
السبيل – خاص
في خطوة تعكس بوضوح طبيعة المعادلة التي فرضتها كتائب القسام على الاحتلال الإسرائيلي؛ جاءت مراسم تسليم جثامين الأسرى الأربعة مصحوبة برسائل مباشرة، لم تقتصر على الإعلام فقط، بل استهدفت بالدرجة الأولى المجتمع الإسرائيلي وقيادته السياسية والعسكرية، في لحظة حساسة من الصراع.
ويمكن تحليل هذه الرسائل – التي جاءت في ثلاث عبارات – وفق ثلاث مستويات: تحميل المسؤولية، تثبيت معادلة الردع، وإعادة تعريف ثمن الحرب.
- العبارة الأولى: “قتلهم مجرم الحرب نتنياهو بصواريخ الطائرات الحربية”
تحمل هذه العبارة إدانة مباشرة لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، ليس فقط باعتباره مسؤولاً سياسياً عن استمرار العدوان، بل بوصفه المتهم الأول بقتل الأسرى الإسرائيليين أنفسهم. والمغزى هنا مزدوج:
أولاً، تفكيك السردية الإسرائيلية الرسمية التي تحاول تبرير ما حدث للأسرى، عبر اتهام كتائب القسام بالتسبب في وفاتهم، حيث يضع البيان القسامي الأمور في نصابها: هؤلاء قتلوا نتيجة القصف الإسرائيلي المباشر، في تأكيد على أن الاحتلال كان مستعداً للتضحية بأسراه من أجل تحقيق أهدافه العسكرية.
ثانياً، الرسالة موجهة إلى عائلات الأسرى الإسرائيليين، حيث تريد “القسام” أن تجعلهم يدركون أن القاتل الحقيقي لأبنائهم هو حكومتهم، وليس المقاومة. وهذا يعمّق التصدعات داخل المجتمع الإسرائيلي، خصوصاً مع تصاعد الانتقادات الداخلية لنتنياهو من قبل عائلات الأسرى والمجتمع المدني الإسرائيلي.
- العبارة الثانية: “ما كنا لنغفر أو ننسى.. وكان الطوفان موعدنا”
تؤكد هذه العبارة أحد أهم الأسس التي ترتكز عليها المقاومة، وهو عدم نسيان الجرائم الصهيونية، وعدم تقديم تنازلات في معركة الحقوق والثأر الوطني. وهنا نقرأ عدة أبعاد:
- هذه رسالة ثبات واستمرارية، تؤكد أن المقاومة لا تخضع للضغوط أو تُثنيها المساومات السياسية عن مواقفها. فكأنما تقول القسام: لا انتظار لمستقبل غامض، بل نحن من نحدد متى وكيف يأتي ردنا، كما فعلنا في “طوفان الأقصى”.
- تعبير “وكان الطوفان موعدنا” ليس مجرد جملة إنشائية، بل هو رسالة تتصل بالسياق الحالي للصراع: طوفان الأقصى لم يكن حدثاً منفصلاً، بل هو نتيجة لسياسات الاحتلال وعقود من الجرائم، وبالتالي فإن أي حرب جديدة ستستكمل ذات المسار التصعيدي الذي فُتح في 7 أكتوبر.
- العبارة أيضاً تُطمئن الشعب الفلسطيني ومناصري المقاومة بأن المعادلة لم ولن تتغير، فكما كان الطوفان موعد الرد، فإن المقاومة ما زالت في الميدان، وما زالت تملك قرار المواجهة إذا لزم الأمر.
العبارة الثالثة: “عودة الحرب (تعني) عودة الأسرى في توابيت”
هذه الرسالة ربما تكون الأشد حساسية وتأثيراً داخل “إسرائيل”، لأنها تتحدث بلغة مباشرة عن ثمن أي تصعيد جديد. ومن زاوية تحليلية، فإن العبارة تحمل بعدين:
- البعد الردعي: فالمقاومة لا تكتفي بالتحذير، بل تقدم سيناريو واضحاً: أي استئناف للحرب يعني أن الأسرى الإسرائيليين الباقين لن يعودوا سالمين، بل سينتهي بهم الحال كما انتهى بمن سبقهم.
وهذا تحذير موجه إلى الحكومة الإسرائيلية والجيش، مفاده أن أي مغامرة عسكرية ستكون كارثية على الجنود والمستوطنين الذين ما زالوا بيد القسام.
- البعد النفسي والإعلامي: فالرسالة تضرب بقوة في عمق المجتمع الإسرائيلي وعائلات الأسرى، الذين يُشكّلون إحدى أكبر مجموعات الضغط على الحكومة الإسرائيلية. فهي تدفعهم إلى التفكير: هل يستمرون في دعم الحرب رغم أن نتائجها قد تكون مأساوية على أبنائهم؟
الرسالة هنا تهدف إلى تعزيز الشرخ الداخلي الإسرائيلي بين من يريد استعادة الأسرى بأي ثمن، وبين من يصر على استمرار القتال مهما كلف الأمر.
دلالات الرسائل ونتائجها المتوقعة
- تؤكد هذه الرسائل أن كتائب القسام هي الطرف الذي يملك زمام المبادرة، وهي التي تحدد متى وكيف تتحرك، وليس الاحتلال الإسرائيلي.
- هناك محاولة لتكريس معادلة جديدة: الأسرى في غزة ليسوا ورقة مساومة فقط، بل هم جزء من استراتيجية الردع التي تمنع العدو من التمادي في التصعيد.
- المقاومة نجحت في نقل الصراع إلى داخل الوعي الإسرائيلي، حيث لم تعد “إسرائيل” تتعامل مع “أسرى” فقط، بل مع “أسرى قد يعودون جثثاً”، ما يجعل أي قرار عسكري محفوفاً بالمخاطر السياسية والاجتماعية داخلياً.
- الرسائل تأتي في لحظة سياسية حرجة داخل “إسرائيل”، حيث تواجه حكومة نتنياهو ضغوطاً داخلية متزايدة، ما يزيد من ارتباكها ويفاقم أزماتها.
خلاصة تحليلية
يمكن القول إن كتائب القسام لم تكتفِ بإتمام عملية تسليم جثامين الأسرى، بل جعلت منها حدثاً سياسياً واستراتيجياً يحمل أبعاداً ردعية ونفسية وإعلامية. فبدل أن يكون التسليم مجرد إجراء تقني ضمن التفاهمات، تحول إلى منصة لإرسال إنذار واضح:
- الحرب لم تنتهِ، وإذا استؤنفت، فالأثمان ستكون أكبر مما يتخيل الاحتلال.
- نتنياهو هو المسؤول الأول عن قتل الأسرى، وعائلاتهم يجب أن تدرك ذلك.
- المقاومة تملك الكلمة الأخيرة فيما يخص مصير الأسرى الباقين، وهذا المصير قد يكون قاتماً إذا استمر الاحتلال في عدوانه.
بهذه الرسائل؛ تدير المقاومة المعركة بذكاء سياسي ونفسي، مستفيدة من كل تفصيل في الحرب لصياغة معادلات جديدة ترسّخ الردع وتُضعف تماسك الجبهة الداخلية الإسرائيلية.
0 تعليق