سوسن الشاعر
بغضّ النظر عمّا ستؤول إليه الأمور لاحقاً، فقد أثبت "أحمد الشرع" قائد هيئة تحرير الشام -إلى الآن- أنه ذكي تعلّم وتجاوز "الجولاني" بما يعنيه ذلك اللقب من سوابق تاريخية، وأثبت أنه حريص على الحصول على "شهادة الاعتماد" من الدول العربية وخاصة من المملكة العربية السعودية كصكّ اعتراف عربي بالنظام الجديد، ممّا يُعدّ ويُحسب له ويكشف عن بُعد نظر، فالمملكة هي مركز الثقل الأكبر في العالم العربي والإقليمي، وتُفصح تحركاته وتصريحاته بأنه يقرّ بهذه المكانة.
بدا ذلك واضحاً من تشكيلة الوفد الأول الذي خرج ممثلاً للهيئة رفيع المستوى الذي زار المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات، فالشرع يريد أن تصل الرسالة بأنه تعلّم من أخطائه السابقة بل وحتى تعلّم من أخطاء الجماعات الإسلامية السابقة -وهذا هو الأهم- فما تنتظره جميع دول المنطقة الرافضة لأي عودة لأيٍّ من تلك الجماعات، وحتى تلك التي مازالت متحفّظة في التعامل مع الإدارة السورية الجديدة، أن تقرّ الإدارة الجديدة بأن استراتيجية الجماعات الإسلامية مرفوضة بفكرها الأمني الشامل الذي لا يعترف بالقانون الدولي أو بالحدود السيادية.
إذ لولا هذه التحركات والتصريحات الإيجابية تجاه الدول العربية لما كانت التطمينات التركية بكافية لاعتماده، خاصة وهي التي تتحرك لتقدّم نفسها كراعية للهيئة وكافل لها وضامن لسلميتها، إنما ذلك لم يكن كافياً لدول المنطقة للتخلّي عن الحذر وتثبيت شرعية الهيئة إقليمياً.
ولم تنجح إيران رغم إصرار المرشد الأعلى علي خامنئي على تصوير الشرع وهيئة تحرير الشام على أنها مشروع إسرائيلي أمريكي، رغم إصراره على التجييش والتحريض لإعادة إحياء المحور الإيراني في سوريا في جميع تصريحاته وخطبه وحتى تغريداته على منصة إكس، اعتماداً منه على الفلول من بقايا النظام واللعب على الوتر الطائفي، إلا أن الشعب السوري كان قد جرّب النظام الإيراني وتبعات هيمنته وسيطرته على مُقدّراتهم ومصيرهم ولم تنطلِ عليه تلك النداءات.
سيُفلح "الشرع" إن صَدَقَ بعودة سوريا لحضنها العربي، وسيُفلح إن صَدَقَ بأنه لن يكرّر تجربة إخوان مصر، وأنهم ليسوا بالتأكيد داعش أو القاعدة. سيُفلح إن نجح في جعل سوريا موحّدة وشاملة لكل التعدّديات، وقَبَلَ بالآخر، واحتَرَمَ حرّيات الناس واختياراتهم باختلاف مشاربهم ومعتقداتهم، وكَفَلَ تلك الحرّيات وضَمِنَ أمنها وسلامتها، فلا يُعيد تكرار أخطاء الجماعات الإسلامية وتجاربها الفاشلة التي أدّت إلى خسارتها السريعة، فانطفأ بريق انتصاراتها في اللحظة التي ظنّتْ أن الهيمنة والسيطرة والاحتكار هو فوز ولم يكن سوى مسمار أوّليّ في نعش سلطاتها.
سيُفلح إن لم يتدخل في شؤون دول الجوار وتعلّم من أخطاء جميع الجماعات الإسلامية التي أصرّتْ على تصدير ثورتها باعتبارها جماعة أممية.
سيُفلح إن ركّزَ على النهضة والتنمية والبناء في سوريا، فالسوريون عمروا مناطق هجراتهم ولا يُخشى عليهم، فكيف بوطنهم. سيُفلح لو ركّزَ في مهامّ الدولة على تنفيذ رؤية تنموية مستدامة تعتمد على سواعد أبنائها بمختلف مشاربهم وعلى محيطه العربي في إعادة الإعمار والبناء والتحالفات أيضاً.
سيُفلح إن كَبَحَ جِماح المتطرّفين من جماعته وأقنعهم -إن لم يجبرهم- بالانضمام للدولة كبساط جامع للتعديات قابلاً بالآخر محترماً لها ولخياراتها، سيُفلح إن تَرَكَ الناس بلا شرطة أخلاقية تتدخل في خصوصياتهم.
باختصار، سيُفلح إن سار عكس ما سارت عليه الجماعات الإسلامية في كل مرّة نجحوا للوصول إلى سُدّة الحكم وخسروا بسرعة بسبب تلك الأخطاء.
دول المنطقة وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، أعلنت أن مساعدتها للشعب السوري ليس لها سقف، مرحِّبةً بعودته لحاضنته الطبيعية وآملةً أن تبقى كذلك مستفيدة من تجارب الآخرين ومآلاتهم!!
0 تعليق