وبالرغم من التحديات الخارجية التي مرت بها تلك الدولة، إلا أنها تجاوزت تلك التحديات وقاومت كل من أراد القضاء على هذه الدولة؛ لتتوالي بعدها مسيرة البناء من جهة والدفاع عن هذه المكتسبات من جهة أخرى.
ومع بداية القرن العشرين، حمل الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله - راية التوحيد مجددا. ففي عام 1902م، استعاد الرياض بجهد فردي بطولي مع مجموعة من رجال الوطن الأوفياء، ليبدأ رحلة استمرت ثلاثين عاما، وحد خلالها أرجاء الوطن تحت مسمى "المملكة العربية السعودية" عام 1932م. ولم يكن ذلك التوحيد مجرد انتصارات عسكرية فحسب، بل كان بناء مؤسسيا شاملا؛ حيث أسس أول نظام حكومي حديث، مع إنشاء مجلس الوزراء والوزارات، مثل وزارة الخارجية والداخلية، وحوَّل اكتشاف النفط عام 1938م في الدمام مسار البلاد اقتصاديا، لتصبح مؤثرا رئيسا في السوق العالمية. كما حافظ - رحمه الله - على التوازن بين التحديث والأصالة؛ فأنشأ الهيئات الحكومية وبنى المدارس الحديثة، ودعم توطين البادية وبدأ مسيرة الإنماء والتطور وواصل أبناؤه رحمهم الله من بعده تلك المسيرة المباركة.
وفي هذا العهد الميمون؛ عندما تولى الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - الحكم عام 2015م، كانت السعودية أمام مفترق طرق تاريخي، وبوعي استثنائي؛ أدرك أن الحفاظ على الإرث يتطلب تحديثا واستغلالا لمقدرات الوطن العظيمة في نهضته ونمائه، فوافق حفظه الله على رؤية 2030 التي طرحها سمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله -عام 2016م، والتي حولت التحديات إلى فرص: فعلى الصعيد الاقتصادي أطلقت مشاريع عملاقة مثل نيوم؛ المدينة المستقبلية التي تدمج التكنولوجيا الفائقة مع الطاقة النظيفة، ومشروع البحر الأحمر السياحي، الذي يعيد تعريف مفهوم الرفاهية، ومشروع تطوير محافظة العلا السياحي، كأكبر متحف مفتوح في العالم، واجتماعيا: كسر الحواجز التقليدية بتمكين المرأة من المشاركة في سوق العمل بشتى مجالاته، وفتح المجال للفنون والترفيه عبر فعاليات تعدت المحلية والإقليمية وصولا للعالمية مثل موسم الرياض، وسياسيا عزز وسمو ولي عهده الأمين - حفظها الله - مكانة السعودية كقوة إقليمية فاعلة، من خلال قيادة تحالف دولي لمحاربة الإرهاب، وتعزيز التعاون مع دول العالم في مجالات الطاقة والتجارة.
ويجسد سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان روح الجيل الجديد الذي يؤمن بأن المستقبل يصنع اليوم. وتحت مظلة الرؤية؛ قاد تحولات غير مسبوقة، اقتصاديا حيث خفَّض الاعتماد على النفط من خلال الاستثمار في قطاعات السياحة والصناعة والذكاء الاصطناعي، مع تطوير البنية التحتية الرقمية. وثقافيا حيث أعاد تعريف الهوية السعودية عبر دعم الأفكار الإبداعية، مثل تعزيز الإبداع الثقافي والفني والرياضي، وتوج آخرها بترشيح المملكة العربية السعودية لاستضافة أهم حدث رياضي في العام وهو كأس العالم لكرة القدم 2034 وغيرها من الفعاليات العالمية. واستراتيجيا حيث حول حفظه الله السعودية إلى جسر يربط بين الشرق والغرب عبر شراكات مع دول مثل الولايات المتحدة والصين في مشاريع الطاقة المتجددة وتكنولوجيا الفضاء.
ختاما، خلال ثلاثة قرون تفصل بين تأسيس الإمام محمد بن سعود للدولة السعودية الأولى، وبين طموحات رؤية 2030؛ يربط بينهما الإيمان بأن الوحدة والتكاتف والقيادة الحكيمة هي أساس البناء. فكما حوَّل الملك عبدالعزيز الصحراء إلى دولة موحدة، يعيد الملك سلمان وولي عهده تشكيل السعودية كواحة للابتكار، مع الحفاظ على إرثها وهويتها الوطنية؛ مستمدة قوتها من الله سبحانه ثم حكمة قيادتها ووعي أفراد شعبها.
0 تعليق