في خطوة أثارت جدلًا واسعًا ووصفتها العديد من الأطراف بأنها "جنونية"، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن قرار وقف توريد أدوية الإيدز والملاريا والسل إلى الدول الفقيرة، وذلك ضمن سياسة تجميد المساعدات الخارجية لمدة 90 يومًا لتقييم كفاءة البرامج وتناسقها مع السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
ويُعتبر هذا القرار من أخطر الإجراءات التي اتُخذت مؤخرًا في مجال المساعدات الإنسانية، خاصة وأن الولايات المتحدة تشكل نحو 42% من إجمالي المساعدات العالمية.
قرار مثير للقلق وتأثيره على المساعدات الإنسانية
أصدر ترامب قراره في أول أيام توليه منصبه الجديد، حيث أمر بوقف تدفق الإمدادات من الأدوية المنقذة للحياة التي تُستخدم لعلاج فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)، الملاريا، والسل، بالإضافة إلى إمدادات صحة الأم والطفل، وقد صرح أتول جواواندي، رئيس قسم الصحة العالمية السابق في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، قائلًا:
"إن هذا أمر كارثى، فالإمدادات من الأدوية التي يتم التبرع بها تساعد في إبقاء عشرين مليون شخص مصابين بفيروس نقص المناعة البشرية على قيد الحياة، وهذا يتوقف اليوم."
هذا التصريح يسلط الضوء على حجم الأزمة الإنسانية التي قد تنجم عن قرار تجميد المساعدات، خاصة في ظل الاعتماد الكبير على الدعم الأمريكي في الدول الفقيرة.
تأثير القرار على الدول الفقيرة والمرضى
يعتبر القرار الأمريكي منع توريد الأدوية المنقذة للحياة بمثابة ضربة قاسية للدول التي تكافح الأمراض المعدية، ولا سيما في الدول ذات الدخل المنخفض. وفقًا لتقرير UNAIDS Global AIDS Update 2021، يعيش حوالي 38 مليون شخص حول العالم مع فيروس نقص المناعة البشرية، تتركز معظم الحالات في الدول الأفريقية جنوب الصحراء، حيث تُسجل نحو 25 مليون حالة.
ويُظهر تقرير منظمة الصحة العالمية للمطالِع حول الملاريا لعام 2021 أن هناك حوالي 241 مليون حالة ملاريا و627،000 وفاة سنويًا، معظمها في الدول الفقيرة في المناطق المدارية والاستوائية.
كما يشير تقرير Global Tuberculosis Report 2021 إلى تسجيل حوالي 10 مليون حالة سل سنويًا مع وفاة ما يقارب 1.4 مليون شخص.
وقف إمدادات الأدوية سيؤدي إلى انقطاع سلسة العلاج والوقاية، مما يزيد من احتمالية تفاقم الأوضاع الصحية وانتشار الأمراض، وأكد جواواندي أن الإخطارات التي تلقاها هو وشركاؤه تمنع توزيع هذه الأدوية حتى لو كانت متوفرة في المخزون، مما يعرض حياة ما يقارب 6.5 مليون طفل يتيم وضعيف مصاب بفيروس نقص المناعة البشرية في 23 دولة لخطر متزايد.
خلفية القرار وتأثيراته على المساعدات الخارجية
يأتي قرار ترامب ضمن سلسلة من الإجراءات التي تهدف إلى إعادة تقييم كفاءة برامج المساعدات الخارجية، وقد أُطلق هذا القرار في ظل محاولات لإعادة توجيه أولويات السياسة الخارجية الأمريكية.
و وفقًا لوكالة رويترز، تم إصدار مذكرات مماثلة لعدد من المقاولين والشركاء الذين يعملون مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، حيث تلقوا تعليمات بوقف العمل على الفور فيما يخص توريد الأدوية.
وقد أثّر هذا القرار بشكل مباشر على شراكات استراتيجية مع شركات كبرى التي تلعب دورًا مهمًا في توريد الأدوية لعلاج الأمراض المعدية حول العالم، ومن جهة أخرى، يُعتبر وقف هذه المساعدات جزءًا من سياسة أوسع لتجميد تمويل المساعدات الخارجية، في ظل ما يقارب 72 مليار دولار قدمتها الولايات المتحدة في عام 2023، وهو ما يمثل نصف إجمالي المساعدات الإنسانية العالمية.
ردود الفعل الدولية والإنسانية
لقد أدان العديد من المنظمات الدولية والجهات الإنسانية قرار ترامب، معتبرين إياه خطوة قد تؤدي إلى كارثة إنسانية في الدول الفقيرة، ويرى الخبراء أن منع توريد الأدوية سيزيد من خطر انتشار الأمراض، ليس فقط بين المرضى الحاليين، بل قد يؤدي أيضًا إلى انتقال العدوى إلى أفراد آخرين، مما يُضاعف من معاناة الأنظمة الصحية الضعيفة.
يُشير عدد من الخبراء إلى أن مثل هذا القرار قد يُضعف الجهود الدولية المبذولة لمكافحة الأمراض المعدية، ويؤدي إلى تراجع الإنجازات التي حققها المجتمع الدولي في خفض معدلات الوفيات والانتشار في السنوات الأخيرة.
و في الدول الأفريقية على وجه الخصوص، حيث يُعتبر الدعم الأمريكي أحد الركائز الأساسية في توفير العلاج والوقاية، سيُترجم هذا القرار إلى أزمة صحية قد تستمر لسنوات قادمة.
التحديات التي تواجه النظام الصحي العالمي
في ظل هذه التطورات، تواجه الدول الفقيرة تحديات كبيرة في تأمين الأدوية والمنشآت العلاجية اللازمة لمكافحة الأمراض الخطيرة، تشير الإحصائيات إلى أن معظم المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية والملاريا والسل يعتمدون بشكل كبير على الإمدادات الدوائية المقدمة من الجهات الدولية، والتي أصبحت الآن معرضة للخطر بسبب قرارات السياسة الخارجية المتقلبة.
إن التراجع في إمدادات الأدوية لا يعني فقط زيادة في حالات الإصابة والوفيات، بل يشكل أيضًا تهديدًا للاستقرار الصحي والاقتصادي في الدول التي تكافح بالفعل من أجل تحسين ظروفها المعيشية.
ومن هنا، يبرز دور المجتمع الدولي في العمل على إيجاد حلول بديلة لتأمين هذه الإمدادات الحيوية، سواء من خلال دعم مبادرات محلية أو تعزيز التعاون الدولي لتوفير بدائل للمساعدات الأمريكية المتوقفة.
0 تعليق