ماذا لو قصد الريحاني «بلد المدهشات».. اليوم!

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

وصلني مؤخراً إهداء لوصلة فيلم وثائقي جديد بعنوان «ملوك العرب» المعروض على منصة «شاهد»، من إنتاج دارة الملك عبدالعزيز بمناسبة مرور قرن كامل على الرّحلة الأدبية والتاريخية للكاتب والمؤرخ اللبناني أمين الرّيحاني لشبه الجزيرة العربية، والذي يعيد للواجهة طبيعة العلاقة العميقة التي جمعته بمؤسس المملكة العربية السعودية وموحدها، الملك عبدالعزيز آل سعود.

عنوان الفيلم هو ذاته عنوان الكتاب الشهير للرّيحاني، المصنف كأحد أجمل المؤلفات العربية في أدب الرّحلات، وأعمقها على مستوى الرصد المنصف لتفاصيل ومجريات الحياة السياسية والاجتماعية للدول التي اختارها «المستكشف» ضمن خط سيره التاريخي بحثاً عن أخبار العرب واحتمالات توحدهم وصعودهم على سلّم التقدم الحضاري.

وطوال حياته، ظل أديب المهجر في حنين دائم لمسقط رأسه، وعانى، كما عانى بنو جلدته، من صراعات ازدواجية الهوية في مجتمعات الإقامة، والاضطرار -أحياناً- إلى مواجهة الاتهامات بالجاسوسية.

ولكنه تجاوز تلك الإشكالات بتحزبه المطلق لقاعدة «التهذيب القومي» التي «ترفع الوطن فوق الطائفة، وفوق الأسرة والعشيرة»، و«تنبذ السيادات المذهبية وتزيل العصبيات القديمة».

وأنا أشاهد الفيلم تذكرت مقولته الشهيرة عند وصوله للبحرين: «ما أخطأت الظن مرة ببلاد عربية مثل خطئي بالبحرين. وما دُهشت في قطر من الأقطار التي زرتها، دهشتي أول يوم في هذه الجزيرة، ولا غرو فالجهل يُجسِّم الدهشات».

والكلام الصادر عن الأديب يعود لعهد صاحب العظمة، الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، حيث أمضى ما يكفي من الوقت، في قصر الحكم بالمحرق، ليتمكن كاتب التاريخ، من تسجيل رأيه الموضوعي في «حكيم البحرين» الذي «استلم زمام الحكم بيد الحزم والتدابير، ونشر رايات العدل والأمان، وشاد بعلمه وحلمه وتقواه ركن الدين، وأظلَّ بأغصان فضله الأرامل والمساكين، فألقى السعد عصا تسياره بقصره، وخصَّه بين الأنام بنصره».

وفي كل فصل من فصول كتابه حول البحرين، يلمس القارئ تزايد إعجاب الزائر اللبناني ببلد «المدهشات الثقافية والعمرانية»، وبتلك «النهضة الأدبية والاجتماعية»، التي بدت له متجاوزة لجغرافيتها، واستحقت -حسب رأيه- أن تقارن «روحاً وطموحاً» بذلك النهوض الفكري الذهبي في كل من سوريا ومصر.

ولم يغفل الرّيحاني وهو يروي قصة مهد «الحضارة والشراع» التي ترفع ساريتها راية «السلم والتجارة»، عن الإشارة لذلك الاحتفاء الوقور بالزائر العربي من قبل رجال السياسة ورجال الأدب والثقافة، فجاء ذكرهم في الكتاب بإكبار ينم عن قناعته بقدرة صفوتها على فهم واستيعاب عوامل التقدم في بلادهم، دون أن يتخلى عن نقده «الخالي من الأحقاد» في إشكالات ذلك العصر وظروفه.

وإذا تقدمنا بالزمن للحظة الراهنة، فالبحرين دون أدنى شك، تنطلق بمشروعها الحداثي والنهضوي، كما بدأ أول مرة، المُراعي في تطوره لحركة وروح الزمان، والملتزم في تعزيز مكانة الدولة وقدرتها على حماية مجتمع التسامح والتعايش والاعتدال، لتبقى البحرين كـ«ظاهرة تاريخية حضارية» تتمسك بتلك القناعات عبر العصور، كما يصفها مفكر البحرين الراحل الأنصاري.

وإذا كان الرّيحاني شاهداً لعصر البيعة الأولى للشيخ عيسى بن علي آل خليفة، ورأى، كما سجّل، بوادر تمدنها وانفتاحها الإنساني، فماذا كان سيقول لو شهد على «بيعة البحرين الثانية» عندما توحد أهلها للتأكيد على عروبتها وسيادتها في عهد الأمير الراحل، الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة؟

أو كيف كان سيصف المؤرخ «بيعتها التاريخية الثالثة» التي جاءت نتائجها على قدر عزمها ومكارمها استجابة لتلك الخطوة الإصلاحية الجريئة لعاهل البحرين المعظم، الملك حمد بن عيسى آل خليفة، الذي قرر أن يأخذ رأي شعبه منذ اللحظات الأولى لمرحلة جديدة من تطورهم التاريخي، فكانت باكورتها، وثيقة «ميثاق العمل الوطني» التي أعدتها «عقول وضمائر بحرينية من مختلف الأطياف الوطنية»، أما حصيلتها، فتتجسد في انبثاق روح متجددة لمسيرة النهضة الوطنية المتصاعدة، وسأسميها (#روح _ الميثاق) المتقدة بالطموح الوطني.

وإذا أردنا اختزال كل ذلك الإرث وتوثيقه بعدسة اليوم لحفظ نقاء شهادة التاريخ حول جهد أهل البحرين -قيادة وشعباً- في أعين الأحياء وأولي الألباب، فذلك يتطلب بحثاً منفصلاً وتفكيراً مختلفاً كي لا يذهب الجهد سُدى.

* عضو مؤسس دارة محمد جابر الأنصاري للفكر والثقافة

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق