من ميشع قاهر الغزاة إلى الحسين بطل الكرامة، ومن الثورة العربية الكبرى إلى وقفات الأردن المشرفة في كل معارك الأمة، ظل هذا البلد صغير المساحة، لكنه عظيم الفعل والتأثير. لم يعرف الخضوع، ولم يقبل الاستسلام، بل ظل في قلب الأحداث، يصوغ التاريخ بإرادة أبنائه وقيادته الهاشمية التي حملت مشعل النور وسط الظلام، ورسالة العدل والتضحية في عالم يتقلب على أهواء المصالح.
الأردن والأمة.. قدر لا ينفصم
لم يكن الأردن يومًا بمعزل عن أمته، ولم ينكفئ على ذاته حتى في أشد الظروف قسوة. كان دائمًا في الصفوف الأولى، يقاتل من أجل قضايا الأمة العادلة، ويساند أشقاءه، ويفتح ذراعيه لكل من ضاق به الحال في أرضه. وحين اشتدت المحن على فلسطين، كان الأردن هو الحاضن والمدافع، وحين عصفت الأزمات بأقطار العرب، كان ملجأً للأشقاء، لم يغلق بابه في وجه مستغيث، ولم يدر ظهره لقضية عادلة.
لكن كما كان الأردن السند والمدافع عن الحق الفلسطيني، فقد كان أيضًا واضحًا وحاسمًا في موقفه: الأردن ليس ولن يكون وطنًا بديلًا للفلسطينيين. هذه الأرض التي ارتوت بدماء شهداء الجيش العربي في القدس وباب الواد والكرامة، لم تكن يومًا إلا مع فلسطين، ولكنها لن تكون بأي حال من الأحوال بديلًا عن فلسطين. فكما يرفض الأردنيون التفريط بذرة من تراب وطنهم، فإنهم يرفضون أي محاولة لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن.
الأردن يرفض التهجير.. القائد والشعب والأرض تقول لا
لا التهجير ولا التوطين ولا تصفية القضية الفلسطينية سيكون له مكان في معادلة الأردن. هذا موقف ثابت، لا يتغير بتغير الظروف، ولا تهزه الضغوط، لأن الأردن يدرك أن فلسطين ليست مجرد قضية سياسية، بل حق تاريخي لا يسقط بالتقادم. وكما قال الملك عبدالله الثاني بوضوح: “لن نسمح بأن يكون الأردن على حساب أي أحد، ولن نكون بديلاً عن أحد.”
إن القائد والشعب والأرض نفسها ترفض أن تكون شاهدًا على نكبة جديدة، وتعلن بوضوح أن التهجير لن يمر، وأن الأردن سيظل عونًا للأشقاء في الضفة الغربية وقطاع غزة، سندًا لهم في نضالهم من أجل حقهم المشروع في دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني. الأردن كان وسيبقى داعمًا للحق الفلسطيني، ولكن ليس على حساب هويته ووجوده.
الهاشميون.. رسالة تجاوزت الآفاق
ليس صدفة أن يكون الأردن بهذا الثبات والقوة رغم التحديات، فالقيادة الهاشمية لم تكن يومًا مجرد حاكمة، بل صاحبة رسالة تمتد جذورها إلى أعمق أعماق التاريخ الإسلامي والعربي. رسالة قوامها العدل، والتضحية، وخدمة الأمة دون منٍّ أو تراجع. فمنذ الثورة العربية الكبرى، حمل الهاشميون لواء الحرية والاستقلال، وسعوا لوحدة الأمة، ودفعوا ضريبة ذلك تضحيات لا تحصى.
وحين سارت رياح السياسة بعكس الاتجاه، لم يتخلَّ الأردن عن مبادئه، بل ظل ثابتًا على مواقفه، محافظًا على دوره التاريخي، وعلى عهده بحماية المقدسات في القدس، ورفض أي حلول تنتقص من الحق الفلسطيني أو تفرض واقعًا غير عادل على حساب الأمة.
الأردن.. سيف لا يُغمد إلا منتصرًا
التاريخ ليس مجرد سردٍ للحكايات، بل هو دليلٌ على أن هذا الوطن لم يكن يومًا إلا صانعًا للأحداث، وقائدًا في معارك الكرامة، وسندًا لأمته حين تحتاجه. واليوم، بقيادة سيد البلاد وحامل أمانة التاريخ، يمضي الأردن في طريقه، متسلحًا بالإيمان، مستندًا إلى إرثٍ من التضحيات والبطولات.
مهما اشتدت التحديات، يثبت الأردنيون أن معدنهم لا يصدأ، وأن عزيمتهم لا تنكسر. فهم لم يرثوا أرضًا فقط، بل ورثوا رسالة، ومسؤولية، ودورًا لا ينتهي. فهذا الوطن ليس مجرد نقطة على الخريطة، بل قصة كفاحٍ لا تنطفئ، وسيفٌ لا يُغمد إلا منتصرًا.
0 تعليق