سائق شاحنة متهور بلا مكابح

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يبدو أن العالم اليوم يواجه معطيات سياسية غير مسبوقة في التاريخ الحديث، أو على الأقل في المساحة الزمنية التي جاءت بعد الحرب العالمية الثانية، وما تلاها من وضع القوانين الدولية التي تحمي الحقوق والحريات وتراقب العدالة، حيث كان العالم أجمع يضع معايير للإنسانية والقيم والعدالة يحاول أو "يدعي في بعض الأحيان" أنه يطبقها.

لكن اليوم المشهد "الترامبي" يوحي بأن هناك شاحنة مسرعة على طريق مزدحم يقودها سائق متهور بدون مكابح، ويتعمد هذا السائق الاصطدام في كل لحظة بسيارات تسير في نفس الطريق معه، دون احترام لقواعد المرور أو لنتائج هذه القيادة المتهورة، سواء على شركاء الطريق أو على من معه في تلك الشاحنة.

بل ذكرتني أحلامه تلك بتهجير أهل فلسطين العربية من أرضهم وتحويلها إلى منتجعات سياحية، بما تحدثت عنه في مقالات سابقة عن سيطرة بعض الأشخاص على مصائر سكان الكمبوندات، والتهديدات غير المنطقية لهم بدفع رسوم الخدمات المبالغ فيها أو الطرد من ممتلكاتهم ومن ثم الاستيلاء عليها.

ورغم وجود اختلافات بين شخصية سائق الشاحنة "المتهور" وشخصية صاحب السلطة في المجتمعات العقارية "المتسلط"، إلا أن السيد ترامب يجمع الاثنين في خلطة عجيبة لم يسبقه إليها أحد من قبل، سوى في أيام الحروب التي تقضي على الأخضر واليابس وتبيد شعوباً، إلا أنه يقترب أكثر من شخصية "المطور العقاري" عندما يتحدث عن غزة.

حتى أن نتنياهو - المطلوب للعدالة الجنائية الدولية - لم يكن مقتنعاً خلال المؤتمر الصحفي الذي جمعه بالسيد ترامب، بما يقوله ويفعله معه، وبدا وكأنه يتساءل.. هل هذا الشخص عاقل فعلاً؟.. فلقد تحدى السيد ترامب القانون الدولي بدعوته لي، وذهب إلى أبعد من ذلك لإرضائي، فهل هذه أحلام أم حقيقة؟

ولم يقتصر الأمر على نتنياهو، ولكن المحللين والمراقبين في إسرائيل أيضاً بدؤوا في البحث عن تفسيرات "منطقية" لما يفعله السيد ترامب، حيث نشر الكاتب الإسرائيلي أورييل داسكال مقالاً بموقع "واللاه" العبري، أكد فيه أن السيد ترامب يفتعل قرارات غريبة بهدف تحويل الأنظار عن ما يحدث في واشنطن، التي يتم فيها الآن تفكيك منهجي وسريع للحكومة وأجهزة الاستخبارات الأمريكية، وفرض سيطرة إيلون ماسك على كل مفاصل مركز اتخاذ القرارات.

ولقد بدأت دول كثيرة في التحرك ضد هذه القرارات الترامبية الفوضوية بالتعبير عن الرفض تارة، أو باتخاذ إجراءات مضادة تارة أخرى، مثلما حدث في تهديداته بفرض رسوم جمركية على الدول التي تخالفه الرأي أو ترفض أفكاره، مثل كندا والمكسيك والصين وحتى أوروبا الحليف الأول والأكبر للولايات المتحدة.

لا يمكن وصف ما يفعله السيد ترامب اليوم سوى بكلمة واحدة فقط، وهي "الفوضى" التي سيكون لها تأثير سلبي على كل دول العالم، بما فيها أمريكا نفسها، ولا أعتقد أن الوضع السياسي في الدولة العظمى سيستمر على هذا المنوال لفترة طويلة، فلنجلس ونرى.

* قبطان - رئيس تحرير جريدة "ديلي تربيون" الإنجليزية

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق