ولم يكن قرار الإمام محمد بن سعود بخصوص تأسيس هذه الدولة قرارا سهلا، ولم تكن مهمته في تنفيذ هذا القرار مهمة بسيطة؛ حيث كانت حالة الجزيرة العربية - آنذاك - تخلو من الأمن والاستقرار، وكانت هناك حاجة ملحة إلى قائد يمكنه جمع الشمل وتوحيد الصفوف، وبالفعل ظهر هذا القائد من قلب الدرعية، وهو الإمام محمد بن سعود الذي استطاع - بشخصية القائد - وضع اللبنة الأولى لدولة تعتمد في تأسيسها على الدين الإسلامي كمرجع أساسي، ويقوم حكمها على أساس العدل والرحمة، لتصبح الدرعية - نتيجة لذلك - رمزا للوحدة والكرامة.
ومع الأيام تبين أن الدولة السعودية الأولى أكبر من مجرد حدود تُرسم على الخريطة؛ حيث مثلت ميلادا جديدا لحياة الإنسان على هذه الأرض، فقد استقر الأمن بعد توقف الصراعات التي استمرت لسنوات طويلة، وبدأت القبائل والمجتمعات تتعايش تحت راية نظام جديد يحفظ حقوقهم ويمنحهم الفرص لعيش حياة آمنة ومستقرة وكريمة، حيث عاد المزارعون إلى حقولهم، وأحيا التجار أسواقهم، ووجد الناس في الدولة الناشئة وطنا يوفر لهم مقومات الحياة الكريمة بالإضافة إلى تمتعهم بالحماية في ظله وتحت رايته.
وفي ظل كل ذلك، ترسخ في نفس الإنسان السعودي شعور بانتماء أكبر لوطنه؛ مما ترتب عليه انتعاش روح العمل المشترك لبناء مجتمع متماسك، حيث بدأت الأنشطة الاقتصادية في الازدهار، وانتعشت الحرف اليدوية، كما تحولت الأسواق إلى ملتقى للتبادل التجاري والثقافي، وأخذت المجالس العلمية في الانتشار في أنحاء الدولة مكونة منارات علم ومعرفة، تُخرج أجيالا تعي جيدا مسئولياتها تجاه المجتمع والوطن بأسره.
لا يمكن اعتبار التأسيس مجرد مشروع سياسي أو اقتصادي فقط؛ لأنه كان انطلاقة لتغيير شامل لكل جوانب المجتمع، حيث أصبح المحرك الأساسي لكل نشاط يتمثل في القيم الوطنية والدينية، كما سادت بين أفراد المجتمع روح التكافل والعدالة، ووسط كل هذا وجد الإنسان السعودي نفسه محور هذا التغيير الشامل، حيث بدأ يعيش تحت راية نظام جديد يعزز من مكانته ويضمن كرامته.
واحتفاؤنا بيوم التأسيس يذكِّرنا دائما ببداية القصة، وكيف صارت الأحلام واقعا، فهذا اليوم يتجاوز مجرد اعتباره ذكرى تاريخية، ليصبح جسرا يربط بين الماضي والحاضر، ويمدنا بالقوة لنستمر في تحقيق رؤية المملكة الطموحة. إن الاحتفال بيوم التأسيس يعتبر تأكيدا على أن هذه الأرض - التي تم توحيدها من قِبَل الإمام محمد بن سعود منذ ثلاثة قرون - تنطلق في مسار بناء وتحقيق الإنجازات، بفضل قيادة رشيدة وشعب مترسخ لديه إيمان بتاريخه.
ويظهر أثر ذلك اليوم التاريخي في كل زوايا المملكة، فيمكننا رؤية هذا الأثر في تطور التعليم، وتقدم الثقافة، وازدهار الاقتصاد كامتداد لذلك التأسيس الذي غير مسار ونمط الحياة في الجزيرة العربية، ولذلك يمكن النظر إلى يوم التأسيس على أنه يوم الفخر والاعتزاز، اليوم الذي يذكرنا دائما - كسعوديين - كيف تحول الحلم إلى واقع، وكيف بإمكان الوحدة والرؤية الرشيدة الحاكمة أن تصنع أمة عظيمة، فهو يُذكِّر المواطن السعودي بأنه جزء من هذا الإرث العظيم، ويُنمِّي في نفسه الشعور بالمسئولية تجاه الحفاظ على هذا التاريخ ونقله للأجيال القادمة، والمشاركة في بناء مستقبل يليق بماضيه العريق.
0 تعليق