وسط عالم يموج بالصراع والتحديات، يظهر أشخاص مميزون يغيّرون وجه الحياة للأفضل، ويتركون بصمة لا تُمحى فى قلوب الملايين، أحد هؤلاء هو السير مجدى يعقوب جراح القلب المصرى، الذى كرّس حياته لإنقاذ الأرواح وإحداث فرق حقيقى فى حياة البشر.
«ليس هناك شىء أكثر قيمة من أن تعطى من وقتك وصحتك من أجل مساعدة الآخرين».. هذا ما يؤمن به يعقوب وأثبتته رحلته المدهشة التى تجمع بين الطموح، الإبداع، والتفانى المطلق فى خدمة الإنسانية، وإذا كان هناك مجال واحد يمكن أن يُقال إن مجدى يعقوب أحدث فيه ثورة، فهو زراعة القلب.
حلم صغير تحول إلى رسالة كبرى
عائلته متواضعة لكنها متعلمة ومثقفة، وفى سنوات طفولته، كان يعقوب شاهدًا على ألم عميق عندما فقدت عائلته عمته بسبب مرض فى القلب، ذلك الألم ترك أثرًا كبيرًا فى روحه، وقرر منذ ذلك الحين أن يُكرس حياته لمحاربة أمراض القلب، ليصبح جسرًا بين الألم والشفاء.
بعد تخرجه فى كلية الطب بجامعة القاهرة، قرر يعقوب أن يخطو خطوة نحو العالمية. سافر إلى بريطانيا ليكمل دراسته العليا، حيث بدأ رحلة طويلة من التحديات والإنجازات. فى تلك الفترة، أظهر يعقوب تصميمًا استثنائيًا على التفوق، رغم صعوبة الظروف كونه مغتربًا يسعى لإثبات نفسه فى مجتمع جديد.
أجرى طبيب القلوب أول عملية زراعة قلب ناجحة فى بريطانيا فى عام ١٩٨٠، وهو إنجاز لم يكن مجرد خطوة طبية، بل فتح باب الأمل لملايين المرضى حول العالم. بفضل تقنياته المبتكرة وجرأته فى التعامل مع الحالات المعقدة، أصبح يعقوب يُعرف عالميًا بلقب «ملك القلوب».
لكن إنجازاته لم تتوقف عند هذا الحد، وعلى مدار حياته المهنية أجرى يعقوب أكثر من ٢٠ ألف عملية جراحية، أنقذ من خلالها حياة مرضى كانوا يعانون أخطر أمراض القلب، ولم يكن ذلك كافيًا بالنسبة له، بل أصبح قائدًا فى تطوير الأبحاث العلمية، حيث نشر أكثر من ٤٠٠ دراسة طبية أسهمت فى تحسين فهم العالم لأمراض القلب وطرق علاجها.
الطبيعة أعظم تكنولوجيا
تستمر رحلة الإنجازات العلمية لطبيب القلوب الذى يُكمل عامه التسعين، وهذه المرة مع ابتكاره الأخير الذى قد يصبح نقطة انطلاق جديدة فى مستقبل علاج أمراض القلب، وهو صمامات قلب حية مصنّعة من ألياف طبيعية وتنمو طبيعيًا داخل الجسم.
ورغم أن الابتكار ما زال فى مراحل التجارب الأولى، إلا أن الصحف العالمية وصفته بأنه نواة ابتكار يمنح الأمل لمرضى القلب، خاصة الأطفال، ليعيشوا حياة طبيعية دون إجراء جراحات معقدة.
وعن ابتكار صمامات القلب الحية، قال يعقوب: «الطبيعة هى أعظم تكنولوجيا، فهى متفوقة على أى شىء يمكننا صنعه. بمجرد أن يعيش شىء ما، سواء كانت خلية أو نسيجًا أو صمامًا حيًا، فإنه يتكيف من تلقاء نفسه، علم الأحياء مثل السحر». ومن المنتظر أن تنطلق التجارب السريرية لهذه الصمامات الحيوية خلال الأشهر الثمانية عشر المقبلة، بمشاركة تتراوح بين ٥٠ و١٠٠ مريض، من بينهم أطفال.
القيادة والإلهام
خارج غرفة العمليات، يشتهر يعقوب بقدرته على القيادة وإلهام الآخرين. لا يتوقف عن منح فريقه الطبى الفرصة للتعلم وتطوير أنفسهم، حيث يرى أن استمرارية العلم هى الضمانة لاستدامة النجاح.
ينقل يعقوب شغفه بالمهنة إلى كل من يعمل معه، فيغرس فيهم حب الابتكار، أهمية الصبر، والتفانى فى خدمة المرضى.
وإلى جانب دوره كجراح وقائد طبى، لعب يعقوب دورًا محوريًا فى التعليم الطبى، حيث نظّم وشارك فى العديد من المؤتمرات الطبية العالمية، حيث لم يكن يسعى فقط إلى مشاركة معارفه، بل إلى بناء شبكات دولية من التعاون الطبى. الكثير من طلابه اليوم يقودون مراكز طبية ومشاريع بحثية مستلهمين منه قيم الإصرار والإنسانية.
تكريم مستحق
إنجازات يعقوب لم تمر دون تقدير، بل حصل على أرفع الأوسمة والجوائز من مختلف أنحاء العالم، منها وسام فارس من ملكة بريطانيا، وجائزة منظمة الصحة العالمية للعمل الإنسانى. هذه التكريمات ليست فقط اعترافًا بمهاراته كجراح، بل تقديرًا لروح العطاء التى يتمتع بها. وأخيرًا جاء إطلاق اسم البروفيسور مجدى يعقوب على صالة كبار الزوار بمطار أسوان الدولى تكريمًا من الدولة المصرية، وحرصًا منها على منح العلماء والمبدعين فى المجالات المختلفة التقدير اللازم بهم، خاصة مَن أسهموا بإنجازات تُعلى اسم مصر عالميًا.
إنسانية بلا حدود
ما يميز مجدى يعقوب عن غيره ليس فقط مهارته الطبية، بل إنسانيته التى تظهر فى كل تفصيلة من حياته. مرضاه لا يتحدثون فقط عن جراح ماهر، بل عن رجل ينصت إليهم، يفهم مخاوفهم، ويمنحهم شعورًا بالطمأنينة.
إنه الرجل الذى يمكن أن يترك اجتماعًا مهمًا ليجلس مع طفل خائف قبل الجراحة، أو يُطمئن أمًا قلقة على ابنها.
قصص مرضاه كثيرة ومؤثرة، منها قصة طفلة صغيرة كانت تعانى تشوهًا خلقيًا فى القلب. بعد نجاح عمليتها على يد يعقوب، أصبحت الطفلة رمزًا للأمل فى قريتها. تقول والدتها: «لم ينقذ ابنتى فقط، بل أعاد الحياة إلى عائلتنا بأكملها».
من أجل قلوب بلا ألم
قبل أكثر من ١٥ عامًا قرر يعقوب أن يُعيد الجميل لوطنه مصر بطريقة خاصة، فأسس مركز مجدى يعقوب لأمراض وجراحة القلب فى أسوان، وهو مركز يُعد نموذجًا عالميًا فى تقديم الرعاية الطبية المجانية للمرضى، خاصة الأطفال. وأكثر من ذلك، يعمل المركز كمؤسسة تعليمية وبحثية تهدف إلى تدريب الأطباء الشباب ليواصلوا مسيرة الأمل التى بدأها يعقوب.
المركز فى أسوان ليس مجرد مكان للعلاج، إنه رمز للإنسانية والتكافل، وكل طفل يخرج من هناك بابتسامة جديدة هو شهادة حية على نجاح رؤية يعقوب وأثره العميق. واستكمالًا لمسيرته الإنسانية والطبية، أطلق مشروع مستشفى مجدى يعقوب الجديد للقلب فى القاهرة، فى خطوة عملاقة نحو توفير رعاية طبية فائقة الجودة لأكبر عدد ممكن من المرضى، خاصة من الفئات الأقل حظًا.
يجمع المستشفى الجديد مركزًا طبيًا متكاملًا يجمع بين العلاج، التعليم، والبحث العلمى، ويضم أحدث التقنيات فى جراحة القلب وطب الأطفال، مع فريق طبى مدرب وفقًا لأعلى المعايير الدولية. ولا يقتصر الهدف من هذا الصرح على علاج المرضى، بل أيضًا تدريب أجيال جديدة من الأطباء المصريين والعرب ليصبحوا قادرين على تحقيق إنجازات مماثلة. وما يجعل هذا المشروع استثنائيًا هو فلسفة مجدى يعقوب الدائمة بأن الرعاية الصحية يجب أن تكون حقًا للجميع، وليس امتيازًا لقلة، حيث يمثل المستشفى الأمل لآلاف العائلات التى تبحث عن علاج لأطفالها أو أحبائها دون القلق بشأن التكلفة.
إرث خالد
بينما يتقدم العمر بمجدى يعقوب، يبقى إرثه خالدًا فى القلوب التى أنقذها، وفى الأطباء الذين ألهمهم. إنه مثال حى على ما يمكن أن يحققه الإنسان عندما يتسلح بالعلم، الإصرار، والإنسانية، وقصة حياته هى تذكير دائم بأن العمل من أجل الآخرين هو أعظم رسالة يمكن أن يحملها الإنسان. السير مجدى يعقوب، طبيب القلوب وصانع الأمل، هو تجسيد حقيقى للعبارة: «مَن عاش لنفسه مات صغيرًا، ومَن عاش للآخرين خُلّد فى قلوبهم».
0 تعليق