أسرار كفاءة أسواق التقنية الحيوية العالمية

صحيفة مكة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
يواجه قطاع التقنية الحيوية تحديات كبيرة من حيث الكفاءة في الأسواق المالية العالمية. ومن الملاحظ بشكل متكرر وجود فجوة كبيرة في تقييم الشركات العاملة في هذا القطاع بين المناطق المختلفة، مما يبرز العقبات الهيكلية في تخصيص رأس المال على المستوى العالمي ويطرح تساؤلات كثيرة.

عزيزي القارئ، بشكل عام يتضح أن الشركات العاملة في مجال التقنية الحيوية التي تمتلك أصولا وحقوق ملكية فكرية مشابهة يتم تقييمها بمستويات أقل بكثير في المملكة المتحدة وأوروبا وأستراليا مقارنة بنظيراتها في الولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال، قد تحصل شركة في الولايات المتحدة مدرجة في سوق الأسهم الأمريكية ناسداك على تقييم يبلغ مليار دولار، بينما شركة بريطانية تمتلك الأصول والتوجهات العلاجية نفسها قد لا يتجاوز تقييمها 200 مليون دولار.

ويزداد هذا التفاوت وضوحا في أستراليا، حيث يعاني السوق من ضعف في "عمق رأس المال"، أي نقص المستثمرين لتمويل المشاريع ذات المخاطر العالية مقارنة بأوروبا أو الولايات المتحدة.

هذا التفاوت في التقييم يُظهر ما يمكن أن يُعتبر فرصة للمراجحة، حيث يمكن للمستثمرين استغلال هذه الفجوة بشراء أسهم الشركات الأقل تقييما في الأسواق الأقل كفاءة. ومع ذلك فإن استمرار هذه الفجوات يثير تساؤلات حول سبب عدم تصحيح هذه الفروقات من قِبل المستثمرين.

تفترض فرضية "كفاءة السوق" أن المشاركين في السوق يقومون بمعالجة جميع المعلومات المتاحة لتحديد الأسعار الصحيحة للأصول. بناء على هذه النظرية، يجب أن تؤدي فجوات التقييم الواضحة، كما هو الحال في قطاع التقنية الحيوية، إلى جذب المستثمرين لشراء الأصول الأقل تقييما وبيع الأصول ذات التقييم المرتفع حتى تتقارب الأسعار مع القيمة الحقيقية.

ومع ذلك فإن تطبيق هذه الفرضية في قطاع التقنية الحيوية يواجه العديد من العقبات التي تحد من فعاليتها على أرض الواقع. من أبرز هذه العقبات قيود رأس المال الإقليمي، حيث يعاني المستثمرون من تحديات تنظيمية، ثقافية، ولوجستية تعيق قدرتهم على نقل رؤوس الأموال عبر الحدود.

كما أن المؤسسات الاستثمارية غالبا ما تفضل الأسواق الأكبر مثل السوق الأمريكية، بسبب سيولتها واستقرارها النسبي. بالإضافة إلى ذلك تلعب تصورات المخاطر ومستوى نضج الأسواق دورا محوريا في توجيه الاستثمارات، إذ تفتقر الأسواق الأصغر مثل أوروبا أو أستراليا إلى مستوى الثقة نفسه والمعرفة المتخصصة التي يتمتع بها المستثمرون في الولايات المتحدة، مما يؤدي بدوره إلى انخفاض التقييمات.

علاوة على ذلك فإن قطاع التقنية الحيوية بحد ذاته يواجه تحديات هيكلية، حيث يتميز بمعدلات فشل مرتفعة ودورات تطوير طويلة، ما يجعله قطاعا مليئا بالمخاطر. نتيجة لذلك يطالب المستثمرون في الأسواق الأصغر عادة بعلاوة مخاطر أعلى، وهو ما يؤدي إلى مزيد من الضغط على التقييمات ويحد من القدرة على جذب رؤوس الأموال اللازمة لدعم النمو والابتكار.

على الرغم من أن فرضية كفاءة السوق تقدم إطارا نظريا جذابا، إلا أن الافتراضات التي تقوم عليها غالبا ما تنهار في الواقع، خاصة في القطاعات المتخصصة ذات المخاطر العالية مثل التقنية الحيوية. ويظهر السوق العالمي في هذا القطاع بعيدا عن الكفاءة، حيث تؤثر الظروف المحلية وسلوك المستثمرين بشكل كبير على تخصيص رأس المال بدلا من الاعتماد على مبادئ عالمية موحدة.

هذه التحديات تؤثر بشكل كبير على إمكانيات النمو والابتكار للشركات العاملة في التقنية الحيوية في المناطق التي تعاني من ضعف رأس المال. فالشركات في أسواق مثل المملكة المتحدة وأستراليا قد تجد صعوبة في جمع التمويل الكافي، مما يحد من قدرتها على المنافسة عالميا. في المقابل تستفيد الشركات الأمريكية من منظومة استثمارية أقوى تدعم المشاريع ذات المخاطر العالية.

بالنسبة للمستثمرين المحترفين، تمثل هذه الفجوات في الكفاءة تحديا وفرصة في الوقت نفسه. إذ يمكن أن تحقق الاستثمارات في الأصول الأقل تقييما في الأسواق الأصغر عوائد كبيرة، بشرط أن يمتلك المستثمرون الصبر والخبرة الكافية للتعامل مع ديناميكيات السوق المحلي.

فيما يخص صناع القرار في مناطق مثل أوروبا وأستراليا، فيجب العمل على معالجة القضايا الهيكلية لجذب المزيد من الاستثمارات إلى قطاع التقنية الحيوية. يمكن تحقيق ذلك من خلال تعزيز شبكات المستثمرين المتخصصين، وتحسين سيولة السوق، وتقديم حوافز تقلل من المخاطر المرتبطة بالاستثمار في هذا القطاع.

يُظهر قطاع التقنية الحيوية التعقيدات التي تواجه كفاءة الأسواق في الواقع العملي. ورغم أن فرضية كفاءة السوق تقدم معيارا نظريا، إلا أن واقع القيود الرأسمالية المحلية وتصورات المخاطر والعوائق الهيكلية يخلق فجوات كبيرة في الكفاءة.

ولتحقيق إمكانياته الكاملة، يجب على المستثمرين وصناع القرار إدراك هذه التحديات والعمل على معالجتها لضمان توزيع أكثر عدالة للموارد والفرص عبر الأسواق المختلفة.

nabilalhakamy@

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق