أحاديث أيامنا

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يقول الإمام الحسن البصري رحمه الله: "يا ابن آدم، إنما أنت أيام، كلما ذهب يوم ذهب بعضك". عندما نقول أيامنا، فإنما نعني بعض أيامنا، وهو عمر الإنسان الذي يعيشه في هذه الدنيا. فحياتنا اليوم ليست سوى بضع أيام، وكلما انقضى يوم، نقصت فترة وجودنا، وهكذا تتناقص الأيام إلى أن يحين الأجل المحتوم، كما قال تعالى: "لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ."

حين نتحدث عن الأيام، فإنما نتحدث عن فلسفة الحياة التي نحياها، وكيف نقضي ساعاتها، وكيف نترك أثرًا، وكيف ننجز ونقدم. فهذه الأوقات التي نعيشها هي أمانة سنُسأل عنها، وهي أعمار فانية لا نعلم متى تنتهي، ويفنى معها الجسد، لكن يبقى الذكر. وحتى يُعمر ذكر الإنسان ويبقى أثره، لابد أن تكون بصماته طيبة، وأن يتعظ بسير الأولين، ويعتبر برحلات الفقد اليومية.

اليوم نحن في رحلة، رحلة لا تنتهي، نهايتها بإذن الله تعالى في جنة عرضها السموات والأرض، في الفردوس الأعلى. هذه الرحلة التي يجب أن نعمرها بسوانح الخير، وطيب الذكر، وأخلاق النبوة، والاحتساب، والإحسان. نسميها رحلة لأنها المسير إلى الله تعالى، ومن لم يدرك دوره في الحياة بعد، وعاش في تيهٍ، وغرق في الشهوات، وانشغل بالتوافه، فإنه سيتجرع الحسرات اللاذعات، وسيُحرم من الارتواء بماء السكينة والطمأنينة التي تروي الظمأ وتريح النفس.

تتجدد الرحلة في مواسم الخير، ويتجدد معها الإيمان، وأجمل هذه المواسم رمضان، الذي ودعناه قريباً. فالأيام التي نعيشها لا تمهلنا كثيراً، ومع رمضان نجد أن الوقت يمضي أسرع مما نتوقع، فقد وصفه الله تعالى بقوله: "أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ"، أي قليلة وسهلة في انقضائها. فلنستعد اليوم قبل الغد، ولننوِ أن نكون من عباد الله الصالحين في رمضان، فنستثمره خير استثمار، وندرك أن اليوم لا يعود، وأن الساعة القادمة قد لا ندركها. فلنعمر الدقائق بالخير، والذكر، والطاعة، ونتفرغ لله وحده. فربما لا نحظى بزيارة رمضان مرة أخرى، وهي فرصة للتطهّر من شوائب الحياة، والابتعاد عن كل ما يعكر صفوها.

فرحلة رمضان هي رحلة النفس إلى عوالم الآخرة، ورحلة عشاق الفردوس الأعلى، حيث نتذكر فيها بعض أيامنا، ونتحدث عن سعادة الآخرة، وعن عشق الخير، والاحتساب لله تعالى في كل شؤوننا.

عندما يُفتقد الاحترام، وتُشخصن الأمور على حساب المصلحة العامة، وعندما نغفل عن معاني الاصطفاء الإلهي في أعمالنا وأدوارنا في الحياة، فإننا بذلك نكون قد فقدنا بوصلة أهدافنا، ولم نعد نفقه كيف نعيش لله تعالى وحده. لم نعد نفهم معنى الإحسان الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: "أن تعبد الله كأنك تراه". العبودية لله تعالى يجب أن تتدفق في شراييننا في كل عمل نقوم به، وبإحسان.

حينما يُكنّ الإنسان الضرر للآخرين، ويتصرف وفق هواه الشخصي، فإنه بذلك قد حاد عن جادة الصواب، وأفسد صفاء الحياة بمواقف صاخبة لا هدف لها سوى رد الصاع بصاعين، لأسباب نفسية أو مرضية. من المؤسف أن تكون هذه النفوس بيننا، لكن في نهاية الأمر، لا يصح إلا الصحيح، وستكون الغلبة للخير وأهله، ما دامت نياتهم صافية، وأعمالهم خالصة لله تعالى وحده. لذا، دائماً ما أقول: "اجعل عملك لله تعالى وحده"، وابتغِ الخير في كل موضع تطؤه قدمك، فلم يعد لديك وقت تهدره في المهاترات، فأيامك القليلة ملكٌ لله تعالى، وعليك أن تكون فيها محسناً، منجزاً، حتى وإن اعترضتك المنغصات، فإن قوتك تكمن في أن تملأ أيامك برضا النفس والصدق، وأن يكون عملك أثراً ممتداً للحياة، كالفراشة التي تملأ الأجواء رقةً وجمالاً وأثراً.

جميلة هي العلاقات الصادقة، التي تتبادل فيها كلمات المحبة والوفاء، وتكون فيها صادقاً في كل كلمة تخطها لمن تحب. جميلة هي العلاقات التي تبقى أثراً مستداماً، تسودها أريحية التواصل، فلا ترضى أن تقطع وصال من تحب، بل تتذكر معه جمال الأيام التي عشتماها، وتستعيدان أحاديثكما القديمة، فتضحك كلما ترددت في مسامعك تلك العبارات التي كان يرددها مُحبك دائماً. جميلة هي الصور التي مازلت تحتفظ بها، تحمل ذكريات ولحظات لا تُنسى، تجعلك تبتسم مع كل موقف تتذكره. جميلة هي العلاقات التي يسكب فيها مُحبك ماء الطمأنينة في قلبك، فيفتقدك إذا غبت، ويرسل إليك كلمات الود والوئام التي تُشعرك بأنك حاضرٌ في حياته دائماً. أما العلاقات الأسرية، فهي الأجمل، لأنها تبقى بأحاديثها وودها، وخاصة مع كبار العائلة، الذين اعتدت أن تكون بقربهم، تقبّل جبينهم، وتتذكر معهم أحاديث "البيت العود"، وتستعيد ذكريات كل زاوية منه. تبقى العلاقات الحميمة للمحبين الأوفياء عنوان حياتك القادمة، فتمسّك بكل صادقٍ محبٍ، من قلبه.

ومضة أمل

أيامنا الجميلة التي نعيشها بحب، سنستذكر آثارها الخيّرة في فراديس الجنان.

اللهم بلّغنا إياها يا رب.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق