فـي عصرٍ تتسارع فـيه وتيرة التغيير والابتكار، يُعدُّ التصميم إحدى الركائز الأساسية لتحفـيز الاقتصاد الإبداعي وتعزيز مكانة الدول فـي الأسواق العالمية، ولم يعد مقبولًا أن نفهم التصميم كما كان يُعرَّف سابقًا، ولا يمكننا النظر إلى التصميم على أنه مجرد وسيلة للتعبير الفني، بل هو صناعة متكاملة تجمع بين الإبداع والتكنولوجيا والاقتصاد، قادرة على تغيير شكل الحياة اليومية وبناء مستقبل مستدام.
التصميم كصناعة يعني التوظيف الأمثل للإبداع لتقديم منتجات وخدمات تواكب التحديات والفرص فـي العالم الحديث، هذه الصناعة ليست محدودة بالتصميم الجرافـيكي أو الداخلي، بل تمتد إلى تصميم المنتجات، والخدمات، والنظم الرقمية، والابتكارات البيئية، وتصميم التطبيقات وابتكار الحلول التي تعتمد التصميم كمكون عضوي فعّال لا يمكن الاستغناء عنه، ففـي الدول التي تبنَّت التصميم كصناعة، مثل: فنلندا والدنمارك، أصبحت هذه الدول مراكز إبداعية عالمية، مما أسهم فـي رفع مستوى الدخل القومي وتنويع الاقتصاد.
فـي عُمان، لا يزال التصميم يُنظر إليه فـي أحيانٍ كثيرة من منظور تقليدي، يقتصر على جوانب محددة دون توظيفه كأداة اقتصادية شاملة، ومع ذلك، نحن على مشارف مرحلة جديدة، حيث تتزامن تطلعاتنا مع «رؤية عُمان 2040»، التي تركِّز على تنويع الاقتصاد وتعزيز الابتكار. التحدي الأكبر يكمن فـي تحويل ثقافة التصميم إلى نظام متكامل يواكب المتغيرات العالمية ويستجيب للاحتياجات المحلية، سواءً من حيث تعزيز الهوية الوطنية أو تطوير الصناعات الإبداعية.
ولتحقيق هذه الرؤية، كان إشهار الجمعية العُمانية للتصميم فـي عام 2023 بمثابة انعطافة فـي هذا الحراك التصحيحي التقدمي، لقد أخذت الجمعية على عاتقها تقديم التصميم باعتباره صناعة إبداعية متكاملة ينبغي أن تسهم فـي الناتج المحلي الإجمالي، ولو بعد حين. ولكي يتم الوصول إلى هذا الهدف النبيل، أخذت الجمعية على عاتقها إقامة الفعاليات المتصلة بالتصميم لتقديم المبدعين العُمانيين والتعريف بهم والعمل على إشراكهم فـي هذه الرؤية. ومن هنا انبثقت فكرة أسبوع عُمان للتصميم، الفعالية التي يُراد لها أن تكون رحلة فنية تحرِّك الحواس الخمس، خلال الفترة من 21 إلى 25 يناير الجاري، وفـي هذا السياق، سيتم طرح مفهوم التصميم برؤية جديدة تسهم فـي تحقيق مستهدفات «رؤية عُمان 2040». خلال أسبوع عُمان للتصميم 2025، تأتي فعالية «Confluence» كمنصة لتبادل الأفكار والابتكارات بين المصممين، والأكاديميين، والمبدعين، وستتناول أوراق العمل موضوعات تتعلق بتوظيف التصميم فـي تعزيز الاقتصاد المحلي، وتسليط الضوء على تجارب عالمية ناجحة يمكننا الاستفادة منها، فهي فرصة لإطلاق حوار حول كيف يمكن للتصميم أن يكون عاملًا أساسيًا فـي تحقيق أهداف «رؤية عُمان 2040»، وتحقيق مستقبل مزدهر يعكس تفرد هويتنا الوطنية وإبداع عقولنا.
أمامنا فرصة ذهبية خلال العقد القادم لإعادة تعريف التصميم فـي عُمان، هذا التحول يتطلب، من وجهة نظري، الاستثمار فـي التعليم والإبداع من خلال إدخال مناهج تعليمية متطورة تُركز على التصميم كوسيلة لحل المشكلات، وكذلك تعزيز الشراكات بين القطاعات من خلال جمع الشركات المحلية، والمؤسسات التعليمية، والحكومة لتطوير بيئة تدعم الابتكار، هذا بالإضافة إلى التركيز أكثر على توظيف التكنولوجيا من خلال الذكاء الاصطناعي، والطباعة ثلاثية الأبعاد، والواقع الافتراضي، وغيرها من التقنيات الناشئة، هذه بعض الممكنات البسيطة التي تسهم فـي تحقيق تقدم هائل فـي مجال التصميم.
فـي الختام، التصميم ليس مجرد فن، بل صناعة تصنع الفارق، اليوم، ومع بدء العد التنازلي لفعالية أسبوع عُمان للتصميم، نحن بحاجة إلى توحيد الجهود لإعادة صياغة مشهد التصميم فـي سلطنة عُمان، دعونا ننطلق من منصة «Confluence» لبناء مستقبل يليق بعُمان، يضعها فـي مصاف الدول التي تصنع الإبداع وتُصدِّره للعالم.
د. سلمان الحجري فنان عُماني وعضو الجمعية العُمانية للتصميم
0 تعليق