عمان- في الجلسات العائلية، يكون الحنين طاغيا بالعود إلى الذكريات الراسخة بالقلب؛ رحلات الأسرة الممتدة، لعب الحارة، وسهرات الصيف التي لا يمل من عاشها من استرجاع تفاصيلها في كل حين. لكن كل ذلك قد يبدو غريبا اليوم عن أجيال أسيرة التكنولوجيا والعالم الافتراضي، حيث يرى بعض الأهالي أن "أبناءهم يفتقرون للذكريات الاجتماعية.. وأغنياء بمفاهيم رقمية تتبدل مع كل تسارع تكنولوجي".اضافة اعلان
قبل عقود، كانت الحياة أكثر بساطة وقربا من الواقع، تجمع الناس بمناسباتهم الاجتماعية وتفاصيل أيامهم التي لا تخلو من البساطة والعفوية. كانت المتعة تكمن في رحلة عائلية، سهرة ممتعة، عرس بطابع تراثي، أو ليلة في بيت الأجداد؛ لحظات شكلت ذاكرة الأجيال السابقة، وما تزال حاضرة حتى اليوم.
في المقابل، ظهرت أجيال تفتقد تلك التفاصيل، ويرى هشام حمود أن "فقر الذكريات الطفولية" بفعل التسارع التكنولوجي الذي اجتاح الحياة، إلى جانب تأثير جائحة كورونا، التي ما تزال تلقي بظلالها على الأجيال حتى اليوم، بعد أن اعتادوا العزلة والاعتماد على العالم الافتراضي.
هشام يرى أن هذا التأثير السلبي لم يقتصر على الأبناء فحسب، بل طال الكبار أيضا، إذ لم يعد لدى الوالدين الوقت الكافي لمشاركة أطفالهم جلساتهم وأحاديثهم ورحلاتهم العائلية كما في السابق، مما يقلل من اللحظات التي يمكن أن تشكل ذكريات مشتركة تدوم بين الأهل وأبنائهم.
غزل، (15 عاما)، تستذكر العديد من المواقف الجميلة مع والديها وإخوتها، لكنها ترى أن اللحظات التي تحتفظ بها كذكريات مع أقربائها قليلة. فبحكم أنها تعيش في مدينة بعيدة عن عائلتها الممتدة، واقتصار زياراتهم على أيام معدودة بسبب طبيعة عمل والديها، تظل اللقاءات محصورة وتقتصر على الأعياد والمناسبات.
أما كندا فؤاد، (16 عاما)، فتجد أن قضاء وقت طويل ضمن دائرتها الضيقة، سواء عبر التواصل الإلكتروني مع صديقاتها أو خلال ساعات الدوام المدرسي، يغنيها عن بعض الزيارات العائلية، ما يجعلها أقل رغبة في البحث عن أنشطة أخرى أو المشاركة في المناسبات العائلية.
دراسة جديدة، قام بها فريق بحثي من جامعة نيو فوند لاند، تشير إلى أن "احتمالية أن يبدأ الطفل في التذكر بداية من عمر عامين ونصف، ومرتبطة بمجموعة أشياء وجوانب حيوية أخرى تعزز من قوتها، مثل تسجيلها عن طريق الصور أو الفيديوهات، والاحتفاظ بالأشياء المتعلقة بها من ملابس وألعاب على سبيل المثال، وكذلك الحكايات وتقاطع أحداثها مع أشخاص آخرين.
من جهتها، توضح اختصاصية الإرشاد النفسي والتربوي الدكتورة سعاد غيث، أن هناك حالة من "الوحدة الاختيارية" التي أصبحت شائعة بين الأطفال والمراهقين، حيث الاندماج مع أجهزتهم الذكية، والتفاعل مع الآخرين عن بعد. وترى غيث أن قلة مخزون الذكريات لدى الأطفال مقارنة بالأجيال السابقة التي عاشت قبل الطفرة التكنولوجية، ليست مسؤولية الطفل وحده، بل هي مهمة تقع على عاتق أولياء الأمور.
وتشير إلى أن مفهوم "الوالدية الرقمية" أصبح اليوم محوريا، إذ يتعلق بكيفية إدارة الأهل للعالم الرقمي الذي يعيش فيه أبناؤهم، بحيث يحققون توازنا بين الحياة الافتراضية والتفاعل الاجتماعي الواقعي. وتؤكد أن من أبرز مسؤوليات الوالدين هو ضمان هذا التوازن، من خلال تعزيز التواصل، تخصيص أوقات خالية من الشاشات، وإيجاد مساحات حقيقية للتواصل بعيدا عن العالم الرقمي.
ترى غيث أن المشكلة تكمن أحيانا في غياب الوعي الكافي لدى الأهل حول كيفية إدارة العالم الرقمي لأطفالهم، مما يدفعهم إلى تركهم دون توجيه واضح. وتشدد على أن الأبناء اليوم بحاجة إلى إرشاد وتوعية وتنظيم في طريقة استخدامهم للتكنولوجيا، من خلال تقليل الأوقات واختيار المحتوى المناسب، بدلا من الانغماس الدائم بهذا العالم.
ووفق قولها فإن هذا الغياب قد يكون أحد الأسباب التي جعلت مخزون الذكريات لدى الأطفال محدودا. فلم يعد تجمع العائلة كما كان في السابق، أمراً منتشرا؛ وتضاءلت اللقاءات في بيت الجد، أو اقتصارها على مواسم محددة.
وتتفق مع ذلك هبة، وهي أم لخمسة أطفال، إذ تستعيد ذكريات طفولتها، خاصة خلال موسم قطف الزيتون، الذي كان يجمع العائلة الممتدة، كبارا وصغارا، في أجواء مليئة بالبهجة. بينما اليوم، تلاحظ أن تلك التفاصيل غابت بشكل كبير عن تفاصيل أبنائها.
وتضيف هبة أن العطلة الصيفية في السابق كانت تعني تبادل الزيارات والمبيت في منزل الجد أو الخالة أو العم، إلى جانب تنظيم رحلات عائلية ممتعة تجمع الجميع. والصور الفوتوغرافية التي ما تزال تحتفظ بها تشهد على تلك الأيام الجميلة والمفرحة، فالعديد من أبناء الأجيال السابقة يسترجعون ذكرياتهم بتلك الصور.
لا تنكر غيث أن الزمن قد تغير، مما جعل المهام الوالدية مختلفة نوعا ما عن الأجيال السابقة. فالأهل اليوم يواجهون أعباء إضافية وضغوطا أكبر بسبب متطلبات الحياة التي لا تنتهي، ما يؤدي إلى قضاء ساعات طويلة بعيدا عن أبنائهم. وهذا يتطلب منهم تخصيص وقت كاف لقضائه مع أطفالهم، إذ تصنع الذكريات من خلال هذه اللحظات المشتركة.
هذا الأمر لا يقتصر على الأبناء فقط، بل إن الأهل أنفسهم يفقدون الكثير من الذكريات مع أطفالهم بسبب قلة التفاعل الوجاهي وانشغالهم بالعالم الافتراضي. لذا، فإن الأنشطة المجتمعية والتفاعل مع العائلة الممتدة والأصدقاء ضروري للحفاظ على التوازن الاجتماعي والعاطفي، وتعزيز الصحة النفسية لأبناء العصر التكنولوجي.
وتنوه غيث إلى أنه من الصعب رفض الواقع الرقمي الذي أصبح جزءا أساسيا من الحياة. لكن الأهم هو أن تكييف الأساليب التربوية، بحيث نساعد الأطفال على بناء حياة اجتماعية صحية مليئة باللحظات الجميلة والذكريات التي تترسخ في أذهانهم.
وذلك يتطلب توفير بيئة تفاعلية تعزز الرفاه العقلي والعاطفي داخل الأسرة، من خلال الحوار، والأنشطة المشتركة داخل المنزل وخارجه، وإعادة إحياء الألعاب التقليدية التي ما تزال محفورة في ذاكرة الأجيال السابقة وتعزيز التواصل الاجتماعي مع الأهل والأصدقاء، بعيدا عن العزلة الرقمية.
قبل عقود، كانت الحياة أكثر بساطة وقربا من الواقع، تجمع الناس بمناسباتهم الاجتماعية وتفاصيل أيامهم التي لا تخلو من البساطة والعفوية. كانت المتعة تكمن في رحلة عائلية، سهرة ممتعة، عرس بطابع تراثي، أو ليلة في بيت الأجداد؛ لحظات شكلت ذاكرة الأجيال السابقة، وما تزال حاضرة حتى اليوم.
في المقابل، ظهرت أجيال تفتقد تلك التفاصيل، ويرى هشام حمود أن "فقر الذكريات الطفولية" بفعل التسارع التكنولوجي الذي اجتاح الحياة، إلى جانب تأثير جائحة كورونا، التي ما تزال تلقي بظلالها على الأجيال حتى اليوم، بعد أن اعتادوا العزلة والاعتماد على العالم الافتراضي.
هشام يرى أن هذا التأثير السلبي لم يقتصر على الأبناء فحسب، بل طال الكبار أيضا، إذ لم يعد لدى الوالدين الوقت الكافي لمشاركة أطفالهم جلساتهم وأحاديثهم ورحلاتهم العائلية كما في السابق، مما يقلل من اللحظات التي يمكن أن تشكل ذكريات مشتركة تدوم بين الأهل وأبنائهم.
غزل، (15 عاما)، تستذكر العديد من المواقف الجميلة مع والديها وإخوتها، لكنها ترى أن اللحظات التي تحتفظ بها كذكريات مع أقربائها قليلة. فبحكم أنها تعيش في مدينة بعيدة عن عائلتها الممتدة، واقتصار زياراتهم على أيام معدودة بسبب طبيعة عمل والديها، تظل اللقاءات محصورة وتقتصر على الأعياد والمناسبات.
أما كندا فؤاد، (16 عاما)، فتجد أن قضاء وقت طويل ضمن دائرتها الضيقة، سواء عبر التواصل الإلكتروني مع صديقاتها أو خلال ساعات الدوام المدرسي، يغنيها عن بعض الزيارات العائلية، ما يجعلها أقل رغبة في البحث عن أنشطة أخرى أو المشاركة في المناسبات العائلية.
دراسة جديدة، قام بها فريق بحثي من جامعة نيو فوند لاند، تشير إلى أن "احتمالية أن يبدأ الطفل في التذكر بداية من عمر عامين ونصف، ومرتبطة بمجموعة أشياء وجوانب حيوية أخرى تعزز من قوتها، مثل تسجيلها عن طريق الصور أو الفيديوهات، والاحتفاظ بالأشياء المتعلقة بها من ملابس وألعاب على سبيل المثال، وكذلك الحكايات وتقاطع أحداثها مع أشخاص آخرين.
من جهتها، توضح اختصاصية الإرشاد النفسي والتربوي الدكتورة سعاد غيث، أن هناك حالة من "الوحدة الاختيارية" التي أصبحت شائعة بين الأطفال والمراهقين، حيث الاندماج مع أجهزتهم الذكية، والتفاعل مع الآخرين عن بعد. وترى غيث أن قلة مخزون الذكريات لدى الأطفال مقارنة بالأجيال السابقة التي عاشت قبل الطفرة التكنولوجية، ليست مسؤولية الطفل وحده، بل هي مهمة تقع على عاتق أولياء الأمور.
وتشير إلى أن مفهوم "الوالدية الرقمية" أصبح اليوم محوريا، إذ يتعلق بكيفية إدارة الأهل للعالم الرقمي الذي يعيش فيه أبناؤهم، بحيث يحققون توازنا بين الحياة الافتراضية والتفاعل الاجتماعي الواقعي. وتؤكد أن من أبرز مسؤوليات الوالدين هو ضمان هذا التوازن، من خلال تعزيز التواصل، تخصيص أوقات خالية من الشاشات، وإيجاد مساحات حقيقية للتواصل بعيدا عن العالم الرقمي.
ترى غيث أن المشكلة تكمن أحيانا في غياب الوعي الكافي لدى الأهل حول كيفية إدارة العالم الرقمي لأطفالهم، مما يدفعهم إلى تركهم دون توجيه واضح. وتشدد على أن الأبناء اليوم بحاجة إلى إرشاد وتوعية وتنظيم في طريقة استخدامهم للتكنولوجيا، من خلال تقليل الأوقات واختيار المحتوى المناسب، بدلا من الانغماس الدائم بهذا العالم.
ووفق قولها فإن هذا الغياب قد يكون أحد الأسباب التي جعلت مخزون الذكريات لدى الأطفال محدودا. فلم يعد تجمع العائلة كما كان في السابق، أمراً منتشرا؛ وتضاءلت اللقاءات في بيت الجد، أو اقتصارها على مواسم محددة.
وتتفق مع ذلك هبة، وهي أم لخمسة أطفال، إذ تستعيد ذكريات طفولتها، خاصة خلال موسم قطف الزيتون، الذي كان يجمع العائلة الممتدة، كبارا وصغارا، في أجواء مليئة بالبهجة. بينما اليوم، تلاحظ أن تلك التفاصيل غابت بشكل كبير عن تفاصيل أبنائها.
وتضيف هبة أن العطلة الصيفية في السابق كانت تعني تبادل الزيارات والمبيت في منزل الجد أو الخالة أو العم، إلى جانب تنظيم رحلات عائلية ممتعة تجمع الجميع. والصور الفوتوغرافية التي ما تزال تحتفظ بها تشهد على تلك الأيام الجميلة والمفرحة، فالعديد من أبناء الأجيال السابقة يسترجعون ذكرياتهم بتلك الصور.
لا تنكر غيث أن الزمن قد تغير، مما جعل المهام الوالدية مختلفة نوعا ما عن الأجيال السابقة. فالأهل اليوم يواجهون أعباء إضافية وضغوطا أكبر بسبب متطلبات الحياة التي لا تنتهي، ما يؤدي إلى قضاء ساعات طويلة بعيدا عن أبنائهم. وهذا يتطلب منهم تخصيص وقت كاف لقضائه مع أطفالهم، إذ تصنع الذكريات من خلال هذه اللحظات المشتركة.
هذا الأمر لا يقتصر على الأبناء فقط، بل إن الأهل أنفسهم يفقدون الكثير من الذكريات مع أطفالهم بسبب قلة التفاعل الوجاهي وانشغالهم بالعالم الافتراضي. لذا، فإن الأنشطة المجتمعية والتفاعل مع العائلة الممتدة والأصدقاء ضروري للحفاظ على التوازن الاجتماعي والعاطفي، وتعزيز الصحة النفسية لأبناء العصر التكنولوجي.
وتنوه غيث إلى أنه من الصعب رفض الواقع الرقمي الذي أصبح جزءا أساسيا من الحياة. لكن الأهم هو أن تكييف الأساليب التربوية، بحيث نساعد الأطفال على بناء حياة اجتماعية صحية مليئة باللحظات الجميلة والذكريات التي تترسخ في أذهانهم.
وذلك يتطلب توفير بيئة تفاعلية تعزز الرفاه العقلي والعاطفي داخل الأسرة، من خلال الحوار، والأنشطة المشتركة داخل المنزل وخارجه، وإعادة إحياء الألعاب التقليدية التي ما تزال محفورة في ذاكرة الأجيال السابقة وتعزيز التواصل الاجتماعي مع الأهل والأصدقاء، بعيدا عن العزلة الرقمية.
0 تعليق