هل نملك إستراتيجيات طويلة الأجل لمواجهة مخاطر البيئة وشح المياه؟

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

عمان - تلح مخاطر بيئية عالمية، ارتبطت على نحو وثيق بالمياه، وتصدرت أولويات تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي للعام الحالي، بضرورة مواجهتها في دول العالم، ومن ضمنها الاردن، خشية الصدام مع مساعي حوكمة المياه ومعالجة أزماتها.اضافة اعلان


إستراتيجيات لحماية النظم البيئية
ففي وقت أشار فيه تقرير صدر مؤخرا عن مجموعة البنك الدولي، وحصلت "الغد" على نسخة منه، لأهمية تأمين المياه عبر إستراتيجيات طويلة الأجل لحماية النظم البيئية، وتأمين الموارد، وبناء القدرة على الصمود، أكد مختصون في قطاع المياه، أن ذلك يتطلب رؤية أردنية شمولية تمتد لسنوات طويلة، وتحسين الملاءة المالية لقطاع المياه، وخفض كميات المياه العذبة. 
وفيما اقترح التقرير الذي حمل عنوان "تأمين المياه في عالم غير مؤكد: قوة العمل المتعدد الأطراف"، المضي في مجالات تسهم بتسريع وتيرة التأثير، كتعزيز مرونة المياه في أنظمة الغذاء، وتأمين إمداداتها الحضرية، وتوسيع نطاق إعادة استخدامها، دعوا في تصريحات لـ"الغد"، لحاجة الأردن إلى ضمان أمن المياه والطاقة والغذاء كجزء من التنمية، مع الأخذ بالاعتبار مخاطر التأخير بمعالجة الحقائق المناخية، وانعكاسها على شدة تفاقم تحديات التنمية بالأردن، والحاجة لوضع هذا الأمن على مسارات تتكيف مع واقع ندرة المياه.


تحسين إدارة تخصيص المياه عبر القطاعات المتنافسة
وفي السياق ذاته، أشارت الخبيرة في دبلوماسية المياه ميسون الزعبي، لعدم استدامة الإستراتيجيات الحالية لمعالجة ندرة المياه، بما في ذلك الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية، وزيادة تحلية المياه.
وارجعت ذلك لـ"ضرورة إجراء إصلاحات للمؤسسات القائمة، لتحسين إدارة تخصيص المياه عبر القطاعات المتنافسة".
ودعت للاستفادة القصوى من الأسواق المالية العالمية، اذ يحتاج الأردن لبناء مؤسسات قادرة على إقناع هذه الأسواق بقدرة الأردن على توليد إيرادات لخدمة ديونه، وصولا لتعظيم فرص التمويل المناخي، مضيفة ان المؤسسات التي تدير حالياً توزيع المياه بين القطاعات المتنافسة، بخاصة بين الزراعة والسكان، غالباً ما تكون مركزية وتكنوقراطية، لافتة لمساهمتها بالحد من قدرتها على حسم الخيارات في استخدام المياه محليا.
وأشارت الى دور إعطاء سلطة أكبر لقرارات تخصيص المياه للسلطات المحلية، في المساهمة بإضفاء الشرعية على خيارات استخدام المياه الصعبة، بدلاً من التوجيهات من أعلى إلى أسفل من الوزارات، وكل ذلك في إطار إستراتيجية وطنية للمياه.

الوضوح والشفافية بشأن ندرة المياه
واشارت ايضا لدور منح استقلالية أكبر لمسؤولي شركات المياه للتواصل مع العملاء بشأن تغيير التعرفة لزيادة استجابتهم، وتنفيذ هياكل التعرفه والحد من مخاطر الاحتجاجات والاضطرابات العامة، مبينة انه لإنجاح الإصلاحات المؤسسية "لا بد من الوضوح والشفافية بشأن ندرة المياه وإستراتيجياتها الوطنية، مع توضيح أسباب اتخاذ قرارات معينة للمجتمعات المحلية. وقد ساعد هذا النهج في بلدان كالبرازيل وجنوب أفريقيا، اذ استكملت جهود التوعية الإستراتيجية، الإصلاحات الرامية للحد من استخدام المياه في أوقات الندرة الشديدة".
واعتبرت الزعبي، ان التنقل في بيئة مليئة بالتحديات ودائمة التغير، يتطلب إستراتيجيات مدروسة لإدارة المخاطر، لافتة لحاجة الأردن إلى اتخاذ إجراءات صارمة بشأن كفاءة استخدام المياه واستقرار الاستدامة المالية للقطاع، موضحة ان خريطة "الاستدامة المالية"، تتضمن خفضاً منهجياً لفاقد المياه من 53 % لـ25 % بحلول العام 2040، بالإضافة لإدخال تحسينات على الكفاءة وتحويل أحمال الطاقة.
وأوصت بأهمية اتخاذ مزيج من تدابير السياسات، لمعالجة الآثار السلبية لزيادة ندرة المياه، والتوسع في الاستثمارات للتكيف مع انخفاض توافر المياه، دون زيادة الضغط على قطاع الطاقة؛ والاستثمار بتخزين الطاقة المائية بالضخ، وإدخال سياسات القياس أو الفوترة الصافية "الذكية"، وتسريع تأهيل البنية التحتية للشبكات الذكية.


تحقيق مستقبل آمن للمياه
وتابعت "قد يكون الأردن قادرا على تحقيق مستقبل آمن للمياه إذا تبنى ممارسات مستدامة، كتقنيات تحلية المياه الصديقة للبيئة، والزراعة الذكية مناخيا، والحفاظ على المياه، والاعتماد على الطاقة المتجددة، وتوسيع وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة"، مضيفة انه "قد تكون تجربة استباقية ملهمة للمناطق الأخرى التي تواجه نفس التحديات".
وزادت يجب على الأردن إعطاء الأولوية للتمويل والبحث وتنفيذ الحلول المستدامة لتحقيق هذه الأهداف، بالاستخدام الفعال لموارده، مشددة على ضرورة مواءمة سياساته واستثماراته مع أهداف الاستدامة وكفاءة الموارد والمرونة على المدى الطويل، مع التأكيد على أهمية دور ذلك في المساهمة ايضا بالجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ، وضمان مستقبل مستدام للجميع.
ووفق الزعبي، فـ"برغم إدراك الأردن للمعضلة التي تواجه البلاد مع الحكومات المتعاقبة، لكن الجهود، رغم أهمية ما بذل، ما تزال أقل من حجم التحديات المطروحة".
واستعرضت مثالا على ان مشروع الديسي مثلا، ورغم ضخامته ومشاريع تأهيل واعادة هيكلة  شبكات المياه والتوسع ببناء السدود، خففت من أعراض الأزمة التي يواجهها الأردن، لكنها لم تكن حلاً إستراتيجياً قادراً على تجاوز هذه العقبة.

التحديات المائية غير منفصلة عن أبعادها الاقتصادية
من جهتها، الاستاذة بالجامعة الألمانية الأردنية د. منى هندية، أهمية وجود رؤية شمولية تمتد لسنوات طويلة لدى الأردن، لمواجهة المخاطر البيئية والمائية، التي حذّر منها البنك الدولي، مبينة أن التحديات المائية اليوم، ليست منفصلة عن أبعادها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والإعلامية والتعاون الدولي.
وأضافت هندية، أن وزارة المياه والري تقوم وبهدف العمل بشكل مستدام وفعال للتعامل مع التحذيرات المرتبطة بالمخاطر على النظم البيئية والمائية؛ بتعزيز الإدارة المتكاملة للموارد المائية، كتطوير البُنى التحتية المائية، وتحديث شبكات المياه والصرف الصحي وإعادة استخدام المياه المستصلحة؛ ومعالجة الفاقد المائي وبناء محطات تحلية المياه معتمدة على الطاقة المتجددة، خاصة في المناطق المتضررة من شُح المياه.
وتابعت، إن "علاقة التآزر بين قطاعات المياه والزراعة والمناخ والامن الغذائي لها أهمية خاصة، وذلك بسبب ما يمكن ان تفرضه الكوارث والصدمات المرتبطة بالتغير المناخي من مخاطر على النظم المائية والغذائية والامن الغذائي"، مشيرة الى أنه لهذا السبب تم تضمين الأمن المائي والمناخي كأولويّة عليا في سياسات المملكة.


أولويات ملحة لمواجهة المخاطر والكوارث
ودعت لأهمية التعامل مع أولويات ملحة لمواجهة المخاطر والكوارث، إلى جانب الاستفادة من التقنيات الحديثة كالذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات المناخية والمائية، والتنبؤ بالأزمات قبل وقوعها، وتركيب أجهزة قياس رقمية لمراقبة كميات الضخ والاستهلاك والفاقد بشكلٍ لحظي.
ودعت لمنح الأولويات المرتبطة بحماية النظم البيئية والحفاظ على التنوع الحيوي وحماية المناطق الرطبة والمصادر الطبيعية التي لها دور في إعادة تغذية المخزون المائي الجوفي؛ واعتماد سياسات تشجير واسعة للغابات واستخدام أساليب زراعية لها دور في المحافظة على المياه والتربة، الأهمية اللازمة.
استدامة مالية لقطاع المياه
بدوره، أكد الأمين العام الأسبق للوزارة إياد الدحيات، ضرورة مواجهة ارتفاع حدة المخاطر العالمية، بخاصة المتعلقة بالتغييرات المناخية وانعكاسها على تناقص مستمر في كميات التزويد المائي المتوافرة، وزيادة الطلب على المياه للأنظمة الزراعية والاجتماعية والمدنية، وسيكون لها أثر سلبي على الامن الغذائي والقطاع الزراعي.
وأشار الدحيات لتقديرات البنك الدولي عبر تقريره "Water in the Balance" حول "انخفاض كميات المياه المتوفرة 20 %، وأنها قد تؤدي لانخفاض الناتج الإجمالي المحلي في المملكة بنسبة قد تصل لـ7 % سنويا".
واقترح الدحيات، إستراتيجيات عدة تساهم بالتخفيف والتكيف مع هذه المخاطر؛ من ضمنها تحسين الملاءة المالية، وبالتالي الاستدامة المالية في قطاع المياه، ما سيسهم بزيادة موثوقية إمداداتها بتوفير المخصصات المالية لصيانة أنظمتها، ورفع كفاءة التشغيل وزيادة نسبة تغطية تكاليف الصيانة والتشغيل.
وقال في هذا السياق، إن قطاع المياه، يمتاز بكلف الإنتاج المرتفعة، اذ ان معظم أنظمة المياه الحالية موجودة في مراكز بعيدة عن التجمعات السكانية التي تحتاج لضخ عبر مسافات بعيدة تتجاوز الـ400 كلم، او تحتاج لضخ عبر ارتفاعات تصل لـ1000 م، اذ ترتب عليها معدل استهلاك طاقة كهربائية يتراوح بين 4 و6 كيلووات ساعة/م3٣ ، وهو اعلى من المعدل العالمي الذي يعادل 2 كيلووات ساعة/م3 ويبلغ قيمة الوفر الذي يمكن تحقيقه بتنفيذ مشاريع كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة في القطاع ، توفير ما استهلاكه 480 جيجاوات ساعة/ سنة والذي يعادل وفرا ماليا قيمته 60 مليون دينار سنويا بعد انجاز هذه المشاريع.


تخفيض كمية المياه العذبة المستخدمة للزراعة
كما أوصى بتخفيض كمية المياه العذبة المستخدمة للزراعة بالتوازي مع المحافظة على المستويات المعيشية للمزارعين بتنفيذ مشاريع على مستوى المزرعة وخارجها، و⁠تشغيل أنظمة ونماذج لإدارة الجفاف والاستجابة للمخاطر، والتواصل المستمر مع الشركاء واصحاب المصلحة، والتنسيق والتشبيك المشترك مع القطاعات المتداخلة، كقطاع الطاقة والزراعة واستخدام ضخ المياه بالطاقة الشمسية والطاقة المتجددة ووسائل توفير المياه في الزراعات المروية، ما يقلل من انبعاثات الغازات الدفيئة وتقليل الكلف على المزارعين والتوفير في المياه.
وعودة لتفاصيل التقرير ذاته، فإنه أبدى مخاوفه إزاء المخاطر البيئية العالمية الأكثر إلحاحا خلال العقد المقبل، وكلها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالمياه، مضيفا أنه وفق تقرير المخاطر العالمية للمنتدى الاقتصادي العالمي للعام الحالي، فإن الطقس المتطرف، وفقدان التنوع البيولوجي، والتغيرات الحرجة في أنظمة الأرض، ونقص الموارد الطبيعية تتصدر قائمة المخاوف.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق