دمج الاقتصاد والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تماشيا مع ما يشهدة العالم من تغيرات تقنية وتكنولوجية دخلت على الاقتصاد الدولي وتعيد تشكيله فقد اصبح لزاما على الحكومات والشركات التكيف مع هذه التغيرات بتبني هذه النظم الحديثة لتطوير القطاعات المختلفه لضمان نجاح الاعمال واستدامتها. فالاقتصاد والتكنولوجيا مجالان مترابطان يقومان على استخدام التقنيات الحديثة في الاقتصاد واصبحت هذه التقنيات أمرا حتميا يجب التعامل معه، كما برز دور الاقتصاد الحديث فى عملية صنع القرار الصحيح ورسم الأولويات، وأصبح لمسألة صناعة السياسات الاقتصادية دور مهم فى تحقيق التنمية بمختلف المجالات. اضافة اعلان
يعد دمج الاقتصاد في التكنولوجيا " الاقتصاد الرقمي او التحول الرقمي" احد اهم اوجه التغيرات العالمية حيث يمثل التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي محركين رئيسيين للنمو والتطور في الاقتصاد الرقمي ويتم الاعتماد عليهما بشكل كبير لتحقيق النتائج المرجوة. ويعرف التحول الرقمي بأنه عملية تحول الأعمال والعمليات من الشكل التقليدي إلى الشكل الرقمي، باستخدام التكنولوجيا الرقمية. فالتحول الرقمي (Digital Transformation) هو عملية تكامل التقنيات الرقمية في جميع جوانب الشركة أو المجتمع، مما يؤدي إلى تغيير جذري في نمط العمل وتحسين تجربة العملاء وخلق فرص مبتكرة. في حين يشار الى الاقتصاد الرقمي بأنه عملية تتيح تحسين الكفاءة والاداء والإنتاجية وتوسيع الاسواق والابتكار وتغيير نماذج العمل من خلال استخدام الأدوات التكنولوجية الحديثة في تحليل البيانات وتطوير الاعمال. فكلا الجانبين يسعيان الى تحسين الاداء وتحقيق الانجازات ورفع معدلات النمو. ومن المتوقع أن يستمر التحول الرقمي في تشكيل مستقبل الاقتصاد العالمي مع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا في جميع القطاعات، مما سيساهم في تعزيز القدرة التنافسية وتحقيق النمو المستدام. ووفقا لتقرير صادر عن مؤشر S&P  500 يمكن أن يستمر النمو في تأثير شركات الذكاء الاصطناعي على الاقتصاد بنسبة 9 % للعام 2025 بينما اشار تقرير نشرته "Business Insider" حول اداء بورصة وول ستريت لشركات التكنولوجيا معتبرا ان الطفرة الهائلة التي تحققها أسهم هذه الشركات ستدعم الاقتصاد العالمي وتزيد من نسبة النمو الاقتصادي للدول بنسبة من 2 % إلى 2.5 %
إن عملية دمج التكنولوجيا الرقمية في العمليات الاقتصادية، سيغير كيفية عمل الشركات وتقديم الخدمات حيث يتضمن التحول الرقمي رقمنة البيانات وتحويل المعلومات إلى صيغ رقمية لتسهيل الوصول إليها ومعالجتها والأتمتة بحيث يتم استخدام البرمجيات والأنظمة لأتمتة العمليات التقليدية وتقليل التدخل البشري وتحليل البيانات والتفاعل الرقمي لتحسين العمل من خلال تقديم خدمات رقمية مثل التطبيقات والمواقع الإلكترونية والتحول الثقافي وتغيير الثقافة التنظيمية لتكون أكثر انفتاحًا على الابتكار والتكنولوجيا. بينما تشمل الجوانب الرئيسية للتحول الرقمي للاقتصاد استخدام الذكاء الاصطناعي وتوظيفه لصالح انجاز الاعمال.
وبلا شك يسهم التحول الرقمي في تحسين الكفاءة والأداء وتحفيز النمو الاقتصادي وزيادة الانتاج وتخفيض التكاليف وتحسين التخطيط الاستراتيجي. ووفقا لتقرير صدر في عام 22 عن مؤسسة Goldman Sacks فمن المتوقع ان يساهم التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي في زيادة الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 2 % على مدى السنوات العشر المقبلة وذلك بتحفيز التجارة والاستثمار والتعاون الدولي وبحسب توقعات المنتدى الاقتصادي العالمي سيضيف التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي $18 تريليون إلى الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030. وتشير الدراسات إلى أن الخدمات المصرفية والتكنولوجيا العالمية والعلوم الحيوية ستكون من بين أكثر القطاعات استفادة من هذا التطور. ففي قطاع الخدمات المصرفية يُمكن للتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي أن يقدموا قيمة إضافية للاقتصاد بنحو 500-600 مليار دولار سنوياً، وفي قطاع البيع بالتجزئة والسلع يُمكن أن يصل التأثير إلى ما بين 650-750 مليار دولارً. اما فيما يتعلق بأسواق العمل العالمية فمن المتوقع أن يُتيح نمو إنتاجية العمالة بنسبة تتراوح بين 0.1 إلى 0.6 % سنوياً حتى عام 2040. وفي تحليل أجراه صندوق النقد الدولي حول تأثير التحول الرقمي على سوق العمل العالمي، تبين أن نحو 40 % من العمالة العالمية تتعرض للذكاء الاصطناعي بطريقة ما، ومن المتوقع أن يؤدي التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي إلى فقدان 90 مليون وظيفة مقابل توفير 100 مليون وظيفة جديدة مع نهاية 2027.  
وللتحول الرقمي فوائد عده تتمثل في زيادة الكفاءة وابتكار وسائل ومنتجات جديدة وتسهيل انجاز الاعمال وتعزيز القدرة على تحليل البيانات بشكل افضل. اما اهم مظاهر الدعم التكنولوجي للاقتصاد فتكمن في تطور الخدمات المالية الرقمية مثل الدفع الإلكتروني، البلوكتشين، والعملات الرقمية وإنترنت الأشياء وإعادة تصميم العمليات التجارية لتكون أكثر مرونة وفعالية. بالمقابل وبينما يقدم الاقتصاد التكنولوجي هذه الإيجابيات التي تسهم في تعظيم النمو، إلا أن هنالك تحديات تواجهه وتتطلب تعاونًا دوليا وتخطيطًا استراتيجيًا واستجابة فعالة من الحكومات والشركات والمجتمع لدراستها لضمان تحقيق فوائد مستدامة. ويجب على الدول وضع استراتيجيات مدروسة للتغلب على هذه التحديات وتعزيز الفوائد المحتملة من دمج الاقتصاد بالتكنولوجيا. وكذلك يجب على القطاع الخاص اخذ المبادرات الجريئة للمضي في عمليات التحول الرقمي ودعم الجهود الحكومية. أما هذه التحديات فتشمل التغيير التنظيمي والفجوة الرقمية بين الناس ونقص البنية التحتية والتكاليف المالية والقدرة على التكامل مع الأنظمة الحالية وتغيرات السوق التي تتطلب الاستثمار المستمر في التحديث للحفاظ على تنافسيتها، ونقص المهارات والحاجة إلى تدريب الموظفين من خلال توفير منصات تعليمية إلكترونية لتطوير المهارات التقنية والاقتصادية. وتعد مقاومة التغيير بسبب الخوف من فقدان الوظائف وزيادة المخاطر المرتبطة بالبيانات والتكنولوجيا وعدم وضوح الاستراتيجية وتهديدات الأمن السيبراني وتزايد امكانية تعرض الأفراد وبياناتهم الشخصية والشركات لمخاطر الاختراقات الأمنية من اكبر التحديات التي تواجه التحول الرقمي وتشكل تهديدًا كبيرًا للبيانات الحساسة والمعاملات المالية. أما الامتثال القانوني والتكيف مع مجموعة متنوعة من القوانين والتشريعات المتعلقة بالبيانات والخصوصية في دول مختلفة فيعتبر تحديا جوهريا ايضا. واخيرا فإن التأثيرات البيئية الناجمة عن زيادة الإنتاج واستخدام الأجهزة التكنولوجية ستسهم في تزايد النفايات الإلكترونية مما يشكل تحديًا بيئيًا كبيرا.
في الختام نستشرف مستقبلاً مشرقاً للأعمال حيث يتيح التحول الرقمي فرصاً للتطور والنمو. غير أن التحديات التي تواجهنا تتطلب تعاوناً متزايداً بين الشركات التقنية، وصناع القرار لتطوير سياسات وأنظمة تؤمن الاستخدام الفعال للتقنيات الجديدة. ويجب العمل على تقليل الفجوة المعرفية والتقنية بين مختلف شرائح المجتمع لضمان انتقال متكامل إلى الاقتصاد الرقمي. وينبغي على الاقتصادات النامية أن تعطي الأولوية لوضع أسس قويه لتحولها التكنولوجي من خلال الاستثمار في البنية التحتية الرقمية وتوافر الكفاءات، فهناك عدة دول نجحت في دمج الاقتصاد بالتكنولوجيا مثل إستونيا، سنغافورة، كوريا الجنوبية، اميركا، هولندا، الإمارات العربية المتحدة، فنلندا والصين وكانت نتائج هذا الاندماج إيجابية على اقتصادياتها، وساهمت الابتكارات التكنولوجية فيها بتحسين الخدمات وزيادة الكفاءة الاقتصادية ورفع معدلات النمو فيجب ان نحذو حذوها.
محليا، نرى أن الأردن قطع شوطاً كبيراً فى جاهزيته للاستفادة من التحول الرقمي واستخدام الذكاء الاصطناعى لتعزيز الاقتصاد الرقمى من خلال تطوير وحماية البنية التحتية، ووضع إستراتيجية وطنية لتشجيع الذكاء الاصطناعى والتحول الرقمى الداعم للاقتصاد، وتم مؤخرا تشكيل مجلس تكنولوجيا المستقبل بمتابعة مباشرة من سمو ولي العهد كإشارة واضحة للاهتمام الملكي بتطوير الاقتصاد الرقمي في الأردن ووضعه في المقدمة وتهيئة الدولة لاستيعاب متطلبات التحول الرقمي للاقتصاد بشكل فعال لدعم مرتكزات خطة التحديث الاقتصادي لذا، من الواجب على كافة الجهات أن تتعاون للاستفادة من إمكانيات التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، والعمل على حل التحديات التي قد تعيق المضي نحو مستقبل يغمره التقدم التقني، النمو الاقتصادي والشمولية الرقمية لأن التكيف الناجح مع هذه التغييرات سيحدد مكانتنا في النظام المالي الجديد. في النهايه، التحول الرقمي ليس خيارًا بل ضرورة في عصر الثورة الصناعية الرابعة ونجاحه يتطلب توازنًا بين التكنولوجيا والاستثمار في البشر.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق