"لا أظن أنه يستطيع استقبالك اليوم" نظرت إلى الممرضة بأسف وهي تخبرني بعدم قدرة صديقي الطبيب لرؤيتي فقد كان يوماً مزدحماً في عيادة الأطفال حيث يعمل، وقفت أحاول معها مرة أخرى "اسأليه، قد يجد بين مواعيده مساحة لو خمس دقائق" رضخت لي الممرضة في النهاية فأنا لا أستسلم بسهولة، طلبت مني الانتظار في مكتبه الخاص، دقائق قليلة وأطل عليّ صديقي الطبيب وقال لي معتذراً سأوافيك بعد عشر دقائق".
انتظرت بكل سرور فغالباً عندما يؤرقني أمر ما أجد لديه النصح والإرشاد، فهو كما المرشد الذي يدلني دائماً على الطريق الذي ضللته بسبب كثرة الأفكار في رأسي، هو شخصية مثقفة جداً واعية ومطلعة يجعلك الجلوس معه تشعر بالتحرر من طريقة تفكيرك لتتبنى بلا إرادة آراءه التي يطرحها بشكل مقنع ومنطقي.
لحظات ودخل المكتب أحد الموظفين يحمل كوب قهوة سوداء كما أحبها تماماً، بجانب القهوة لُصقت ورقة سُجل عليها ملاحظة واعتذار، وشيءٌ آخر، كان بجانب كوب القهوة كتاب طويت إحدى أوراقه مع إشارة للقراءة، استغربت قليلاً ونظرت بِحيرة للموظف الذي ابتسم قائلاً "الدكتور طلب مني أعطاءك هذا الكتاب" مددت يدي أخذت الكتاب وفتحته حيث طويت الصفحة، كانت هناك عبارة وحيدة تمّ تضليلها بلون أصفر كتب بجانبها اقرئي، قرأتها مراراً وتكراراً تلك العبارة لم تفارق ذهني طويلاً ولا أظنها ستغيب قريباً، كُتب "ولا يكفي أن يدرك المرء الحقيقة، ولكن تحمّله المسؤولية الكاملة تجاه ما أدركه من حقيقة هي أهم شروط اكتمال شخصيته" نعم لا يكفي فقط أن نعرف وندرك الأحداث من حولنا، لنعي الشيء علينا أن ندركه وأن نتحمّل في نفس الوقت المسؤولية الكاملة تجاه إدراكنا لهذه الحقائق.
ما يحدث من حولنا أن الناس تدرك وتعي تماماً الأحداث التي تجري كل يوم، ولكن من منا يتحمّل مسؤولية ما علمه وأدركه من مجريات وأحداث وحقائق، كأن يصل أحدهم إلى العمل متأخراً مدركاً حقيقة وصوله للعمل متأخراً، ولكن هذا لا يكفي عليه في نفس الوقت أن يتحمّل المسؤولية الكاملة تجاه ما أدركه من حقيقة وأن يتصرف بناءً على تحمّله للمسؤولية وليس بناءً على ما أدركه، أو كأن يبلغ أحدهم من العمر أربعين عاماً فهو مدرك تماماً أن عمره أصبح أربعين، لكن هذا لا يعني أن شخصيته اكتملت إلا عند قيامة بالتصرف وفق مسؤولية تامة تجاه هذه الحقيقة التي أدركها، شتان بين أن نتصرّف وفق علمنا لأحداث معيّنة وبين أن تكون ردة فعلنا نابعة من واقع تحمّلنا لمسؤولية هذا العلم والتصرّف على أساسها.
وقس على ذلك كل ما نتعرّض له يومياً من أحداث ومواقف، فنحن نعرف ونفهم ما يحدث، ولكننا ولسبب ما اخترنا التجاهل أو التصرّف وفق ما يحدث من معطيات دون تحمّل مسؤولية، في الواقع أن تعرف هو نصف الحقيقة لكن الحقيقة الكاملة هي ما ستكون عليه ردة فعلك تجاه ما علمته.
الخلاصة: تذكّر دائماً أنك جزء لا يتجزّأ من أسرة ما ومجتمع ما، لا يكفي أن تعي وتُدرك ما يحدث حولك من أحداث، ولكن عليك أن تشارك بمسؤولية في بناء تلك الأسرة وذلك المجتمع، لا تترك الآخرين يصدّرون لك أفكاراً لتستقبلها أنت وتترك لهم زمام الأمور في التصرف، قف وتحمّل المسؤولية ولتكن تصرفاتك نابعة عن وعي وثبات وثقة أنك إنسان مكتمل الشخصية.
0 تعليق