في العقدين الماضيين، شهد الشرق الأوسط تغيرات جيوسياسية عميقة، من بينها تصاعد التنافس الإقليمي بين تركيا وإسرائيل، خاصة في سورية. هذا التنافس لا يعزز فقط من توترات المنطقة، بل يسهم أيضًا في إعادة تشكيل موازين القوى، مما يدفع الباحثين للتساؤل عن مفهوم "فائض القوة" في سياق الشرق الأوسط. علاوة على ذلك، فإن السنوات الأخيرة قد شهدت أيضًا انسحاباً واضحاً وفشلاً للمشروع الإيراني في المنطقة، خصوصاً في سورية حيث تعرضت طهران لضغوطات شديدة بسبب التدخل العسكري الإسرائيلي المستمر الذي يهدف إلى كبح جماح نفوذها.اضافة اعلان
العقوبات الاقتصادية الغربية والإقليمية قد عززت من هذا الفشل، مما أثر سلباً على قدرة إيران على دعم حلفائها في المنطقة. كما أن الاستقطاب السياسي داخل إيران والتحديات الاقتصادية الداخلية قد أضعفت من قدرتها على توسيع نفوذها، مما يدفع المحللين إلى إعادة تقييم قوة إيران الإقليمية ومستقبل تأثيرها في الشرق الأوسط.
سورية، التي تمزقها الحرب منذ أكثر من عقد، باتت ساحة للصراعات الدولية والإقليمية، حيث يحاول كل من تركيا وإسرائيل تعزيز مصالحهما الإستراتيجية. تركيا، التي تشترك في حدود طويلة مع سورية، قد دخلت بشكل مباشر في الصراع، دعمًا للفصائل المسلحة التي تعارض نظام الأسد وتسعى لإقامة منطقة نفوذ تركية في شمال سورية. من ناحية أخرى، تركز إسرائيل جهودها على منع تمدد النفوذ الإيراني في سورية، وهو ما يتقاطع مع مصالحها الأمنية، خاصة بالقرب من هضبة الجولان.
التدخلات العسكرية والسياسية لكل من تركيا وإسرائيل في سورية تعكس أوسع من مجرد تنافس بين الدولتين؛ فهي تعكس أيضاً رغبة كل دولة في تعزيز مكانتها كقوة إقليمية رئيسة في الشرق الأوسط. تركيا تسعى للعودة كفاعل رئيسي في السياسات الشرق أوسطية من خلال "العثمانية الجديدة"، وهي إستراتيجية تهدف إلى توسيع نفوذها الثقافي والاقتصادي والعسكري في المنطقة. من جهتها، تستغل إسرائيل فائض قوتها العسكرية لضمان أمنها القومي وتعزيز حالة الردع في مواجهة إيران وحزب الله. هذا التوجه يعكس تطلع كل منهما للعب دور محوري في تشكيل مستقبل الشرق الأوسط، مع الأخذ في الاعتبار تأثيرات التغيرات الدولية والإقليمية. يتضمن ذلك محاولة تركيا إعادة رسم النفوذ العثماني عبر سياسات توسعية في ليبيا والبحر المتوسط وأجزاء من العراق وسورية، بينما تستمر إسرائيل في تعزيز تحالفاتها الإستراتيجية مع دول الخليج والغرب لتحقيق تفوق عسكري وتكنولوجي يضمن أمنها الإقليمي ضد التهديدات المحتملة.
مفهوم "فائض القوة" يشير إلى القدرة على استخدام القوة العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية لتحقيق أهداف سياسية دون المخاطرة بالأمن القومي الذاتي.
في حالة إسرائيل، تعتبر الدولة قوة عسكرية متفوقة في المنطقة، وهي تستخدم هذا الفائض في تعزيز نظام الردع ضد الأعداء المحتملين وفي تنفيذ عمليات خارج حدودها.
بالمقابل، تركيا تستخدم فائض قوتها لتعزيز نفوذها في المناطق المجاورة مثل سورية والعراق وليبيا، بالإضافة إلى تأمين مصالحها الاقتصادية والأمنية.
هذا الفائض يسمح للدولتين بالتأثير بشكل مباشر على السياسات الإقليمية والدولية، ويعطيهما ميزة في إعادة تشكيل التوازنات الإستراتيجية في الشرق الأوسط. إسرائيل، مثلاً، تستفيد من قوتها لتطوير تحالفات جديدة وتعزيز التعاون الأمني مع دول الخليج، بينما تحاول تركيا تأمين حدودها وتوسيع نطاق تأثيرها الجيوسياسي عبر عمليات عسكرية واتفاقيات دبلوماسية. هذا التوجه يكشف عن إستراتيجية مدروسة للحفاظ على السيطرة الإقليمية وضمان مصالحها الوطنية في مواجهة التحديات المتنوعة.
التنافس الإقليمي بين تركيا وإسرائيل يسلط الضوء على غياب فائض القوة العربي وضعف المشروع العربي في المنطقة. هذا الغياب يتجلى في استمرار النزاعات والأزمات دون حلول جذرية تحافظ على استقرار الدول العربية وتعزز من موقعها الإستراتيجي. تتقاطع مصالح القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا في الشرق الأوسط، حيث يحاول كل طرف تأمين مصالحه الأستراتيجية، مما يزيد من تعقيدات المشهد الإقليمي ويحول دون تحقيق توازن حقيقي يخدم الدول العربية.
وفي ظل هذا التنافس، تبرز الحاجة الماسة لإعادة تقييم الإستراتيجيات العربية لمواجهة تحديات العصر وتحقيق التنمية الشاملة. يجب على الدول العربية أن تعمل بشكل جماعي لبناء قدراتها الذاتية وتحقيق فائض القوة الذي يمكنها من لعب دور أكثر فعالية على الساحة الدولية. هذا يتطلب تعزيز التعاون الإقليمي والتكامل الاقتصادي، وكذلك تطوير القطاعات العسكرية والأمنية لضمان الاستقلالية والسيادة.
يظل التنافس الإقليمي بين تركيا وإسرائيل في سورية والشرق الأوسط عاملاً مهماً في تحديد مستقبل المنطقة. مع استمرار كل من الدولتين في تحقيق مكاسب إستراتيجية، يتوجب على المجتمع الدولي والقوى الإقليمية التعاون لإيجاد حلول تحفظ الأمن والاستقرار. كما يجب على الدول الأخرى في المنطقة أن تقيم تأثير فائض القوة هذا بدقة، وأن تسعى لاستخدامه في تعزيز السلام والتنمية المستدامة، بدلاً من تعزيز الصراعات والنزاعات.
التنافس الإقليمي وفائض القوة في الشرق الأوسط سورية نموذجا

التنافس الإقليمي وفائض القوة في الشرق الأوسط سورية نموذجا
0 تعليق