في عالم يزداد ارتباطه بالقصص والحكايات، نجد أن الدراما لم تعد مجرد أداة للترفيه أو التعبير الفني، بل أصبحت شريكاً استراتيجياً في بناء الاقتصاد والسياحة لدول العالم، ربما يكون خبر المسلسل الأمريكي The White Lotus الذي قاد طفرة سياحية غير مسبوقة في تايلاند أحد الأمثلة الأكثر إقناعاً على هذه الحقيقة.
حيث كشفت وكالة بلومبيرغ أن الحجوزات لتايلاند زادت بنسبة 312% خلال يناير 2025 مقارنة بالعام السابق، وكل ذلك بفضل ظهور الجزء الثالث من المسلسل الذي تم تصويره في المنتجعات الفاخرة لج زيرة كوه ساموي.
لكن هذا ليس سوى جزء من الصورة الأكبر. فقبل تايلاند، كانت تركيا واحدة من الدول التي استغلت الدراما كأداة قوية لتعزيز صورتها العالمية وجذب السياح.
مسلسلات مثل Magnificent Century وDirilis Ertusrul لم تكن مجرد أعمال درامية ناجحة، بل كانت بوابات لتعريف العالم بتاريخ تركيا وثقافتها الغنية. وقد أثبتت التجربة أن المشاهد لا يكتفي فقط بمتابعة القصة، بل يتوق إلى زيارة أماكنها واستكشاف حضاراتها.
اليوم، المملكة العربية السعودية تسير على نفس النهج، لكن بطريقتها الخاصة. عبر ذراعها الإعلامية BMC، بدأت المملكة في تقديم محتوى سعودي الصبغة يتم عرضه على منصة «شاهد»، ليصبح هذا المحتوى جسراً بين الثقافة المحلية والسياحة العالمية.
الأعمال السعودية الحديثة لم تقتصر على تقديم قصص ممتعة، بل ركزت أيضاً على تعزيز الدور السياحي للمملكة من خلال تسليط الضوء على معالمها الطبيعية والحضارية، مثل العلا وأبحر البحر الأحمر وموسم الرياض، بالإضافة إلى البرامج السياحية الكلاسيكية والحديثة.
والأهم من ذلك، أنها استخدمت الدراما كوسيلة لنشر الوعي حول القوانين والأنظمة الجديدة التي تهدف إلى تحسين الحياة الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع السعودي.
إذا نظرنا إلى البحرين، فإننا نجد تاريخاً غنياً من الدراما المحلية التي عكست الهوية الوطنية البسيطة والإنسانية، مثل ملفى الأياويد والبيت العود. هذه الأعمال تركت بصمة كبيرة في وعي الجمهور المحلي والخليجي، لكنها الآن تحتاج إلى خطوة جديدة نحو العالمية.
فالبنية التحتية الحديثة، المشاريع التجارية العالمية، الأسواق الكلاسيكية والحديثة، وبرامج السياحة المتنوعة كلها عناصر تستحق أن تكون محوراً لقصص درامية ترويها الشاشات للعالم.
فالأسواق البحرينية التي تجمع بين الأصالة والتطور، والمشاريع الكبرى مثل مشروع البحرين باي وحلبة البحرين الدولية والمشاريع المحيطة بها، كلها بحاجة لأن تكون محط أنظار جمهور واسع.
اليوم، البحرين أمام فرصة ذهبية لاستخدام الدراما كأداة تسويقية لتعزيز السياحة والاقتصاد في المملكة. يمكن للإعلام المحلي أن يخلق محتوى درامياً يعكس هذه الإنجازات المدهشة، ويعزز من مكانة البحرين على الساحة العالمية. فالمشاريع السياحية مثل متحف البحرين الوطني، منتجع البحرين، والمهرجانات السنوية مثل مهرجان البحرين الدولي، تعد من القطاعات الواعدة التي يمكن إبرازها بشكل درامي، لتكون في صدارة اهتمامات السياح.
في الوقت ذاته، لا يمكننا إغفال دور الإعلام في تغيير الصور النمطية والمساهمة في تعزيز فهم المجتمع لجوانب جديدة من الواقع. فاستثمار البحرين في صناعة دراما تدور حول التقدم الحضاري، والمشاريع الحديثة، والثقافة المترابطة مع تاريخها العريق، سيعزز من مكانتها بين الدول التي نجحت في هذا المجال، وسيكون له الأثر العميق على رفع مستوى الوعي المحلي والدولي.
إن أهمية استخدام الدراما كأداة للترويج للسياحة والاقتصاد في البحرين قد أصبحت اليوم أكثر إلحاحاً. إذا كانت تايلاند قد استفادت من الأعمال الدرامية لرفع مستوى سياحتها، وحققت تركيا قفزات هائلة في جذب السياح بفضل مسلسلاتها التاريخية، فإن البحرين تحتاج إلى استثمار هذا القطاع الإعلامي بشكل يتوازى مع تطورها المتسارع. والأهم من ذلك، فإن القطاعين السياحي والاقتصادي في البحرين في صعود مميز، لكنه يحتاج إلى دعم وتحفيز قوي ليصبح من أهم روافد الاقتصاد الوطني.
في هذه المرحلة، لابد أن يتحرك الإعلام البحريني بثقة نحو تعزيز الهوية السياحية للبلاد من خلال إنتاجات درامية تحمل رسالة واضحة تبرز جمال البحرين وأصالتها وتطورها. فإذا كانت السعودية قد بدأت في صناعة دراما محلية تعزز من سياحتها، والعديد من الدول الأخرى قد استفادت من هذه الصناعة، فإن البحرين اليوم بحاجة إلى أن تفتح أفقاً جديداً لتسويق ثقافتها وتاريخها، وتحقيق نقلة نوعية في هذا القطاع، لتكون أكثر حضوراً في الساحة العالمية.
0 تعليق