بنات النعش والتبانة..

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

علم الفلك من العلوم التي تفوَّق فيها العرب إبّان النهضة الإسلامية، ويقول محمد شعبان أيوب: «اطّلع المسلمون على المعارف الفلكية من مصادرها الأصلية، فتفهموها وهضموها، ثم نقدوها وصححوا زيوفها بمنهج علمي تجريبي صارم، ثم طوّروها وأضافوا إليها -عبر أبحاثهم الحسابية والرصدية- من المنجزات النظرية والتطبيقية ما قطع بها أشواطا بعيدة في تراث البشرية العلمي المنهجي المتراكم عبر القرون.. لنقف بذلك أمام الحقيقة العلمية التاريخية التي تقول: إن العرب هم الذين نشروا علم الفلك في العالم كله في الحقيقة، طبقا لما يؤكده مؤرخ الحضارات الفرنسي جوستاف لوبون (ت: 1350هـ/ 1931م) في كتابه «حضارة العرب»، درسنا في المدرسة عن الدب الأكبر والدب الأصغر، هما مجموعتا نجوم تملآن السماء بهيئتين معينتين، لم تخبرنا المعلمة وقتها بأن العرب سمّوا المجموعتين باسم بنات نعش الكبرى وبنات نعش الصغرى، فقد تخيلوا نعشًا لرجل مقتول تمشي خلف نعشه ثلاث بنات لأخذ ثأر والدهن من النجم سهيل قاتل والدهن الذي يختفي سريعا ولا يظهر في السماء إلا لأيام معدودة.

أسطورة جميلة، وأسطورة عربية أخرى عن مجموعة الثريا ونجم الدبران اللذين ضُرب بهما المثل بالحب والغدر، عدد كبير من الأساطير اللطيفة التي تسهّل على المهتمين حفظ أسماء الكواكب والنجوم.

نُذهل من آلاف أسماء النجوم التي أطلقها الفلكيون العرب القدامى، ومن معرفتهم بالمجرات، فقد سمّوا مجرتنا باسم درب التبانة، حيث لاحظوا أن المجرة تظهر مثل طريق ألقي فيه التبان وتناثر، وعرّفوا عناقيد النجوم وسموها قنوان، وعرّفوا الثقوب السوداء وسموها الآبار.

قياساتهم شملت الكون، وأبعاد النجوم والكواكب، والشمس والقمر وحركاتهما، فقد سمّوا السنة الضوئية بالسنة النورية، وعرّفوا كروية الأرض ودورانها حول محورها، وقالوا بكروية الكون، وقاسوا الزمن الأرضي والوقت بدقة فائقة جدا، وقاسوا المسافات الضخمة بيننا وبين بعض النجوم، وصنعوا آلات رصد وتتبّع للفلك تشبه كثيرا ما نسمّيه اليوم بالروبوت.

أغلبنا لا يدري كثيرا عن هذه العلوم والجهود، ولا نقرأ عنها لنعرف أن ما حصل من تقدم جديد في علم الفلك لا يزال نزرا يسيرا أمام ما قدمه علماء العرب والمسلمون رغم أننا في القرن الحادي والعشرين، وأغلبه اجترار لقديم العرب، ووضعه في ثوب جديد وأسماء جديدة.

لقد دعانا خالقنا للنظر إلى السماء كيف خُلقت وإلى الأرض كيف سُطحت، وقال تعالى: «أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ» صدق الله العظيم.

د. طاهرة اللواتية إعلامية وكاتبة عُمانية

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق