دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- أحرز العلماء تقدمًا كبيرًا في فهم نمط وبنية الاضطراب، وهي ظاهرة طبيعية تُلاحظ في السوائل مثل المياه المتحركة، وتيارات المحيطات، والتفاعلات الكيميائية، وتدفق الدم، وأعمدة الدخان، وحتى بلازما النجوم.
وبينما يكون الجريان المضطرب فوضويًا وغير منتظم، حيث تؤدي حركة السائل إلى تكوّن دوّامات كبيرة تتكسّر إلى دوّامات أصغر، حاول الفيزيائيون منذ زمن طويل دراسة هذه العملية ونمذجتها بواسطة المعادلات الرياضية، وأجهزة الحاسوب.
لكن، حتى مع وجود الحواسيب الفائقة الحديثة، لا تزال المحاكاة المباشرة والدقيقة لمعظم التدفقات المضطربة، باستثناء البسيطة منها، بعيدة المنال، ولم يتمكّن الباحثون من الوصول إلى فهم كامل للاضطراب منذ حوالي 200 عام.
والآن، ابتكر فريق دولي من العلماء نهجًا جديدًا لمحاكاة الاضطراب، يستند إلى طريقة مستوحاة من الحوسبة الكمومية، وذلك وفق دراسة نُشرت في دورية Science Advances.
وأوضح المؤلّف الرئيسي للدراسة، نيك غوريانوف، وهو باحث بقسم الفيزياء في جامعة أكسفورد، أنّ القدرة على نمذجة الظاهرة والتنبؤ بها بدقة، قد يكون لها العديد من التطبيقات العملية في العلوم والهندسة، ما قد يؤدي إلى تحسين تصميم الطائرات، والسيارات، والمراوح، والقوالب الاصطناعية، إضافة إلى جعل التنبؤات الجوية أكثر دقة.
وأضاف غوريانوف: "كانت ولا تزال الاضطرابات مشكلة غير محلولة، بمعنى أننا لا نستطيع محاكاة التدفقات الواقعية بدقة على أجهزة الحاسوب، أي أننا ما زلنا بحاجة إلى نفق هوائي لتصميم جناح الطائرة. لكن التقدم الذي حقّقناه يُساهم في حل المشكلة ويدفع الحدود إلى الأمام".
ويعالج الحاسوب الكمّي المعلومات بطريقة مختلفة جذريًا عن الحواسيب التقليدية. فالأخيرة تستخدم وحدات "البت" (Bit) لإجراء العمليات الحسابية، حيث تكون البيانات في حالة واحدة فقط في كل مرة، إما 1 أو 0.
أما الحاسوب الكمّي، فيستخدم وحدات "بت كمّومي" (أو "الكيوبت" Qbit)، التي يمكن أن تكون 0 أو 1 أو أي مزيج من الاثنين معًا. واستخدم مؤلفو الدراسة أداة رياضية تُعرف بشبكات الموتر، التي يمكن استخدامها لمحاكاة نظام كمّي.
وقال جيمس بيتي، باحث ما بعد الدكتوراه وزميل بقسم العلوم الفلكية في جامعة برينستون بولاية نيوجيرسي، غير المشارك في الدراسة، إن الفريق تمكّن من تسريع الحسابات المعقّدة اللازمة لبدء فهم الاضطراب من خلال تمثيل البيانات التي تحتوي على العديد من المتغيرات بطريقة أبسط.
وأضاف بيتي: "المحاكاة التي يقومون بها هي محاكاة سائلة لمزيج من مادتين كيميائيتين تتفاعلان معًا. من خلال استخدام هذا التمثيل، يمكن إجراء هذه الحسابات المعقّدة باستخدام ذاكرة أقل بكثير، ما يسمح بتشغيلها على جهاز حاسوب محمول".
وتابع قائلًا: "رؤية تطورات مثل هذه (تحسين استخدام الذاكرة بمليون مرة وزيادة سرعة العمليات الحسابية بألف مرة) أمر نادر، ما يجعل هذا تقدمًا مثيرًا في نمذجة الاضطراب".
وفي حين أن الدراسة الأخيرة تُمثل "تقدمًا مذهلا"، إلا أنها ليست القصة الكاملة، بحسب بيتي، مشيرًا إلى أنها لا تتناول قضايا النطاق، أو كيفية ارتباط الدوّامات المضطربة ذات الأحجام المختلفة ببعضها.
وقال لـCNN: "الاضطراب يعد مشكلة متعددة المقاييس، أي أنّ الاضطراب يمكن أن يمتد من آلاف السنين الضوئية إلى أقل من 30 سنتيمترًا". وأضاف: "نريد أن نعرف كيف تتفاعل هذه المقاييس مع بعضها".
ولفت إلى أنه "جانب يجعل محاكاة السوائل المضطربة تحديًا كبيرًا، حيث يريد الفزيائيون تمثيل العديد والعديد من المقاييس في المحاكاة، ما يتطلّب قدرًا هائلًا من الذاكرة والقدرة الحاسوبية، وهذا يعني الحاجة إلى تشغيل هذه المحاكاة على حواسيب فائقة ضخمة".
وأشار يونغ شيانغ هوانغ، الباحث والأستاذ المساعد في مختبر الدولة الرئيسي لعلوم البيئة البحرية وكلية علوم المحيطات والأرض في جامعة شيامن بجنوب شرق الصين، غير المشارك في الدراسة، إلى أن غورياونوف وفريقه ابتكروا طريقة جديدة تقلل بشكل كبير من استخدام الذاكرة وتعقيد العمليات الحسابية.
ومع ذلك، وافق على أن الدراسة لا تقدّم صورة كاملة، موضحًا أن ذلك يعد صعبًا للغاية بسبب النطاق الواسع من المقاييس المتداخلة.
وقد وُصِف الاضطراب بأنه أقدم مشكلة لم تُحَل في الفيزياء.
وأشار غوريانوف إلى أنّ الميزة الحسابية للتقنية الجديدة التي كشفت عنها الدراسة، تفتح مجالات جديدة لم تكن متاحة من قبل في مجال فيزياء الاضطرابات للتحقيق العلمي، رغم أن النتائج لا تعني حقًا أن لغز الاضطرابات قد كُشف.
ولفت إلى أنّ ذلك يتطلّب خوارزميات أو أجهزة حاسوبية جديدة مقارنة بما هو متاح الآن.
وخلص غوريانوف إلى أنّ "العديد من العلماء (الموهوبين بشكل استثنائي) قد نظروا في هذه المشكلة، لكننا ما زلنا بعيدين عن حلها".
0 تعليق