن أن نفلت أيضًا؟". بهذا المعنى يشكل هذا فشلاً أخلاقياً تاماً من جانب نفس البلدان التي تدّعي أنها الحامية الرئيسية للحقوق المدنية والديمقراطية وحقوق الإنسان في مختلف أنحاء العالم. بالإضافة إلى الكارثة الإقليمية التي تحدث الآن، سوف تكون لهذا تداعيات أكبر بكثير على ما سنراه في المستقبل.
- الشيخ: و، أستاذ بارتوف، لقد ذكرت للتو، بالطبع، أنك كنت في إسرائيل في وقت سابق من هذا الشهر. وتحدثت إلى عدد كبير من الناس هناك. ما الذي يحدث؟ ما هو شعورك بشأن كيفية تصور غزة في إسرائيل؟ كما تعرف، هل هناك انتقادات الآن؟ -انتقادات أوسع وأعرض نطاقًا، لأفعال إسرائيل في غزة مقارنة بما كان عليه الحال في وقت سابق من هذا العام، في الصيف، عندما كنتَ هناك، أو في العام الماضي؟
• بارتوف: حسنًا، نعم، كنت في إسرائيل في حزيران (يونيو) 2024. وفي ذلك الوقت، عندما تحدثت مع الناس، وحتى ذكرت ما كان يحدث في غزة -وكان معظم الأشخاص الذين تحدثت معهم من التيار الليبرالي السائد، ذوي الميول اليسارية- كان هناك تردد كبير في التحدث عن ذلك. كان الناس منغمسين تماماً في الشعور بالصدمة والألم في أعقاب الهجوم الذي شنته "حماس" في السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، والذي أسفر عن مقتل نحو 900 مدني، فضلاً عن مئات عدة من الجنود.
ولكن عندما كنت أزور إسرائيل هذه المرة، في وقت سابق من هذا الشهر (كانون الأول/ ديسمبر)، شعرت بأن المزيد من الناس أصبحوا على دراية بما يحدث في غزة -وليس بسبب التلفاز الإسرائيلي الذي ما يزال يحجب تماماً، بشكل طوعي، أي تقارير حقيقية من غزة. كل هذه التقارير يقوم الجيش بمراقبتها وتصفيتها من خلال المعلومات التي يعطيها هو لهم. ولكن هناك تقارير صحفية. وكان هناك الكثير من التقارير على وسائل الإعلام الاجتماعية. لذلك، أعتقد أن المزيد من الناس أصبحوا الآن على دراية بما يحدث هناك.
ولكن كيف يستجيبون لذلك؟ لدي انطباع بأن هناك شعوراً متزايداً بالاستسلام واليأس وفقدان الأمل في تلك الدوائر، والتي نأمل أن تكون المعارضة الرئيسية لسياسات الحكومة اليمينية المتطرفة.
- الشيخ: أستاذ بارتوف، آسفة للغاية لأن وقتنا نفد. سوف نضطر إلى الوقوف عند هذا الحد. أستاذ بارتوف، عمر بارتوف، أستاذ دراسات الهولوكوست والإبادة الجماعية في جامعة براون. شكرًا لك.
منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، أسفر هجوم إسرائيل على غزة عن مقتل أكثر من 45.500 فلسطيني وإصابة أكثر من 108.000 آخرين. وفي الوقت نفسه، يواصل المسؤولون في غزة اتهام إسرائيل بعرقلة تسليم المساعدات عمدًا. وتدين منظمات حقوق الإنسان إسرائيل لمهاجمتها البنية التحتية الفلسطينية المنقذة للحياة، بما في ذلك إمدادات المياه والنظام الطبي في غزة.اضافة اعلان
كل هذا أدى إلى إعلان المتخصص الرائد في العالم في موضوع الإبادة الجماعية أن إسرائيل تنفذ مزيجًا من "أعمال الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وضم قطاع غزة". ويصف عمر بارتوف Omer Bartov، الأستاذ الإسرائيلي - الأميركي المتخصص في دراسات الهولوكوست والإبادة الجماعية في جامعة براون، سبب اعتقاده بأن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة الآن. ويقول بارتوف، الذي يحذر من أن إفلات إسرائيل من العقاب من شأنه أن يعرض صرح القانون الدولي بأكمله للخطر: "كانت هناك في الواقع محاولة منهجية لجعل غزة مكانًا غير صالح للسكن، فضلاً عن تدمير كل المؤسسات التي تجعل من الممكن لمجموعة أن تحافظ على وجودها -ليس جسدياً فقط بل ثقافيًا أيضًا. وهذا فشل أخلاقي كامل من جانب نفس البلدان التي تدعي أنها الحامية الرئيسية للحقوق المدنية والديمقراطية وحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم".
***
- نرمين الشيخ: هنا برنامج "الديمقراطية الآن! تقرير الحرب والسلام". وأنا نرمين الشيخ.
مع اقتراب العام 2024 من نهايته، تؤكد تفاصيل جديدة من وزارة الصحة في غزة إصابة أكثر من 108.000 فلسطيني في الهجوم الإسرائيلي المستمر منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، ومقتل أكثر من 45.500 آخرين -على الرغم من أنه يُعتقد أن العدد الحقيقي أعلى من ذلك بكثير. وفي الوقت نفسه، يواصل المسؤولون في غزة اتهام إسرائيل بعرقلة وصول المساعدات الإنسانية عمدًا، كما حذرت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) من "مجاعة وشيكة" في غزة، حيث يواجه السكان انعدام الأمن الغذائي الشديد.
يأتي هذا في وقت يحتج فيه الآلاف من الإسرائيليين ضد حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، مطالبين بإنهاء الحرب في غزة، وعقد اتفاق لوقف إطلاق النار يعيد الرهائن الإسرائيليين الذين ما يزالون محتجزين لدى "حماس".
يقول ضيفنا التالي إن إسرائيل تنفذ مزيجًا من "أعمال الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وضم قطاع غزة". ضيفنا هو عمر بارتوف، أستاذ دراسات الهولوكوست والإبادة الجماعية في جامعة براون. وهو باحث إسرائيلي أميركي وصفه متحف ذكرى الهولوكوست في الولايات المتحدة بأنه أحد أبرز المتخصصين في العالم في موضوع الإبادة الجماعية. كان مؤخرًا في إسرائيل وعاد للتو في وقت سابق من هذا الشهر (كانون الأول/ ديسمبر).
أستاذ بارتوف، مرحبًا بك مرة أخرى في "الديمقراطية الآن"! هل يمكنك أن تبدأ بشرح سبب اعتقادك بأن هناك إبادة جماعية تحدث الآن في غزة؟
• عمر بارتوف: نعم. شكرًا لاستضافتي مرة أخرى. أريد فقط أن أبدأ بالقول إنني كنت أستمع إلى المقابلة مع الدكتور أبو ستة، وأود فقط أن أعرب عن تقديري لكل العمل الذي قام به وكل ما قاله في الجزء السابق.
بدأتُ، كما قد تعلمون، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2023، بنشر مقال رأي في صحيفة "نيويورك تايمز" كتبت فيه أنني أعتقد أن جيش الدفاع الإسرائيلي يرتكب ما يبدو أنه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، لكنني لم أكن مقتنعًا بعد بأن لدينا أدلة كافية تثبت أن هذا كان عمل إبادة جماعية. وقد تغيرت وجهة نظري فعليًا في أيار (مايو) 2024 مع قرار جيش الدفاع الإسرائيلي، على الرغم من معارضة الولايات المتحدة، غزو رفح، آخر منطقة في قطاع غزة لم يكن قد تم الاستيلاء عليها بعد. كان هناك حوالي مليون فلسطيني نزحوا بالفعل مرات عدة، وقام جيش الدفاع الإسرائيلي بتهجيرهم مرة أخرى إلى منطقة الشاطئ، المواصي، من دون وجود أي بنية تحتية مناسبة على الإطلاق -إلى مدن خيام على طول الشاطئ، ثم شرع الجيش في هدم جزء كبير من رفح.
كان عند تلك اللحظة حين بدأت أنظر في العملية برمتها، بدءًا من التصريحات التي أدلى بها في البداية، في السابع والثامن والتاسع من تشرين الأول (أكتوبر)، القادة السياسيون والعسكريون الإسرائيليون من السلطة التنفيذية، الذين قالوا إنهم يريدون تدمير غزة، وإنه ليس هناك أحد غير متورط في غزة، وما إلى ذلك. بدا في تلك اللحظة أن هناك محاولة منهجية لجعل غزة منطقة غير صالحة للسكن، فضلاً عن تدمير كل المؤسسات التي تجعل من الممكن لأي مجموعة بشرية أن تحافظ على وجودها -ليس جسديًا فقط، وإنما ثقافيًا أيضًا؛ هويتها، وذاكرتها الجماعية، وهو ما عنى تدميراً منهجياً للجامعات، والمدارس، والمساجد، والمتاحف -وبالطبع المساكن والبنية الأساسية. وبذلك، كان ما يستطيع المرء أن يراه بحلول ذلك الوقت هو أن هناك ما يمكن أن نسميه "إبادة حضرية"؛ محاولة تدمير المراكز الحضرية؛ تدميرها فيزيائيًا، و"إبادة مدرسية" -أي قتل أعضاء المؤسسات التعليمية والمدارس والأساتذة في الجامعات وما إلى ذلك -بحيث أن السكان، الذين نزحوا مرات عديدة، والذين كما سمعتم من قبل، قتل وجرح عدد كبير منهم أو أصيبوا بالإعاقة، لن يتمكنوا أبداً من إعادة تشكيل أنفسهم كمجموعة في تلك المنطقة. هذا هو الاتجاه العام للأمور.
الآن، اعتباراً من أوائل شهر تشرين الأول (أكتوبر) من هذا العام -أي بعد عام من بدء الحرب- بدأ جيش الدفاع الإسرائيلي عملية في الجزء الشمالي من غزة، شمال ما يسمى "ممر نتساريم"، الذي لم يعد ممراً في الحقيقة -أصبح أشبه بصندوق يبلغ عرضه خمسة أميال وطوله خمسة أميال- بإفراغ المنطقة الواقعة إلى الشمال من ذلك الممر بالكامل من سكانها. كانت هذه خطة روج لها الجنرال الإسرائيلي المتقاعد، غيورا إيلاند، على شاشة التلفزيون الإسرائيلي قبل أشهر من ذلك. وتتلخص الفكرة في إجبار السكان على الرحيل جميعًا من خلال العمل العسكري ومن خلال التجويع؛ من خلال حرمان السكان من الغذاء والماء. وقد تم بالفعل إخلاء جزء كبير من السكان في تلك الأماكن. وشكل الهجوم الأخير على المستشفى (كمال عدوان) الذي ناقشتُه في وقت سابق مرحلة إضافية في هذه المحاولة لإفراغ هذه المنطقة بالكامل من سكانها.
وكان رئيس الأركان الإسرائيلي السابق ووزير الدفاع السابق، وهو نفسه من صقور السياسة الإسرائيلية، هو الذي وصف هذه العملية في وسائل الإعلام الإسرائيلية بأنها عملية تطهير عرقي. لكن التطهير العرقي يعني نقل الناس من مكان لا تريدهم فيه؛ نقل مجموعة عرقية معينة إلى مكان آخر حيث يمكنهم على الأقل أن يكونوا آمنين من تلك الهجمات. ولكن بالطبع، في غزة، عندما تنقل الناس من مكان إلى آخر -إلى ما تسمى بالمناطق الآمنة- فإنهم ليسوا آمنين هناك، وهم يتعرضون للهجوم بشكل متزايد ومستمر مرة أخرى. وإذن، هذا ما يجعل من التطهير العرقي الذي يجري الحديث عنه في الواقع جزءًا من عملية إبادة جماعية.
في ما يتعلق بالضم، فإن ما نسمعه كثيرًا الآن على وسائل الإعلام الإسرائيلية هو أنه بينما يتم تدمير هذا الثلث الشمالي من غزة وإفراغه من سكانه، هناك في الحقيقة مجموعات من المستوطنين تنتظر في الكواليس عبر السياج للانتقال إلى تلك المنطقة والشروع في استيطانها، بهدف احتلالها بالكامل. ولا أرى -في حال فعلوا ذلك بمجرد أن يسمح لهم الجيش بالدخول- أي آلية في إسرائيل نفسها أو، بصراحة، على المستوى الدولي كله، يمكن أن تبعدهم من هناك. وهكذا، ستكون هذه بداية ضم زاحف وإعادة استيطان لغزة بينما يتم إخلاؤها من سكانها الفلسطينيين.
- الشيخ: حسناً، أستاذ بارتوف، أود أن أسألك عن العوامل التي أدت إلى هذه الإبادة الجماعية، كما تقول. في مقال نشرَته صحيفة "الغارديان" الأسبوع الماضي تحت عنوان "ثمة إجماع ينشأ: إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة. أين العمل؟"، أدانت الكاتبة نسرين مالك التواطؤ الغربي في ما يحدث في غزة، وكتبت: "الخطر الآن هو أن يموت الفلسطينيون مرتين، مرة في الواقع المادي والثانية في واقع أخلاقي حيث يغيّب الأقوياء المعايير ذاتها التي تشكل العالم كما نعرفه. من خلال رفض حتى قبول تسميات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، ناهيك عن التصرف بناءً عليها، يفرض حلفاء إسرائيل التكيف على العالم، وبعد ذلك يصبح من المقبول ببساطة أن الحقوق لا تمنحها الإنسانية، وإنما تمنحها الأطراف التي تقرر من هو الإنسان" في المقام الأول. هذا ما كتبته نسرين مالك في صحيفة "الغارديان". أستاذ بارتوف، هل يمكنك الرد على هذا السؤال؟ على وجه الخصوص، هناك إبادة جماعية، كما تقول، تجري في غزة. ولن تكون الإبادة الجماعية ممكنة من دون تواطؤ وتورط مباشرين من جانب القوى الغربية، وخاصة الولايات المتحدة. وإذن، بهذا المعنى، هل الولايات المتحدة أيضًا مذنبة بارتكاب إبادة جماعية؟
• بارتوف: نعم، انظري، أعني، أود أن أبدأ بالقول إن السكان الذين يتحملون المسؤولية الكبرى عما تفعله إسرائيل الآن هم سكان إسرائيل؛ أن هناك تواطؤًا عميقًا من جانب السكان الإسرائيليين، وليس الحكومة فحسب، ولكن أيضًا أحزاب المعارضة في إسرائيل التي تدعم العملية العسكرية في غزة. وإذن، يمكننا التحدث عن هذا.
ولكن، بطبيعة الحال، لا تستطيع إسرائيل، ولن تكون قادرة على مواصلة عملياتها في غزة من دون دعم كامل، خاصة من الولايات المتحدة -وأيضًا من الدول الأوروبية، وألمانيا في المقام الأول، ولكن أيضًا في نواح كثيرة فرنسا والمملكة المتحدة. كان بإمكان الإدارة الأميركية، تحت قيادة بايدن، أن تنهي هذه الحرب في وقت مبكر، في تشرين الثاني (نوفمبر) أو كانون الأول (ديسمبر) 2023، لأن إسرائيل لم تكن لتستطيع تنفيذ مثل هذه العمليات وعلى هذا النطاق من دون مساعدة مستمرة من الولايات المتحدة أولاً وقبل كل شيء، بالكميات الهائلة من الذخائر التي تذهب إلى إسرائيل على أساس يومي، وقذائف الدبابات والمدفعية، والصواريخ الاعتراضية. كل هذا يأتي في أغلبه من الولايات المتحدة، بقيمة تبلغ نحو 20 مليار دولار يدفعها دافعو الضرائب الأميركيون الآن. لو كانت إدارة أميركية قد قالت لنتنياهو في كانون الأول (ديسمبر) 2023، "عليك أن تنهي هذا الأمر، أو أنك ستكون بمفردك"، لكان عليه أن يتوقف، لأن ما يفعله الآن كان ليصبح مستحيلًا، ببساطة. ولكن بدلاً من ذلك لم يحدث مثل هذا.
كانت النتيجة المترتبة على ذلك هي، أولاً وقبل كل شيء، الدمار الهائل الذي لحق بغزة. وثانياً، عنى ذلك أن كل البنى القانونية الدولية التي أنشئت في أعقاب الحرب العالمية الثانية والهولوكوست من أجل منع وقوع إبادة جماعية مرة أخرى -من خلال محكمة نورمبرغ، ومن خلال اتفاقية الإبادة الجماعية للعام 1948، واتفاقيات جنيف للعام 1949 وما إلى ذلك، والآن نظام روما الأساسي مؤخراً- كل هذه البنية أثبتت كونها لا معنى لها إذا كانت دولة مثل إسرائيل قادرة، بدعم من حلفائها الغربيين، على فعل ما تريد مع إفلات من العقاب. النتيجة المترتبة على هذا هي أن كل الدول المارقة الأخرى في العالم قد تقول الآن: "حسناً، إذا كانت إسرائيل قادرة على الإفلات من العقاب، فلماذا لا نستطيع نحن أن نفلت أيضًا؟". بهذا المعنى يشكل هذا فشلاً أخلاقياً تاماً من جانب نفس البلدان التي تدّعي أنها الحامية الرئيسية للحقوق المدنية والديمقراطية وحقوق الإنسان في مختلف أنحاء العالم. بالإضافة إلى الكارثة الإقليمية التي تحدث الآن، سوف تكون لهذا تداعيات أكبر بكثير على ما سنراه في المستقبل.
- الشيخ: و، أستاذ بارتوف، لقد ذكرت للتو، بالطبع، أنك كنت في إسرائيل في وقت سابق من هذا الشهر. وتحدثت إلى عدد كبير من الناس هناك. ما الذي يحدث؟ ما هو شعورك بشأن كيفية تصور غزة في إسرائيل؟ كما تعرف، هل هناك انتقادات الآن؟ -انتقادات أوسع وأعرض نطاقًا، لأفعال إسرائيل في غزة مقارنة بما كان عليه الحال في وقت سابق من هذا العام، في الصيف، عندما كنتَ هناك، أو في العام الماضي؟
• بارتوف: حسنًا، نعم، كنت في إسرائيل في حزيران (يونيو) 2024. وفي ذلك الوقت، عندما تحدثت مع الناس، وحتى ذكرت ما كان يحدث في غزة -وكان معظم الأشخاص الذين تحدثت معهم من التيار الليبرالي السائد، ذوي الميول اليسارية- كان هناك تردد كبير في التحدث عن ذلك. كان الناس منغمسين تماماً في الشعور بالصدمة والألم في أعقاب الهجوم الذي شنته "حماس" في السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، والذي أسفر عن مقتل نحو 900 مدني، فضلاً عن مئات عدة من الجنود.
ولكن عندما كنت أزور إسرائيل هذه المرة، في وقت سابق من هذا الشهر (كانون الأول/ ديسمبر)، شعرت بأن المزيد من الناس أصبحوا على دراية بما يحدث في غزة -وليس بسبب التلفاز الإسرائيلي الذي ما يزال يحجب تماماً، بشكل طوعي، أي تقارير حقيقية من غزة. كل هذه التقارير يقوم الجيش بمراقبتها وتصفيتها من خلال المعلومات التي يعطيها هو لهم. ولكن هناك تقارير صحفية. وكان هناك الكثير من التقارير على وسائل الإعلام الاجتماعية. لذلك، أعتقد أن المزيد من الناس أصبحوا الآن على دراية بما يحدث هناك.
ولكن كيف يستجيبون لذلك؟ لدي انطباع بأن هناك شعوراً متزايداً بالاستسلام واليأس وفقدان الأمل في تلك الدوائر، والتي نأمل أن تكون المعارضة الرئيسية لسياسات الحكومة اليمينية المتطرفة.
- الشيخ: أستاذ بارتوف، آسفة للغاية لأن وقتنا نفد. سوف نضطر إلى الوقوف عند هذا الحد. أستاذ بارتوف، عمر بارتوف، أستاذ دراسات الهولوكوست والإبادة الجماعية في جامعة براون. شكرًا لك.
*نرمين الشيخ Nermeen Shaikh: منتجة أخبار إذاعية ومضيفة مشاركة في برنامج "الديمقراطية الآن" Democracy Now الأسبوعي، وهو برنامج يشمل التقارير الإخبارية والمقابلات والصحافة الاستقصائية والتعليقات السياسية من منظور تقدمي، يُبث من منهاتن في مدينة نيويورك. عملت مع منظمات بحثية وغير حكومية قبل انضمامها إلى "الديمقراطية الآن"! وهي حاصلة على درجة الماجستير في الفلسفة من جامعة كامبريدج ومؤلفة كتاب "الحاضر كتاريخ: منظورات نقدية حول القوة العالمية" The Present as History: Critical Perspectives on Global Power ، (مطبعة جامعة كولومبيا).
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Total Moral, Ethical Failure”: Holocaust Scholar Omer Bartov on Israel’s Genocide in Gaza
0 تعليق