ثم أخرج (الليّ) المُغطّى بتلبيسة قماش تبرق، ما سألته هذه المرّة؛ سبق سؤالها بقوله: «هذا حبل الكيف يا ست الحبايب»، فقالت: «شنهي ستّ الحبايب؟»، فبدأ يشرح لها عن أغنية لمطربة مصريّة، قالت: «عساها تتحبحب من رُكبها»، وعلّقت: «كفاني الله شرّ عيب في مصر، لا يصبح سدّة بابي». نشدته عن آنية مذهّبة تلمع، قائلة: «هذي شَرْبَة للقهوة؟»؛ فضحك وقال: «الله يهديك يا أحلى مشربيّة في الدنيا كلها، هذي شيشة لتعمير الطاسة»، قالت: «يا مثبّت ثبّتنا بعقولنا؟».
تجرأت وسألت: «عساك فِدت في سفرتك، وجيت بالحالي والغالي»، فمال برأسه على كتفها وانفرط يشهق، وهي تسمّي عليه، وتحاول تواسيه، غصبن استردّ نسمته ومشّ خشمه بطرف عمامته، وقال: «ضحكوا عليّه المكاكوة اللي كنت شغّال عندهم، قالوا بيزوجوني بنتهم (قهرمان)، وكرفوني كرف الله وكيلك، وآخرتها قالوا: أُمك في حراك»، فعلّقت: «الله يسدّ نفوسهم ويحرمهم كل طيّبة مثل ما أحرموك (قهرناه)»، فعاد يضحك ويقول: «يا أمي (قهرمان) يا أمي، بنت وجهها زيّ زبدة الحليب، وريقها أحلى من العسل»، فقاطعته بغضب: «وش أدراك عن ريقها يا السايب الخايب، وأنت ما تروحتاها؟»، فأجابها: «ريقها يعني كلامها.. هروجها يا بنت الحلال، وين ودّاك تفكيرك، أنا تربيتك؛ ما تجي منّي العايبة، وما أشخ في فراشي زيّ ما كنت توصيني وأنا في صغرتي»، فأخذت كفّه وقبّلتها وقالت: «بغنيك الله عن المكاكي، بخالك أبو متاكي»، نظر إليها وفنجل عيونه وقال: «طلبتك يا حلوة الحليب»؛ فصححت له قائلة: «حلوة اللبن»، فقال: «ما هو كان حليب قبل ما يلبّن؟»، قالت: «تمّ علمك»، فقال: «لا تقولي بتزوجيني بنت أخوك متاكي؟»، علّقت: «بيش تتزوجها بقملك وإلا بشيشتك»؛ وبدعت القصيد: «سرى ليلي سرى ليلي ألا يا شيشة الحضران، سرى ليلي سرى ليلي تكركر والبلا فيها، عسى من لامني يلقص ويلقى حيّة الديبان، ثمان سنين لا تبرا ولا يعرف مداويها»، قال: «صح ثمّك»، قالت: «لسانك؛ الله يقوّم لسانك المعووج».
أطلقت القرية على ضيفها (المفقّع) من كثرة ما يفضّخ، فاستنصح شقيقه الأكبر (المرقّع) الفقيه؛ وقال: «يا فقيهنا آخي عوّد من مكة بشيشة وباصرة؛ وفيدته يجمّع الخُطلان، ويفلّت روايا ما نعرف صدقها من كذابها»، فقال الفقيه: «تبغي كلام يجمد على الشارب وإلا تبغي سلتحه؟» قال: «إلا هات الكلام اللي زبدته فيه»؛ فقال: «أخوك بينطقّ من خشمه من العافية؛ وما معك إلا تنشبه في حلوق الجماعة؛ خلّه يربّيهم، ويردّ لكم هيبتكم»، فعلّق: «عزّ الله إنّك جبتها»، ودسّ في كفّه عشرين ريال، ما لمح فيها أودعها الكمر، وقال: «إذا نشب مالك إلا من يخرجه».
طلبت أمه من زوجة أخيها ترسل متاكي، تسلّم على ولد عمتها، وبغت تحاحي، حلفت متاكي ما تعتّب بابهم، فقالت أمها: «اقطعي نُشقة عمتك، وخليه يتلمح فيك شويّه وافلحي ما بيأكل منك لقمة»، ولتغريها أضافت: «عوّد من مكّة بالخُمّان والرُّمان»، فطاوعتها.
أخبار ذات صلة
عاتبته أمه؛ وذكّرته بالمثل اللي يقول «ما يبني في الديرة إلا حصاها»، قال: «خليت حمام الحرم، وجاي للحصى، والله لو اعرف إنها تجيب لي مصليّة جمعة، فُكّينا، وانسي الهرجة»، سألته: «وش ناقصها زينها يقطر»، فقال: «أستغفر الله»؛ فانفعلت وقالت: «هو ما تبدّي تتلمح في قفاك اللي كما قفا الكيش؟»
تولاه المرقّع كل يوم يحرشه على واحد، فاشتغل الفقيه؛ وجاء للمفقّع وقال: «أخوك معه هفّه الله يهدي من غوي؛ يتقوّدك وما يتقوّدون إلا البهيمة؛ وأنت من أعيان جماعتك؛ دكّتك ما تفضي ذيه جاي وذيه رايح وجمر شيشتك ما ينطفي»، فقال: «صدقت يا إمامنا الطيّب ودواه عندي»، ومدّ له بالّلي، وقال: «خذ لك جرّة تعدّل دماغك المقلوب».
نشبت النشوب، وتبدّت العيوب، يا دافع البلا من شيء طقوه في بعض؛ وأقبل الخال يصلح بين الأخوين؛ فتحاوشوا به؛ وقال المفقّع: «يا خال هروجك كما هروج الحريم، وأنا وآخي بنتصافى طال الزمن وإلا قُصر، وامسك الباب، لا تخلين أسوّي لك نون وما يسطرون»، التفت الخال لأخته وقال: «تردين على ولدك وإلا خرعانة»، فقال المفقع: «يا خال، سيبك من التمسكن والتحنن؛ مين اللي دعاك عشان تشرّفنا مع الصبح؟»، فقال الخال: «دورت لها ولقيتها، ومن حضر بغير داعي يقعد بدون فراش».
0 تعليق