أعوذ بالله من كلمة أنا

صحيفة مكة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
الأنا وما أدراك ما الأنا التي تتشكل معها شخصياتنا وتتفرد بها هوياتنا وتتحدد معها رغباتنا وأهدافنا، وتنطلق منها قدراتنا المعرفية وإمكاناتنا المعنوية لتمثل فهمنا وإدراكنا.

كثيرا ما أواجه في حواراتي مع البعض ومن خلال سياق أحاديثنا تحديدا إذا كانت تخص إنجازاتهم أو تحدياتهم أو أخلاقياتهم أو سلوكياتهم، أجدهم يردفون بعدها جملة "أنا وأعوذ بالله من كلمة أنا"، لأسارع بالرد عليهم بأنه من حقكم وحق أنفسكم عليكم أن تصرحوا بتعظيم أنواتكم الغالية بأنا فعلت كذا وأنا أمتلك هذا وأنا مهتم بذلك وأنا خبير محترف... إلخ.

لماذا لا نعطي الأنا الشخصية مكانتها وقدرها الصحيح؟ وكيف لنا أن نصادر حقها في ترقيتها وإبرازها؟

لكي نجيب على هذين التساؤلين من المفترض أن نرفع من جرعات وعينا حتى نُري الأنا لذواتنا في بادئ الأمر ثم نوضحها للآخرين.

الأنا في مبدأ التحليل النفسي تعمل على رفع القيمة الذاتية للإنسان وتعزيز مبدأ السمو الأخلاقي متى ما تم تقنين دوافعها وتحقيق اتزانها بين الوسيلة والهدف، أي كيفية استخدامها وأسلوب التعبير عن نوايانا ومقاصدنا التي نرمي إليها؛ على سبيل المثال "أنا كثير القراءة والممارسة في علم النفس والمعرفة، وأنا خبير مؤهل بالمجال نفسه، وأود أن أقدم المساعدة بخبراتي".

الأنا شيء فطري جميل إذا ما أدى للسعي الحثيث والاستمرار المتنامي لنا ولغيرنا بالتطور والتطوير والتعلم والتعليم، وسد الثغرات المشاعرية والفكرية والمعرفية، حتى نستطيع التوافق مجتمعيا والاتساق بيئيا في الحياة الزوجية والعائلية والعلمية والعملية والتعاملات اليومية.

الخبرات الحياتية والإضافات المعرفية في تراكماتها تعمل على تضخيم الأنا الإيجابية لدى الفرد، وتدعم لديه الوعي الأنوي الذي أشبهه بفكرة المنطاد الذي يرتفع عن الأرض ليتوجه بصاحبه نحو مرتفعات وهامات واختلافات طبوغرافية متعددة؛ وإذا ما أراد الهبوط يعرف متى يحين الوقت المناسب للنزول على الأرض، وهذا ما أسميه أيضا المرونة والفطنة الذاتية الحاضرة، حتى لا يخالط الأنا شيء من التعالي والغرور والفوقية.

لكن هنالك قد يحدث تشوه ذاتي أو تشويه خارجي لهذه الأنا، فتنتقل إلى المرتبة الأقل في جودتها والأدنى بسلبيتها عندما تصبح محط إهمال وإقلال من صاحبها، بسبب عدم منحها قيمتها وقامتها التي تستحق، أو أنها قد تعرضت قديما للإساءة والتنمر إما الجسدي أو الجنسي أو اللفظي، لتصبح الأنا في مرحلتها المتقدمة منهكة ومتعبة محملة بالأفكار السوداوية والنظرات السلبية تجاه الذات متروكة دونما تدخل علاجي مناسب لتتجاوز مشكلتها.

برأيي المتخصص، فإن الأنا مثل الشجرة تحتاج لأرض خصبة ومزارع ماهر يعرف كيف يتعامل معها ويعطيها فرصتها لتكبر وتنمو وتثمر.

فنصيحتي لجميع الآباء والمعلمين، ادعموا الأنا ولا داعي للتعوذ منها، وتبنوها كمشروع جودة حياة لأبنائنا لتعود عليهم بالنفع بمشيئة الله تعالى.

Yos123Omar@

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق