أسماء خالد
بدأت نهاية القرامطة على يد أهل البحرين بقيادة أبي البهلول العوام من آل الزجّاج في جزيرة أُوَال «مملكة البحرين» خلال الفترة من 458هـ - 468هـ / 1065-1075م. حيث كانت أول القوى المحلية التي نجحت في استعادة البحرين وطرد القرامطة، حيث أظهر أبو البهلول وعياً وحكمة في جمع أهل البحرين وتوحيد كلمتهم تحت راية وطنية عربية إسلامية ساعده على ذلك ما يتمتع به أهلها من وعي ودين.
يُعد أبو البهلول العوام بن محمد الزجاج العبدي من أبرز الشخصيات في تاريخ البحرين، فهو ينتمي إلى قبيلة عبد القيس العريقة، التي تتميّز بتاريخها الطويل ومساهمتها الفعالة في الحياة السياسية والاجتماعية في المنطقة وبعلاقتها الجيدة مع الخلفاء بدءاً من الخلافة الراشدة وحتى الخلافة العباسية. ففي عام 457هـ / 1065م، كتب أبو البهلول خطاباً مهماً إلى ديوان الخلافة العباسية، وُثّق في مخطوط شرح ديوان ابن المقرب العيوني العبدي حيث أوضح فيه أبو البهلول جهوده في تطهير جزيرة أُوَال من نفوذ القرامطة، مُشيراً إلى معلومات تاريخية مهمة حول تاريخ البحرين منها أنهم يتبعون المنهج الإسلامي الصحيح ويدينون بالولاء للدولة والخلافة العباسية، وهذا يؤكد حرصهم على الوحدة الدينية والسياسية للعرب والمسلمين ورفضهم للفتن.
هذا الخطاب يعكس العلاقة المتينة بين أهل البحرين والخلافة العباسية، حيث كان الأهالي يسعون دائماً إلى تعزيز هذه العلاقة بما يضمن استقرار منطقتهم. كما تُظهر الأحداث التاريخية أن أهل البحرين كانوا دائماً يرفضون الحركات الهدّامة التي تهدد هويتهم الوطنية. فما إن سنحت لهم الفرصة حتى اجتمع الأهالي بقيادة أبي البهلول العوام حول رؤية مشتركة تعزّز من قيم العروبة ووحدة الصف ضد أي تدخلات خارجية.
بعد طرد القرامطة من أُوَال، استمرت الجهود لتوحيد الصفوف ضد أي محاولات من الدخلاء، وكانت هذه الحركة تعبيراً عن الهوية الوطنية لأهل البحرين، الذين تميزوا بعراقتهم وولائهم لعروبتهم ودينهم، ممّا ساهم في استقرار المنطقة وازدهارها، ونموذجاً يؤكد أهمية الوحدة في مواجهة التحديات.
إنّ تاريخ البحرين مليء بالدروس القيّمة التي تُعزز من أهمية الوحدة والهوية الوطنية. فقد أظهر أهل البحرين على مر العصور، انتماءً عميقاً لعروبتهم ودينهم، رافضين أي تدخل خارجي يسعى لزعزعة استقرارهم. حيث كانوا يُؤمنون بقيم التآلف والسلام، ويعملون جاهدين على تعزيز هذه القيم في مجتمعاتهم.
واليوم يُظهر هذا النهج الذي اتبعته البحرين تحت قيادة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه التزاماً قوياً بالاستمرار في تعزيز الاستقرار والتنمية.
إنّ وعي المواطنين وإدراكهم لأهمية الوحدة يُعتبران ركيزتين أساسيتين في مواجهة مختلف التحديات. فهم يسعون جاهدين للحفاظ على هويتهم الوطنية ويعملون معاً لبناء مستقبل مشرق، مُستفيدين من تاريخهم العريق وتجارب أجدادهم في مواجهة الصعوبات، كما أن روح التعاون التي تسود بين أبناء الوطن تُعد نموذجاً يُحتذى به، حيث تظل البحرين، بفضل هذا النهج، قادرة على الاستمرار في مسيرتها نحو التقدّم والازدهار، مُعزّزةً مبادئ العروبة والإسلام، ومتمسّكةً بقيم الوحدة والسلام.
باحثة أكاديمية مختصّة بالتاريخ الحضاري للخليج العربي
0 تعليق