د. جاسم حاجي
دلمون، التي تقع في مملكة البحرين الحالية، كانت مركزاً مهماً للابتكار التكنولوجي خلال العصر البرونزي، لاسيما من حوالي 2000 قبل الميلاد. كان موقعها الاستراتيجي بين بلاد ما بين النهرين والبحر العربي يسهّل التجارة والتبادل الثقافي، مما ساهم في التقدمات التكنولوجية التي لعبت دوراً حاسماً في تحضرها.
كانت واحدة من الابتكارات التكنولوجية الرئيسة في دلمون هي إدخال تقنية الأختام. في البداية، استخدمت المدينة
أختاماً من نوع الخليج، التي تأثرت بحضارة وادي السند. كانت هذه الأختام، المصنوعة من حجر أسود أو أخضر شفاف، تحتوي على رأس دائري ونقوش باللغة السندية. مع مرور الوقت، تطورت هذه الأختام، حيث تحولت من الكتابة إلى الرمزية، بما في ذلك الرموز مثل الثور الشهير. كانت هذه التحولات تعكس تطورات دلمون الحضرية والإدارية. أصبحت الأختام جزءاً حيوياً من الوظائف الإدارية والتجارية، حيث كانت تستخدم للتعريف والتجارة والتواصل مع السلطة والسلطة الملكية.
بالإضافة إلى تقنية الأختام، اعتمدت دلمون وتكيفت مع تقنيات إدارية واقتصادية متنوعة. واحد من التحولات المهمة كان استخدام الأوزان الموحدة، المستوحاة من أوزان وادي السند المكعبة والكروية. لعبت هذه الأوزان دوراً مركزياً في تنظيم التجارة والضرائب، كما يتضح من وجودها عند بوابات المدينة في دلمون. كان تبنّي هذه الأوزان، التي أصبحت تُعرف بـ«قاعدة دلمون»، له تأثير على المناطق المجاورة بما في ذلك بابل.
ابتكار تكنولوجي آخر كان إدخال العملة الرمزية بعد عام 2000 قبل الميلاد. كانت هذه العملات الطينية الصغيرة، التي تحمل نقوشاً بأختام، تُستخدم على الأرجح لأغراض إدارية وتجارية، مثل توثيق المعاملات. تعكس تطور هذه الرموز زيادة تعقيد اقتصاد دلمون واندماج التقنيات من الثقافات المجاورة.
لم تقتصر ابتكارات دلمون التكنولوجية على الأدوات الإدارية فقط. كانت بنية المدينة تشمل إنجازات هندسية مهمة، مثل بناء سور مدينة بطول 1.5 كم من الحجر، وشارع رئيس مخطط مركزي. تعكس هذه التطورات ازدياد تحضر المدينة وحاجتها إلى الدفاع والتنظيم.
باختصار، كان تطور دلمون التكنولوجي مميزاً من خلال تبنّي وتكيّف الابتكارات من الحضارات المجاورة، بما في ذلك تقنية الأختام، والكتابة، والأوزان، والعملات. لعبت هذه التطورات دوراً رئيساً في نمو المدينة الاقتصادي، وطبقاتها الاجتماعية، وتوحيدها السياسي، مما يعزّز مكانة دلمون كمركز للتجارة والثقافة والابتكار في العالم القديم.
0 تعليق