الإنسانية في مواجهة الإبادة.. غزة نموذجاً

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

منذ أكثر من 15 شهراً، يعيش أهلنا في قطاع غزة حرباً مدمرة، هي حرب إبادة لم يشهد لها التاريخ الحديث مثلاً، حرب تجري كل فصولها على مرأى ومسمع العالم كله وأمام عدسات الإعلام وعبر وسائل التواصل الاجتماعي.. حرب لا يقتصر أثرها على تدمير المنازل والمستشفيات والمساجد والبنى التحتية؛ بل تذهب أبعد من ذلك لتدمير كل معاني الحياة والكرامة الإنسانية لأكثر من مليوني فلسطيني، ذنبهم الوحيد أنهم ولدوا في هذه البقعة من الأرض.

فالواقع الذي يعيشه سكان القطاع اليوم هو حرب إبادة حقيقية، حرب تطال الأطفال والنساء والشيوخ، وحتى المرضى، حيث جعلت من الحياة أمراً مستحيلاً، إذ يواجه الأطفال نقصاً حاداً في الأدوية والمستلزمات الطبية الضرورية، بل إن بعضهم يفقد حياته يومياً بسبب نقص الغذاء والأمراض التي كان من الممكن علاجها في حال توافر الرعاية الصحية.

فنقص الغذاء لم يقتصر على الأساسيات؛ بل بات الناس في غزة يعانون من ندرة كل شيء، حتى إن المواد الأساسية مثل الطحين والأرز، وهي مقومات الحياة، باتت في متناول قلة منهم، أضف إلى كل ذلك الظروف الجوية القاسية التي ضاعفت المعاناة، حيث يفتك برد الشتاء بالأطفال والشيوخ الذين تتجمد أطرافهم، ليضيف بعداً آخر من المعاناة التي لا يمكن تصورها.

ورغم كل تلك المأساة؛ لاتزال المعونات الإنسانية التي يفترض أن تصل إلى أولئك الذين هم في أمسّ الحاجة إليها تواجه صعوبات كبيرة بسبب الحصار المستمر والعوائق السياسية والإجراءات العسكرية، ونكوص العالم عن مدّ يد العون لأهل القطاع.

ولكن ما يثير الاستفهام أكثر هو المحاولات المتواصلة لمحاصرة دور وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، التي لطالما كانت ركيزة في إيصال المساعدات الأساسية إلى أهل فلسطين، هذه المحاولات تزيد من تعميق الأزمة الإنسانية، في وقت يحتاج أهل عزة فيه إلى تكثيف هذا الدعم.

أرى أن العالم لم يدرك بعد أن معاناة غزة ليست مجرد حدث عابر في التاريخ، بل هي جزء من صراع دائم ضد محو الإنسانية والكرامة، مما يستدعي تضافر الجهود الدولية بشكل حقيقي وفعّال، فلا يمكننا أن نُغمض أعيننا عن المأساة المستمرة ولا أن نغفل عن الحاجة الملحة إلى التدخل العاجل، المسؤولية تقع على عاتقنا جميعاً، أفراداً ومؤسسات ودولاً، وعلى المجتمع الدولي أن يضع حياة الإنسان في المقام الأول، وأن يقدّم الدعم الإنساني دون شروط سياسية أو إملاءات من أي طرف.

في النهاية، لا يمكننا أن نعيش في عالم ينحاز إلى السياسة على حساب الإنسان، فالتضامن الدولي هو السبيل الوحيد لإنقاذ الأرواح وتعزيز القيم الإنسانية.

غزة اليوم تحتاج إلى أفعال وليس إلى كلمات، إلى إرادة حقيقية لإنهاء معاناتها، ولإعطاء سكانها الأمل في حياة كريمة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق