ملخصات لأعلام التراث العلمي ومؤلفاتهم في "موسوعة أمهات التراث"

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

 ضمن سلسلة "فكر ومعرفة" التي تصدرها وزارة الثقافة، صدر كتاب بعنوان "موسوعة ملخصات أمهات التراث في علوم الطبيعة والطب والصيدلة"، للباحث الأردني الدكتور أيوب عيسى أبو دية.اضافة اعلان
قدم المؤلف الدكتور أبو دية الشكر والتقدير للدكتور همام غصيب، أستاذ الفيزياء النظرية وعضو مجمع اللغة العربية الأردني، الذي قام بمراجعة وتحرير هذا العمل الموسوعي بشغف واهتمام بالغين. كما عبر عن شكره لكل من دعمه وشجعه على إنجاز هذا العمل ونشره.
يقول المؤلف الدكتور أيوب أبو دية في مقدمته: "إن أهمية هذا الكتاب تكمن في أنه يضم ملخصات لتراجم أعلام تراثنا العلمي وبعض مؤلفاتهم القيمة التي تتناول موضوعات متنوعة في العلوم الطبيعية والتطبيقية والطبية والصيدلانية وغيرها، التي تغطي فترة زمنية مهمة من حضارتنا العربية الإسلامية، من القرن الثاني الهجري (الثامن الميلادي)، حتى نهاية القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي)".
ومن أهم أهداف هذه الموسوعة في مجال التراجم، بحسب المؤلف هو السعي إلى تعزيز انتماء أبنائنا لأمتهم، على غرار أبناء الأمم الأخرى. فالعودة إلى الجذور والأصول ليست مجرد عملية "ماضوية"، بل هي ترسيخ للهوية والإحساس بأن الأبناء هم فعلا ورثة الأسلاف العظام وامتدادا لهم.
كذلك، تهدف الموسوعة إلى تزويد الطلبة بمادة ملائمة لمشروعاتهم المدرسية والجامعية، إضافة إلى بعض المقررات الجامعية، مثل متطلبات الجامعة. فضلا عن ذلك، تهدف إلى أن تكون مادة صالحة للترجمة إلى بعض اللغات الأجنبية، لتكون مرجعية للمنظمات العربية المعنية بالترجمة، بما يسهم في نشر الثقافة العربية الإسلامية عالميا.
ثم يتحدث أبو دية عن فكرة هذه الموسوعة التي نشأت، كما يقول، بعد تجربة سابقة له في العمل الموسوعي، وهي "موسوعة أعلام الفكر العربي الحديث والمعاصر"، التي نشرت في العام 2008 بدعم من وزارة الثقافة الأردنية، وصدرت مؤخرا، في طبعة رابعة منقحة للعام 2019. ثم جاءت "موسوعة أمهات كتب التراث في الإنسانيات"، التي نشرت العام 2021، بدعم من وزارة الثقافة الأردنية أيضا.
ويرى المؤلف، أن الهدف من هذه الموسوعة هو تعريف القراء، ولا سيما الشبان منهم، بذخائر تراثنا، ومن ثم ترغيبهم في الاطلاع على الأصول كاملة لأي كتاب يجذبهم في مجال الإنسانيات. ووضع الفهارس لأسماء الكتب والأعلام مرتبة لتسهيل البحث عن الكتب والأعلام في الموسوعة.
ثم يتحدث أبو دية عن تشكل فكرة مشروع موسوعة جديدة تتناول كما يقول: "أمهات الكتب التراثية في العلوم الطبيعية، النظرية والتطبيقية، وعلوم الطب والصيدلة".
انطلق هذا المشروع ليغطي تحديدا مجالات العلوم الطبيعية النظرية مثل الرياضيات، الفيزياء، الكيمياء، الأحياء، الفلك، والمعادن، وغيرها، إضافة إلى العلوم التطبيقية في الهندسة، البيئة، علوم الطب والصيدلة، الفراسة، التعمية، الفلاحة، وغيرها. ويتراوح عدد كلمات كل ملخص بين 600 إلى 900 كلمة. وقد رتبت الملخصات ترتيبا تاريخيا لتسليط الضوء على تطور أساليب الكتابة ومضامينها ومنهجيتها.
وأوضح المؤلف، أن هناك العديد من الموسوعات التي تتناول تراجم أعلام التراث، ولكن لا يوجد عمل واحد يجمع بين هذا العدد الكبير من التراجم الموجزة إلى جانب ملخصات من أهم أعمال هؤلاء الأعلام. على سبيل المثال: إذا أراد أحدنا التعرف على "كتاب العلم التحقيقي واستخراج المعنى" عند العرب للكندي، فإنه يبدأ بترجمة موجزة للمؤلف أبي يوسف الكندي والعصر الذي عاش فيه (185 -256 هـ / 801 -873م).
ويقول أبو دية: "إن القارئ يتعرف إلى الكندي الذي ولد بالكوفة ونشأ في البصرة، ثم انتقل إلى بغداد، وأنه برع في الطب والفلسفة والحساب والمنطق والهندسة والفلك، وأنه ترك ثروة عظيمة من المؤلفات، بلغت زهاء مئتين وتسعين مؤلفًا، ضاع معظمها للأسف منها، من بينها الكتاب موضوع ملخصنا. وبعد هذه الترجمة الموجزة، ينتقل القارئ مباشرة إلى ملخص الكتاب، بدءا من تعريف "علم التعمية" بأنه تحويل نص واضح إلى آخر غير مفهوم، باستخدام أساليب لغوية أو رياضية".
وأضاف المؤلف، أن الملخص يناقش العلم، إنه كان معروفًا قبل العرب؛ في حضارات قديمة مثل الفراعنة والإغريق وغيرهم. إلا أن تطور العلوم في الحضارة العربية الإسلامية، خاصة في مجالات الحساب والجبر والهندسة، زود العلماء آنذاك بأدوات مهمة لتطوير علم التعمية واستخراج المعنى. ويشرح الملخص كيف بدأت ممارسة هذا العلم مع الخليل بن أحمد الفراهيدي، ثم ابن كيسان، فابن وحشية النبطي، فابن حاتم السجستاني، وصولا إلى أبي يوسف يعقوب الكندي، حتى الاستخدامات المعاصرة لهذا العلم التعمية، كما حدث في الحرب العالمية الثانية.
ويعطي أبو دية أمثلة على استخدامات الولايات المتحدة الأميركية لغة "النافهو" الخاصة بقبائل أميركا الأصليين "تشوكتو"، وهي إحدى اللغات النادرة التي يتحدث بها عدد قليل من قبائل الهنود الأميركيين، ولذلك كانت عصية على الألمان الذين لم يتمكنوا من فك رموزها. كما حدث الأمر نفسه في بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية مع اختراع جهاز "آلة إنغما" "أي الأحجية أو اللغز"، على يد آلان تيورنغ، التي تعد نموذجا رائدا لجهاز الحاسوب.
يبين المؤلف، أن الملخص يركز على استخراج المعنى من النصوص باستخدام ثلاث طرق رئيسية "الصفات الكمية للحروف"، التي تعتمد على معرفة تواتر حروف اللسان، الثانية "الكيفية للحروف"، استنادًا إلى معرفة تناثر الحروف مع بعضها البعض وائتلافها والثالثة "الكلمات المحتملَة"، مثل البسملة وما إلى ذلك، حيث إن البسملة تتصدر النص الذي قد يؤدي إلى حل تعمية حروفها؛ ومن ثم الانتقال إلى النص الكامل للتعامل معه وتفكيكه.
ويبين أن الكندي قد ألف رسالته قبل صدور المخطوطة الغربية الأولى في هذا العلم، بما لا يقل عن سبعة قرون من الزمن؛ وهي رسالة ألبرتي في التعمية المصنفة باللغة اللاتينية العام 1466م.
خلص أبو دية إلى الحديث عن أبرز المشكلات التي واجهت هذا العمل، ومنها، أن تحديد هذه المخطوطات في العلوم المتنوعة ما يزال غير دقيق بعد، فلا يعرف ما إذا كانت أصيلة أم أنها تعرضت لتصحيف أو تحريف أو تقميش، أو كانت ناقصة ومبتورة، أو احتوت أجزاء غير مكتملة من الكتاب.
كما قد تكون قد جمعت في مختارات مجتزأة، مما يقطع أوصال العمل ويفقده رونقه، ويضفي عليه الغموض. ولذلك، يأمل في أن تتم فهرسة كتب التراث بشكل مؤسسي وشمولي، بهدف اعتماد المخطوطات المناسبة والمقنعة، وتحقيق ما لم يحقق منها، وإعادة تحقيق ما يلزم منها، وجعلها متاحة للباحثين إلكترونيا وورقيا.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق