أبقى مع ترامب وأكتب عنه للأسبوع الثاني على التوالي. فالرئيس الأمريكي الجديد يتحرك سريعاً، ويصرح هنا وهناك ويقترح حلولاً غير مجدية أحياناً لقضايا معقدة؛ مما يثير القلق في الأوساط العربية. فالرجل الذي كتب عنه قبل أيام الصحفي السعودي المخضرم عبدالرحمن الراشد في جريدة الشرق الأوسط أنه " سيكون لاعباً إيجابياً وفق برنامجه المعلن. عنده الرغبة في تحقيق سلام فلسطيني عربي إسرائيلي." وهو انطباع تبلور عند الكاتب بعد أن تابع ترامب لأربع سنوات سابقة أظهر فيها قرباً للسعودية ولدول الخليج، يفاجئ الجميع ويصرح ويكرر غبته في نقل الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن بمعنى تهجيرهم وإبعادهم عن أرضهم..!
هذا الاقتراح لاقى موجة من الرفض آخرها رفض وزراء خارجية خمس دول عربية وهي مصر والسعودية وقطر والإمارات والأردن اجتمعوا في القاهرة في الأول من فبراير وأعلنوا رفضهم تهجير الفلسطينيين من أرضهم أو التشجيع على نقلهم. والرفض مبدأ تتمسك به جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي أيضاً وبإصرار ويأتي بعد أن عانى ملايين الفلسطينيين قبل ذلك من الطرد والتهجير والاستحواذ على ممتلكاتهم وأراضيهم ورفض حقهم في العودة وهو ما يعتبر كارثة إنسانية لا يمكن الاستيعاب أنها ستتكرر مرة أخرى.
ومقترح ترامب حول الفلسطينيين يأتي من ضمن مشروع أكبر هدفه اقتصادي في المقام الأول والاقتصاد هو أكثر ما يهم رجل الأعمال الذي وصل للرئاسة مؤخراً. فترامب يريد أن يحقق سلاماً سريعاً في المنطقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين الأمر الذي قد يقنع دول أوبك بشكل أكبر لخفض سعر النفط وزيادة الإنتاج فيؤثر ذلك إيجاباً على اقتصاد بلده. فالرجل يهدف إلى خفض الفائدة (التي بقيت مكانها دون نزول حسب آخر اجتماع للفيدرالي الأمريكي) وبذلك ينتعش الاقتراض وتدور عجلة الاقتصاد الأمريكي. والأكيد أنه لن يتم ذلك إلا بانخفاض أسعار النفط.
ومن خلال نظرته للعالم كرجل أعمال في المقام الأول وصاحب كتاب The Art of the Deal أي فن الصفقات الذي أصدره في 1987 فإنه يرى أن أسوأ ما يعيق النجاح الاقتصادي هو الحروب والأزمات، والتي تلقي بظلالها على النمو، وتجعل الأسواق غير مستقرة لذلك يسعى حالياً لعقد صفقة سريعة - بطريقة رجال الأعمال - تريح الإسرائيليين من الفلسطينيين، وتعطي للفلسطينيين أراضي جديدة وأوسع أو هكذا يظن. لكن رجل الأعمال هذه المرة نسي السياسة والتاريخ وتجاهل أن الفلسطينيين ومعهم العرب متمسكون بفلسطين أرضاً للفلسطينيين، ولا يرغبون في أراضٍ أخرى غير أرضهم وبدلاً من أن يكون مقترحه حلاً يسهم في تحسين اقتصاد بلده على المدى القصير، قد يتحول إلى أزمة كبيرة تستمرّ طويلاً إذا تم الأخذ به.
0 تعليق