- يقول السائل: هل الأزواج الثلاثة في قوله تعالى: "وكنتم أزواجًا ثلاثة" تشمل جميع البشرية، أم أهل الأديان فقط؟
لا، بل تشمل كل البشرية الذين سيقفون بين يدي الله تبارك وتعالى: أصحاب الميمنة، وأصحاب المشأمة، والسابقون، فأصحاب المشأمة يدخل فيهم الكفار والمشركون والمنافقون، وكل من استحق وعيد الله تبارك وتعالى، ثم بعد ذلك، من أكرمهم الله عز وجل من أهل الإيمان والتقوى والصلاح، فإنهم يتفاوتون في مراتبهم بين أن يكونوا من أصحاب الميمنة، أو أن يكونوا من السابقين، نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا وإياكم منهم.
فهذا التقسيم هو لعموم المكلفين، نعم، ولا يقتصر على أهل الملل، في نفس السورة، في سورة الواقعة، يتحدث الله تعالى عن "الثلة"، يعني أن التقسيم في هذه المراتب الثلاثة يأتي للتنبيه، وليس على جهة الإلزام والتشريع، وإنما هو على جهة وصف الحال، وحكاية الواقع، فالسبق بالفوز والحظوة البالغة بالمراتب العالية وفراديس الجنان لا ينالها إلا القلة.
وأما من سواهم، ممن لم يبلغ هذه المرتبة، لكنهم من أهل الإيمان والصلاح والتقوى، فإنهم سواء كانوا ممن تقدم من هذه الأمة، أو ممن تقدم من أهل الإيمان، أو ممن جاء متأخرًا، فهم متساوون بين المتقدمين والمتأخرين، أما الصنف الأول، فهم الذين يحوزون قصبات السبق، وهم أقل من غيرهم، فهذا هو المقصود.
- يقول السائل: نسمع بعض العوائل ينكرون صلة الرحم التي تجمعهم ببعضهم، وذلك عندما يُسألون من خارج العائلة، والمثال على ذلك: عندما يسأل أحدهم: "هل يقرب لك فلان الفلاني؟" فينفي الصلة، أو يقول: "يقرب لي من بعيد،" فما حكم من يقوم بهذا التصرف فيما يتعلق بنسبه ورحمه؟
لا ينبغي التعجل في اتهام الناس بالتنصل من التعريف بأرحامهم وذوي قرباهم، فقد يكون لذلك محامل حسنة، كأن يظهر على السائل مَخايل إرادة الشر بقريبه، فيُوَرِّي عنه على سبيل الاحتياط، أو أن يكون ذلك بسبب سوء فعل المسؤول عنه، أي لمخالفته لأمر الله تبارك وتعالى، ومع الاجتهاد في نصحه، فهو يشير إلى معنى التبرؤ من أفعاله السيئة، ومن انحرافه وغوايته، فيأتي بمثل هذه الجمل أو العبارات.
لكن إن انتفت هذه الاحتمالات، فلا شك أن من يجيب بهذا الجواب يُخشى عليه من قطيعة الرحم، فإن صلة الرحم من الواجبات في هذا الدين، كما أن قطيعة الرحم من الآثام والكبائر، والعياذ بالله، ولا سبيل إلى صلة الرحم إلا بالتعرف على الأرحام وذوي القربى، وهذا مما أمرنا الله تبارك وتعالى به في كتابه، ليتمكن المسلم بعد ذلك من أداء حقوقهم، من الصلة بما يتيسر، ومن الإحسان وغير ذلك مما يدخل في معنى الصلة.
فإن أنكر ذوي قرباه، وتجاهل ذوي رحمه، فكيف له أن يصل أرحامه، وأن يجتنب الوقوع في القطيعة؟ ففي هذا يُخشى عليه، لكن كما قلتُ: لا ينبغي التعجل، بل لا بد من التعرف على الباعث الذي دعا هذا الشخص إلى إنكار معرفته ببعض أقاربه.
وقد يكون ذلك ناشئًا عن الجهل، وما أكثر جهل الناس اليوم بأنسابهم وذوي قرباهم وذوي أرحامهم! فهم يعرفون أناسًا بعيدين عنهم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ولا يعرفون أقاربهم، وهذه قضية وقعت فيها كثير من الأسر، حيث لم يُولِها الآباء والأمهات حق العناية، فينشأ الأولاد وهم لا يعرفون أقاربهم، وتجد أنهم من القرابات القريبة، ومع ذلك لا يعرفونهم، بينما يتواصلون مع أفراد في شرق العالم وغربه، لا يمتون لهم بصلة، وينشئون معهم صداقات وعلاقات، فهذه قضية لا بد أن يُلتفت إليها.
أما الجواب عن هذا السؤال، فهو أن الإنسان لا ينبغي أن يتعجل في حمل الناس على أسوأ المحامل، بل عليه أن يلتمس لهم العذر، وأن يحملهم على أحسن الظنون، لا على أسوئها، وأن يُنَبَّهوا إذا كانوا في غفلة، كذلك لا بد من التنبه إلى أنهم قد يكونون جاهلين بالصلة التي تربطهم بهؤلاء المعينين من الناس.
لكن إن انتفت هذه الاحتمالات الحسنة، وكان هذا التنكر من باب الإعراض والتنصل عن أداء الحقوق، فإن هذا قد يؤدي إلى قطيعة الرحم، والعياذ بالله، ولذلك، لا بد من بيان خطورة قطيعة الرحم، وبيان عظيم فضل صلة الرحم في هذا الدين، في الدنيا والآخرة، والله تعالى أعلم.
- يقول السائل: "فيطمع الذي في قلبه مرض"، هل المرض هنا هو مرض حقيقي يعاني منه بعض الناس، أم أنه تعبير لتحقير هذه الفئة من الناس؟
لا، يعتمد ذلك على ما يفهمه القارئ من معنى المرض، وإلا فإن مرض القلب، الذي ورد في هذه الآية الكريمة، كما ورد أيضًا في سياقات أخرى في كتاب الله عز وجل، يُقصد به مرض القلب بمعنى الفجور،، وبعضهم يقول: النفاق والشك، وبعضهم يقول: الشهوة بالحرام، والصحيح أن ذلك يختلف بحسب السياق، فكل هذه من أمراض القلوب التي ذكرها الله تعالى في كتابه الكريم، واصفًا بها بعض الناس.
مثلًا، في سورة البقرة: "في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضًا"، هنا يُحمل على معنى النفاق والشك، أما في الأحزاب: "فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض"، فهو بمعنى الفجور، وقيل: إنه الشهوة بالحرام، وقيل: إنه النفاق، ولا تعارض بين هذه الأقوال، فإن النفاق العملي يعني أنه يُظهر العفاف، لكنه يُبطن في نفسه الفجور والرغبة في الشهوة المحرمة، مما يدفعه إلى الطمع، والعياذ بالله، فلا تعارض بين هذه التفسيرات.
لكن إن كان لا بد من تخصيص معنى خاص، فهو في سورة الأحزاب بمعنى الفجور أو اتباع الشهوات، أما في البقرة، في الآية التي ذكرتها، فهو بمعنى النفاق والشك، كما ورد أيضًا بمعنى النفاق والشك في وصف المنافقين في مواضع أخرى من كتاب الله عز وجل، والحاصل أنه في هذا السياق، هو بمعنى الفجور واتباع الشهوات المحرمة، وهذه كلها من أنواع النفاق العملي، والعياذ بالله، أما إذا كان المقصود أن يكون المرض مرضًا عضويًا، فليس هذا هو المقصود، وسياق الآية يتضمن التبكيت وكشف دخائلهم، وما تنطوي عليه نفوسهم من سوء، كما أنه يحمل وعيدًا لهم وتوبيخًا، والله تعالى أعلم.
0 تعليق