اللافت في مقترح تهجير أهالي غزة من قطاعهم، تحت أي حجج واهية، كإعادة إعمار القطاع، أو بناء بنى تحتية كبيرة، أو أي عذر آخر، هو ذلك التضامن العربي الكبير، ورفض فكرة التهجير أساساً،- بغض النظر عن دواعيه- والجدية والصرامة في التعامل مع هذا المقترح.
وعلى ما يبدو أن تلك الجدية العربية في التعامل مع مقترح أو فكرة التهجير سترهق إسرائيل ومن يساندها كثيراً، خاصة وأن عمليات السلام سواء السابقة أو الحالية أو حتى المستقبلية باتت مهددة إما بالجمود أو الإلغاء، مثل معاهدة كامب ديفيد، كما نقلت ذلك وكالة "أسوشيتد برس" عن مسؤولين مصريين، وهو ما ينطبق أيضاً على عمليات السلام التي وُقعت قبل نحو خمس سنوات.
وبسبب العنجهية الإسرائيلية في التعامل مع ملف غزة، فإن مستقبل عمليات السلام بين إسرائيل وبقية الدول العربية بات مهدداً هو الآخر، وبالتالي فإن حُلم إسرائيل بالتطبيع مع دول عربية كبرى لم يُعد ممكناً الآن، بل أصبح بعيد المنال، في ظل التزمت الإسرائيلي بشأن ملف غزة، وفي مقدمتها بالتأكيد الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية، التي كان ولا يزال موقفها واضحاً من التطبيع، وشرطها قائماً ولم يتغير، وهو إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.
ولن ينفع إسرائيل لجوءها إلى حلفائها لتحقيق أهدافها بشأن غزة، سواء بتهجير أهلها، أو استمالة المزيد من الدول العربية للتطبيع معها، وهؤلاء الحلفاء مهما جدوا واجتهدوا في دعم إسرائيل، فإن هناك حدوداً لا يقبل العقل أو المنطق تجاوزها، ومنها بالتأكيد تهجير أهالي غزة، ولكن لا مانع - بالنسبة لإسرائيل وحلفائها - من إلقاء فكرة ما، ومراقبة ما يسفر عنها من ردود فعل، وهو بالتحديد ما فعلته الولايات المتحدة تحديداً بشأن فكرتها بتهجير أهالي غزة، فجاءت الردود قوية بالرفض وجادة في ذلك.
إن السيناريو المقبل لإسرائيل والولايات المتحدة في اعتقادي، يتمثل في عدم الاستسلام، والاستمرار في دعم مقترح أو فكرة التهجير، ولكن الهدف ليس التهجير، وإفراغ قطاع غزة من أهله، كما هو واضح أو مُعلن، وإنما أظن أن هناك أبعاداً أخرى بشأن التمادي في هذا الطلب المرفوض، وهو المساومة على أمور أخرى، بحيث يؤدي التوقف عن هذه الفكرة إلى تحقيق أهداف كانت مستعصية في السابق، ولا أستبعد أنها أمور تتعلق بالاقتصاد والتجارة، أو حتى المزيد من التطبيع العربي مع إسرائيل، وهذا ما يكون غالباً تفكير رجال الأعمال، والرئيس الأمريكي أحد أشطر هؤلاء، وهو ما يستغله في هذا الموقف بالاعتماد على كونه رجل أعمال، وأيضاً رئيس أقوى دولة في العالم، وهذه ميزة له لتحقيق مآربه الخفية حتى الآن. أليس كذلك؟
0 تعليق