حرب أوكرانيا، والاستيلاء على أراضي غزة، والهجوم على حرية التعبير في أوروبا، كلها أحداث تؤجج معركة عالمية من أجل الحرية.اضافة اعلان
* * *
انضم إليّ في هذا الحوار دانيال ماك آدامز، مدير "معهد رون بول" والمقدم المشارك لبرنامج "تقرير رون بول للحرية"، لمناقشة ثلاث قضايا زلزالية تهز العالم: الحرب في أوكرانيا؛ وعمليات الاستيلاء على الأراضي في غزة؛ والتصعيد المتزايد للهجوم على حرية التعبير في أوروبا. وأراد حوارنا أن يوفر عدسة للتحليل، وإظهار كيف أن هذه الأزمات ليست مجرد نقاط اشتعال جيوسياسية، بل هي محفزات لنضال أوسع من أجل الحرية الفردية. وفي ما يلي خلاصات هذا الحوار.
***
أوكرانيا: إرث المحافظين الجدد يواجه خصماً صامداً
يؤطر ماك آدامز الصراع الأوكراني على أنه لعبة شطرنج استمرت لعقود، دبرها المحافظون الجدد في الولايات المتحدة، وليست مجرد انفجار روسي مفاجئ.
وفق ماك آدامز، "يعود تورط الولايات المتحدة في أوكرانيا إلى العام 2004 و’الثورة البرتقالية‘". ويشير آدامز إلى شخصيات مثل فيكتوريا نولاند، التي امتدت مسيرتها المهنية من فريق ديك تشيني إلى إدارة أوباما، في ما شكل تجسيدًا لانتقال المحافظين الجدد "السلس" عبر الإدارات المختلفة من الحزبين. ويوضح أن انقلاب العام 2004 في أوكرانيا، الذي أعقبته "ثورة الميدان" في العام 2013 -"كما اعترفت (نولاند) ضمنياً في المكالمة الهاتفية التي تم اعتراضها"، ويشير ماك آدامز هنا إلى حوار نولاند الشهير مع السفير باييت- يكشف عن نمط من تغيير الأنظمة الذي ترك أوكرانيا ساحة للفوضى.
ينسجم هذا التحليل مع الشكوك الليبرالية تجاه توسع سلطة الدولة، ولكن دعونا نوسع السياق. تعود رؤية المحافظين الجدد إلى المشاعر الانتصارية التي سادت حقبة ما بعد الحرب الباردة في التسعينيات، حيث سعت الولايات المتحدة إلى تطويق روسيا بحلفاء من "حلف شمال الأطلسي" (ناتو)، وهي استراتيجية تبلورت في شكل التوسع شرقًا في العام 1997. وكانت قد سبقت غزو روسيا لأوكرانيا في العام 2022 -على الرغم من أنه غير مبرر بالنسبة للبعض- سنوات من مواطن الشكوى التي تم تجاهلها -خرق اتفاقيات مينسك وزحف "الناتو" إلى أعتاب روسيا، وهو ما لخصه ترامب بتعبيره الصريح: "لقد وسعوا ’الناتو‘ حتى وصل إلى عتبة بابه (بوتين). من سيريد ذلك؟". ويرى ماك آدامز أن هذا ليس دفاعًا عن بوتين، وإنما تشخيص للأحداث: "يجب أن تفهم التاريخ جيدًا... مثل طبيب".
اليوم، يتحدى صمود روسيا -حيث يتفوق نمو ناتجها المحلي الإجمالي على أوروبا على الرغم من العقوبات، وتعافيها العسكري- قواعد اللعبة التدخلية. ويحذر ماك آدامز من أن رهان ترامب على العقوبات الاقتصادية لن ينجح: "ربما تكون روسيا أكثر الدول تعرضًا للعقوبات في العالم الآن... لن يجدي ذلك نفعًا". ويشير هذا إلى تحول عالمي: مع تعميق دول مجموعة "بريكس" (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) لعلاقاتها، تضعف الهيمنة الأحادية للولايات المتحدة، وهو ما يغذي موجة من المقاومة ضد الإمبراطوريات المتدخلة. والصراع هنا لا يتعلق بأوكرانيا فقط -إنه معركة بين السيادة والتبعية.
غزة: حقوق الملكية في مواجهة الأوهام الإمبريالية
أثارت الفكرة التي طرحها ترامب عن تحويل غزة إلى مركز دولي استياء ماك آدامز: "لا يمكنك امتلاك سند مُلكية لهذا المكان لأنه ليس أرضك". إن هذه المسألة تضرب في صميم الفكر التحرري -حقوق الملكية مقدسة، وأي استيلاء تقوده الدولة هو اعتداء صريح. ويربط ماك آدامز بين تصرفات إسرائيل -"المروعة"، كما يصفها- وبين الدعم الأميركي: "أعطيناهم كل المال، أعطيناهم كل الأسلحة، وأدار جو بايدن وجهه إلى الجهة الأخرى". هذا الخطر الأخلاقي، حيث شجع الدعم الأميركي إسرائيل على هذه التحركات الخطرة، حوّل غزة إلى كارثة إنسانية.
دعونا نفكك هذا أكثر. دمرت حملة إسرائيل، التي تصاعدت منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، معظم غزة، وشرّدت ما يقرب من مليوني شخص. يتصور اقتراح ترامب، الذي يردد صدى تأملات سابقة لجاريد كوشنر حول "عقارات رائعة على الواجهة البحرية"، عملية إعادة تطوير تتجاهل واقع المُلكية والموافقة. ويتوقع ماك آدامز الفشل لهذا المشروع: "لا يمكنك تطهير مليوني شخص عرقيًا... المقاومة ستستمر". ويؤكد التاريخ ذلك -من الانتفاضات الفلسطينية إلى عمليات الاستيلاء الاستعمارية على الأراضي التي أدت إلى تمردات لا تنتهي. ما تزال نكبة العام 1948، عندما تم اقتلاع 700.000 فلسطيني من أرضهم، تغذي المقاومة؛ ولن يؤدي تكرارها في العام 2025 إلا إلى زيادة تشدد الأجيال الجديدة وإصرارها.
عالميًا، يتردد صدى هذه القضية كمعركة من أجل تقرير المصير. وإذا فرضت الولايات المتحدة أو إسرائيل "حلاً" من الأعلى، فإنهما لا تخاطران بمواجهة مقاومة محلية فقط، بل بمواجهة رفض أوسع للتدخل الغربي -على نحو يشبه كثيرًا التأثيرات الموجية التي صنعتها الحرب الأوكرانية. ويلمح انتقاد ماك آدامز للسياسة الأميركية باعتبارها لا تخدم حتى لإسرائيل -"الجميع في المنطقة يكرهونهم بشدة"- إلى مفارقة الحرية: الأمن الحقيقي يأتي من التفاوض، وليس الهيمنة. والنضال من أجل الشعب الفلسطيني في غزة هو صورة مصغرة لمجتمع دولي سئم من الأسياد المفروضين.
أوروبا: قمع حرية التعبير
يكشف عن أزمة ثقافة
يثير تضييق الخناق المتزايد على حرية التعبير في أوروبا -كما يتجسد في "قانون السلامة على الإنترنت" في المملكة المتحدة وقوانين خطاب الكراهية في ألمانيا- قلق ماك آدامز: "لقد استخدموا الفيروس كذريعة لقمع شرس... وما تزال آليات القمع قائمة". وهو يرى أن ما يجري الآن هو امتداد للسيطرة التي تم فرضها خلال جائحة "كوفيد-19"، حيث استمتعت الحكومات بمذاق السلطة المطلقة. بالنسبة للتحرريين، يمثل هذا هجومًا مباشراً على سوق الأفكار، حيث يجب أن يكون التعبير، مهما كان جريئًا وعدوانيًا، حرًا بالكامل.
يفرض قانون المملكة المتحدة للعام 2023 على المنصات إزالة المحتوى "الضار"، وهو مصطلح غامض يسهل إساءة استخدامه، بينما يعاقب "قانون إنفاذ الشبكات" NetzDG في ألمانيا الشركات بغرامات على التأخر في حذف ما يُصنف على أنه "خطاب كراهية". وكانت هذه التدابير قد استُخدمت بعد جائحة "كوفيد-19" لاستهداف المعارضين -من الأصوات المناهضة للإغلاق في العام 2020 إلى الآراء المناهضة للهجرة اليوم. ويرى ماك آدامز لهذا تداعيات اقتصادية، ويقول: "إنه يُضعف قدرة الناس... عليهم أن يكونوا أكثر حذرًا". قد يؤدي خنق النقاش إلى دفع الابتكار نحو العمل السري، مما يخلق "سوقًا سوداء لمنصات التواصل الاجتماعي".
يقول ماك آدامز: "إنك ترى ردة فعل"، مستشهدًا بصعود "حزب البديل من أجل ألمانيا"؛ وجاذبية مارين لوبان في فرنسا؛ وتحدي فيكتور أوربان في المجر. لقد حول أوربان، الذي يعجب به ماك آدامز -من خلال قوة إرادته ومحتوى شخصيته"- دولة صغيرة إلى رمز للمقاومة. ويعكس هذا وضع الولايات المتحدة حيث كشفت منصة إيلون ماسك، "إكس"، عن الرقابة الحكومية، وهو "حدث مغير العالم" كما يقول ماك آدامز. كما تواجه النخب غير الشعبية في أوروبا، مثل أورسولا فون دير لاين غير المنتخبة -"لم يصوت لك أحد"، مرددًا مقولة وزير الخارجية الهندي، أشانكار- لحظة الحساب. إن معركة الحرية هنا تدور حول استعادة الصوت من تحت كمامة الدولة، وهو اتجاه قد يلهم يقظة أميركا نفسها.
اختبار عالمي للحرية
تتضافر هذه الخيوط -سيادة أوكرانيا، وحقوق الملكية في غزة، ومعركة حرية التعبير في أوروبا- لتشكل نسيجًا للمقاومة ضد الدولتية. ويرى ماك آدامز أن ترامب هو سيف ذو حدين: دوافعه الاستعمارية الجديدة (غرينلاند، كندا، غزة) تتعارض مع المبادئ التحررية، لكن تحديه للنخب -"ترامب الكلاسيكي... سيد الاستفزاز"- يحشد الساخطين. قال ترامب: "الأميركي العادي لا يريد أن يدفع 10 دولارات مقابل البيض"، في إشارة إلى تغليب الأولويات المحلية على المغامرات الإمبراطورية.
شهدت عشرينيات القرن الحادي والعشرين صعود موجة شعبوية -خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وفوز ترامب في العام 2016، والآن تحوُّل أوروبا نحو اليمين- مدفوعة بعدم الثقة في السلطة غير الخاضعة للمساءلة. والآن، أصبحت استبصارات رون بول، التي كانت محل سخرية ذات يوم، خطاب الحزب الجمهوري، كما لاحظ ماك آدامز: "لقد تم تبني كل ما قاله". وليست هذه مجرد سياسة؛ إنها تحول ثقافي نحو حكم الذات. إن حرب أوكرانيا تختبر حدود التدخل؛ ومصير غزة يختبر قدسية الممتلكات؛ ومعارك الرقابة في أوروبا تعرِّف حدود الحرية. وتشكل هذه العناصر معًا حركة عالمية -فوضوية، ولم تبلغ الكمال، لكنها حية بلا أدنى شك. ليست الاضطرابات العالمية اليوم، من كييف إلى غزة إلى برلين، مجرد فوضى -إنها اختبار حاسم لعودة الحرية. وكما توضح هذه المناقشة، فإن المعركة لم تنته بعد.
*كورت والاس Kurt Wallace: مذيع أميركي يتمتع بخبرة تزيد على 31 عامًا في العمل الإذاعي. بالإضافة إلى عمله الإذاعي، يدير شركة خاصة لتقديم خدمات التعليق الصوتي، حيث يُسمع صوته في محطات إذاعية عبر الولايات المتحدة. وهو يؤمن بالأسواق الحرة، ويرفض السياسات الاقتصادية التوسعية، ويدعو إلى المال النزيه.
*نشر هذا الملخص تحت عنوان: Silenced and Seized: How Ukraine’s War, Gaza’s Land Grab, and Europe’s Free Speech Assault Are Fueling a Global Fight for Liberty
**قانون إنفاذ الشبكات، NetzDG، أو (Network Enforcement Act)، هو قانون ألماني سُنّ في العام 2017 بهدف مكافحة خطاب الكراهية والمحتوى غير القانوني على وسائل التواصل الاجتماعي. يلزم القانون المنصات الرقمية الكبرى، مثل "فيسبوك" و"تويتر" و"يوتيوب"، بحذف أو حجب المحتوى غير القانوني، بما في ذلك خطاب الكراهية، والتحريض على العنف، والتطرف، والأخبار الكاذبة التي تحرض على الكراهية، في غضون 24 ساعة من الإبلاغ عنه، أو 7 أيام في الحالات الأكثر تعقيدًا.
0 تعليق