المياه الرقمية.. معركة الوعي والتلاعب الاصطناعي

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

التطور السريع للتكنولوجيا لم يأتِ دون تحديات، وأبرزها استخدام الذكاء الاصطناعي في تشكيل الرأي العام، لم يعد «جيش المياه عبر الإنترنت» مجرد مصطلح، بل أصبح واقعاً رقمياً يفرض نفسه بقوة، حيث تُستغل الخوارزميات لإنشاء بيئات رقمية مضللة، وتوجيه النقاشات، وزعزعة استقرار المجتمعات.في البداية، كان يشير المصطلح إلى الحسابات المدفوعة التي تضخم الأخبار، لكن مع تطور الذكاء الاصطناعي، أصبحت هذه الجيوش أكثر ذكاءً وانتشاراً، مما صعّب على المستخدم العادي التمييز بين الحقيقة والتزييف، اليوم تعمل روبوتات ذكية على نشر المعلومات، وتحليل ردود الفعل، وتعديل استراتيجياتها تلقائياً وفقاً لاتجاهات الجمهور، ولم تعد هذه الممارسات مقتصرة على التسويق، بل امتدت إلى السياسة، والاقتصاد، والمجتمع، مما يفرض تحدياً كبيراً للسيطرة على هذه الأدوات وحماية الحقيقة الرقمية.في عصر «اقتصاد المعرفة»، أصبحت البيانات هي العملة الأهم، والجيوش الإلكترونية توظف الذكاء الاصطناعي بطرق عدة، أبرزها: التزييف العميق، حيث يتم إنشاء مقاطع فيديو مزيفة لشخصيات عامة، الحسابات الآلية (Bots) التي تنشر الشائعات، وتوجيه التوجهات الإعلامية عبر تصدير أخبار محددة إلى الواجهة، بغض النظر عن مصداقيتها ما يسهم في خلق واقع إعلامي مزيف.ولا تقتصر التأثيرات السلبية على نشر الأخبار المضللة، بل تشمل تهديد الديمقراطية عبر التأثير على الانتخابات، كما حدث في أمريكا وبريطانيا، بالإضافة إلى إضعاف الثقة بالإعلام، والتلاعب بالأسواق المالية كما شهدناه مع أسهم بعض الشركات الكبرى.لمواجهة هذا التحدي، لابد من تبنّي مقاربة شاملة تجمع بين التقنية، والقوانين، والتوعية، فمن جهة يمكن تطوير أدوات ذكاء اصطناعي مضادة لكشف التزييف العميق، ومن جهة أخرى، يجب فرض تشريعات صارمة لمعاقبة الجهات التي تستخدم هذه الأدوات بطرق غير أخلاقية، لكن الأهم من ذلك تعزيز الوعي المجتمعي حول أهمية التحقق من المعلومات قبل تصديقها أو مشاركتها، لأن مكافحة التضليل مسؤولية مشتركة بين الحكومات، والمنصات الرقمية، والأفراد.نحن نعيش في عصر لا تنفصل فيه التكنولوجيا عن حياتنا، لكن هذا لا يعني أن نقبل بأن نكون ضحايا لموجات التضليل الإلكتروني. «جيش المياه عبر الإنترنت» ليس مجرد ظاهرة رقمية، بل تهديد حقيقي وسلاح رقمي ذو تأثير بالغ يجب مواجهته بوعي وإدراك، لأن المعركة اليوم ليست فقط بين الحقيقة والكذب فحسب، بل بين الوعي الرقمي والتلاعب الاصطناعي، ولأن المستقبل يُبنى على الإدراك والفهم، فإن تعزيز الوعي المجتمعي حول هذه القضية هو مسؤولية الجميع، وإلا فإننا سنجد أنفسنا في عالم تُصنع فيه الحقيقة على يد الخوارزميات، وليس على أساس الواقع.* إعلامية وباحثة أكاديمية

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق