كيف تغير دور حارس المرمى في كرة القدم الحديثة؟

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
عمان - لسنوات عديدة، كان دور حارس المرمى يتمثل في منع دخول الكرة إلى مرماه، ثم إرسالها إلى أبعد مسافة ممكنة في الملعب. ولكن على مدار العقد الماضي، بدأت مهامه تتطور تدريجيا.اضافة اعلان
بات الحراس الآن يشكلون جزءا مهما من خطط الفريق التكتيكية، سواء من خلال جذب ضغط المنافس، واستدراج الخصوم، أو فتح المساحات بعيدا عن مناطقهم ليستغلها زملاؤهم في الأمام.
من تأثير المدرب الإسباني بيب جوارديولا إلى تغييرات قوانين اللعبة، تطور مركز حارس المرمى من مجرد التصدي للكرات إلى القيام بدور صانع لعب مهم في هجوم الفريق.
من المعروف جيدا أن قدوم جوارديولا مدرب مانشستر سيتي إلى الدوري الإنجليزي الممتاز، تزامن مع زيادة شعبية الحارس القادر على لعب الكرة بقدميه.
إحدى أولى خطواته كانت الاستغناء عن جو هارت واستقدام كلاوديو برافو، ثم التعاقد مع إيدرسون في صيف العام 2017.
الحارس البرازيلي، الذي سبق له أن لعب في مركز لاعب ميداني حين كان ناشئا، جرى ضمه بالدرجة الأولى بسبب قدرته المتميزة على التمرير وثقته الكبيرة بالكرة بين قدميه.
بوجود إيدرسون في حراسة المرمى، فاز مانشستر سيتي بأول لقب للدوري الإنجليزي تحت قيادة جوارديولا في الموسم 2017-2018، بعد أن حصد 100 نقطة قياسية.
تشير الإحصاءات إلى أنه منذ ذلك الحين، ازداد الاعتماد على البناء الهجومي من الخلف، حيث انخفضت نسبة ركلات المرمى التي تهبط في نصف ملعب الخصم - التي كانت مستقرة حول 75 % لمواسم عدة — إلى 67.8 % في الموسم التالي.
واستمرت في الانخفاض بعد ذلك، ولو أن هناك سببا آخر أسهم بشكل كبير في هذا التحول.
ففي الموسم 2019-2020، أدخل مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم (IFAB)، قاعدة جديدة تسمح لحراس المرمى بتمرير الكرة لزملائهم داخل منطقة الجزاء في ركلات المرمى، بعد أن كان مسموحا سابقا التمرير خارج المنطقة فقط.
أوضح المجلس حينها أن هذا التغيير سيؤدي إلى "استئناف أسرع وأكثر ديناميكية/بناءة للعب" وأنه سيقلل من "الوقت الضائع/المهدور"، في إشارة إلى تقليل مماطلة المدافعين الذين كانوا يتعمدون لمس الكرة قبل خروجها من منطقة الجزاء، وهو ما كان يؤدي إلى إعادة تنفيذ ركلة المرمى.
كانت القاعدة مدفونة بين تعديلات أخرى، ما يشير إلى أن واضعي القوانين لم يتوقعوا على الأرجح مدى تأثيرها.
ولكن منذ ذلك الحين، أصبحت ركلات المرمى أقصر وأقصر، وبات من الشائع رؤية قلبي الدفاع يقفان إلى جانب الحارس داخل منطقة جزائهم استعدادا لبناء الهجمة.
وهذا يحدث أيضا في الدرجات الأدنى من كرة القدم الإنجليزية، حيث أصبح عدد ركلات المرمى التي تنتهي في نصف الملعب الخاص بالفريق ذاته في التشامبيونشيب، مماثلا تقريبًا لما هو عليه في الدوري الإنجليزي الممتاز.
لقد أدرك المدربون إمكانية استغلال حماس الخصم ضدهم. يمكن القيام بذلك من خلال وضعية انطلاقية أعمق لقلبي الدفاع أو الظهيرين أو لاعبي الوسط. وبفضل التغيير في قاعدة ركلات المرمى، بدأنا نرى هذه التمريرات القصيرة داخل منطقة الجزاء بغية استدراج ضغط الخص. قد يكون عدد اللاعبين كبيرا أو قليلا، لكن الفكرة هي إغراء لاعبي الخصم بالتمركز في منطقة معينة أو على أحد الجانبين، أو دفعهم لتقديم مزيد من اللاعبين إلى مناطق أعلى.
إضافة إلى ذلك، كرد على أسلوب الضغط العالي، تقوم بعض الفرق بالإبقاء على لاعبين في الخط الخلفي للمنافس، ما يجبر لاعبي وسط الخصم على اتخاذ قرار.
الغالبية العظمى من الفرق في الدوري الإنجليزي الممتاز تنفذ ركلات المرمى القصيرة في أغلب الأوقات، حيث يقوم 11 من أصل 20 فريقا بتنفيذ 50 % على الأقل من ركلات مرماهم داخل منطقتهم، و17 من أصل 20 فريقا تلعب غالبية تلك الركلات في نصف ملعبها.
يتصدر ليفربول الدوري، ويلعب 85 % من ركلات مرماه في نصف ملعبه، بينما يقترب مانشستر سيتي بقيادة جوارديولا من هذه النسبة بـ83 %.
ولكن قد تكون هناك مفاجآت في الأرقام. آرسنال الذي عرف لسنوات بأسلوبه الكروي الجميل والتقدمي، لا يمانع في اللجوء إلى الكرات الطويلة في ركلات المرمى بقدر اعتماده على التمريرات القصيرة، حيث ينهي تقريبا نصف ركلاته في نصف ملعب الخصم.
وعلى النقيض، فإن الغريم اللندني توتنهام، وبشكلٍ مدهش، لم يلعب سوى أربع فقط من أصل 145 ركلة مرمى بشكلٍ طويل هذا الموسم حتى الآن.
من جهة أخرى، فإن نوتنجهام فورست، الحصان الأسود المفاجئ الذي يحتل المركز الثالث في الدوري الإنجليزي، يسير عكس هذا الاتجاه، إذ يرسل 60 % من ركلات مرماه إلى نصف ملعب الخصم.
إنها استراتيجية تبدو متناقضة مع بقية أندية الدوري، لكنها تؤتي ثمارها بالنسبة لهم، إذ وجد نوتنجهام في المهاجم كريس وود (33 عاما)، نقطة ارتكاز قوية للكرات الطويلة.
عندما ينفذ الحارس كرة طويلة، فإن نجاحها يعتمد إلى حد كبير على قدرة زملائه على اقتناص الكرة الثانية، وإلا فإن الاستحواذ سينتقل سريعا لمصلحة المنافس.
أما اللعب من الخلف، فيعني أن الفريق المستحوذ على الكرة يمسك بزمام الأمور، ولكن مع ذلك، هناك مساحة أكبر يجب تغطيتها، وعدد أكبر من لاعبي الخصم يجب تجاوزه.
بالاعتماد على تنظيم الخصم، هناك أساليب متنوعة يمكن للفريق تطبيقها انطلاقا من ركلة المرمى. فاللعب القصير يستدرج منافسيك للتقدم نحو مدافعي فريقك، وهذا بدوره يخلق مساحات خلفهم.
وإذا تمكن الفريق المهاجم من استغلال تلك المساحات بفاعلية، فبإمكانه التقدم بسرعة في الملعب في وضعية قد يكون الخصم فيها خارج تنظيمه الدفاعي، وبالتالي صنع فرصة محققة للتسجيل.
طبق أستون فيلا هذا الأسلوب بفاعلية بالغة أمام مانشستر سيتي في 21 الماضي، حيث استغرقت الكرة 14 ثانية فقط منذ تواجدها بين قدمي الحارس إيميليانو مارتينيز حتى استقرت في شباك الخصم، معلنة الهدف الأول في المباراة التي انتهت بفوز فيلا 2-1.
كما انتقل برايتون من حارسه إلى الشباك في أقل من 30 ثانية، ليقلب تأخره أمام توتنهام ويفوزوا 3-2 في تشرين الأول (أكتوبر).
ينفذ برايتون 75 % من ركلات مرماه في نصف ملعبه الخاص، وحقق نجاحا لافتا باستخدام هذه الاستراتيجية هذا الموسم.
وعندما ينجح هذا الأسلوب، يبدو رائعا، لكن حين يفشل، فإن عواقبه قد تكون سيئة جدًا.
صعد ساوثامبتون من "التشامبيونشيب" بالاعتماد على البناء من الخلف، لكنه واجه مشكلات في تطبيق ذلك أمام فرق أعلى جودة.
أمام تشيلسي في 4 كانون الأول (ديسمبر)، تلقى هدفا غير ضروري عندما خرج حارس المرمى جو لوملي من منطقة جزائه بالكرة وحاول تمريرها لأحد زملائه الذي كان تحت ضغط فوري، فآلت النتيجة إلى تسجيل كريستوفر نكونكو في المرمى الخالي.
ورغم أن الكرات الطويلة لا تستخدم بقدر ما كانت عليه سابقا، فإنها ما تزال خيارا ناجحا إذا أحكم الخصم ضغطه جيدا، أو إذا تم استدراجه للهجوم بشكل كبير، ما يترك فراغات في الخطوط الخلفية.
ينظر إلى مانشستر سيتي باعتباره أحد أفضل الأندية في الخروج بالكرة من الخلف، لكنه أيضا يعلم جيدا متى ينبغي استخدام الكرات الطويلة بفاعلية، وهذا يفسر جزئيا امتلاك إيدرسون العدد الأكبر من التمريرات الحاسمة لحارس مرمى في الدوري الإنجليزي الممتاز برصيد أربع تمريرات.
أمام برينتفورد في أيلول (سبتمبر)، استطاع إيدرسون حرفيا تجاوز خط الوسط ودفاع الخصم بتمريرة متقنة فوق رؤوسهم لإيرلينج هالاند، الذي انطلق وسجل هدفا.
وبينما اقترف ساوثامبتون أخطاء لافتة في محاولته بناء اللعب من الخلف، فهو ليس الوحيد الذي عانى من ذلك.
في العقد الماضي، تضاعف تقريبا عدد الهجمات التي يقطع فيها فريق الكرة في نصف ملعب الخصم وينهيها بهدف.
صحيح أن حالات فقدان الكرة لا تكون دائما نتيجة خطأ من المنافس، ولكنها تبقى جزءًا من الحالة، كما يكتشف ساوثامبتون وفرق أخرى.
آرسنال على عكس العديد من الفرق في قمة الترتيب، لم يتردد في توجيه نسبة كبيرة من ركلات مرماه إلى نصف ملعب الخصم، ويرجع ذلك جزئيًا إلى وجود دافيد رايا. فقد تعاقد آرسنال معه من برينتفورد (مبدئيا على سبيل الإعارة في آب (أغسطس) العام الماضي، قبل أن يضمه بشكل نهائي هذا الصيف، بسبب براعته بالكرة بين قدميه.
لكن في برينتفورد، كان رايا أيضا يشكل سلاحا فعالا بدقة تمريراته الطويلة. في موسمه الأخير، صنع تسع فرص غير مباشرة (التمريرة التي تسبق التمريرة الحاسمة المؤدية للتسديد)، وهو رقم أكثر من أي حارس مرمى آخر.
وبوجود المهاجم كاي هافيرتز ذي الطول البالغ 1.93 م، إلى جانب قوته في الاحتفاظ بالكرة، تلوح أمام آرسنال بدائل فعالة عندما يحاول التغلب على ضغط المنافس.
مع ذلك، قد تكون إحصائيات الكرات الطويلة المرتفعة مرتبطة جزئيا، بإصابة القائد مارتن أوديجارد وغيابه لمدة شهرين في بداية الموسم.
يعد أوديجارد عنصرا مهما للغاية في أسلوب لعب آرسنال، إذ يتمتع بقدرة على استلام الكرة بقدمه، الدوران، ودفعها سريعا للأمام. ما يعني تمكين آرسنال من لعب الكرة قصيرة من ركلة المرمى وتمريرها إلى أوديجارد في الوسط، ثم البناء نحو الهجوم.
في مباراة آرسنال الافتتاحية للموسم (الفوز 2-0 على وولفرهامبتون مع وجود أوديجارد أساسيا)، كانت التمريرات الثلاثة الأكثر تكرارا من رايا متجهة إلى المدافعين جابرييل ماجالهييس، وويليام ساليبا، ولاعب الوسط توماس بارتي (خمس تمريرات لكل منهم).
ولكن في أول مباراة خاضها آرسنال من دون أوديجارد (الفوز 1-0 على توتنهام في 15 أيلول (سبتمبر)، غيّر آرسنال استراتيجية ركلات المرمى، إذ كانت أغلب تمريرات رايا تتجه إلى المهاجم هافيرتز (10 تمريرات).
وعليه، لا يبدو أن آرسنال يعيد كرة القدم الطويلة إلى الواجهة، لكن التغيير التكتيكي في غياب أوديجارد يظهر كيف تستفيد الفرق من الإمكانات المتاحة لديها وتستعد للمرونة في سعيها للحصول على أفضلية أمام الخصوم.
وسواء في لعب الكرة قصيرة أو إرسالها طويلة، فإن دور حارس المرمى بات أكثر أهمية من أي وقت مضى في الحصول على هذه الأفضلية. -(وكالات)
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق