د. لويس حبيقة*
المزارعون يعانون معيشياً عالمياً والقطاع لا ينمو كما يجب، بل يعطي حصته الاقتصادية تدريجياً وبسرعة للخدمات واليوم للتكنولوجيا. ممَّ يعاني المزارع؟ من أمرين أساسيين هما انفتاح الأسواق عالمياً على الاستيراد والتي لا تخضع بالضرورة لنفس الشروط أي تباع بأسعار أقل والضحية هم المزارعون المحليون. ثانياً يعاني المزارعون من تكلفة الإنتاج المرتفعة، إذ يفرض عليهم استعمال أدوية وسماد مكلفة، وهذا غير مطلوب في كل الأسواق والدول. هذا يؤدي إلى منافسة قوية غير عادلة في أكثرية الدول النامية مع تكلفة إنتاج مرتفعة تدفع المزارعين إلى الانتفاضة.
يعاني المزارع العالمي وبنسب مختلفة طبعاً من دخله المنخفض الذي لا يسمح له بالعيش الكريم، في ظل التضخم العالمي الشامل الذي سببته الحروب والسياسات والوقائع السوداء. فالقطاعات التي توصل السلع الزراعية إلى المستهلك تكون عموماً مزدهرة أي الوسطاء وكذلك نقاط البيع أي المحلات التجارية الكبرى، بينما المزارع أي المصدر فقير ويعاني. هذا يظلم المزارع والمناطق الريفية وكل ما يساعدنا على التنفس النظيف. يعاني المزارعون أيضاً من الضرائب ومن الإجراءات والقوانين كالمواصفات المكلفة المفروضة والتي تحسن نوعية الإنتاج.
بالإضافة إلى ذلك، تفرض على المزارعين المحليين المنافسة من قبل أسواق خارجية سلعها أرخص ولا تخضع لنفس القواعد والضرائب والمواصفات. هنالك اتفاقيات تجارية قديمة وأخرى طور الإنجاز تظلم المزارعين المحليين، وتشجع بطرق غير مباشرة على شراء واستهلاك السلع المستوردة، وذلك في غياب المعلومات الصحيحة الواضحة. هنالك قوانين عدة في كل الدول يعتبرها المزارع ظالمة مرتبطة بالبيئة ترفع تكلفة الإنتاج وتخفض حجمه.
ما الذي يزعج مثلاً المزارع الفرنسي الذي أنزل آلياته مراراً إلى الطرق وسحبها بعد الوعود السخية من قبل الحكومة والتي لم تنفذ؟ عاد المزارعون إلى التظاهر وإقفال الطرق على أبواب المعرض الزراعي السنوي المهم جداً الذي افتتحه الرئيس الفرنسي. يعاني المزارع الفرنسي من ارتفاع تكلفة الوقود التي يحتاج لها للإنتاج. يطالب بالمساعدات المالية المباشرة أي الدعم كي يخفض أسعاره. مشاكله ترتبط أيضاً بتكلفة النقل وأسعار الأدوية والسماد الكيماوي، وبالتالي يطالب بإعطائه فرصة للنجاح في الأسواق ضمن قواعد الحياة والمنطق. تكمن المشكلة في أن الصراعات السياسية الممولة للحملات الانتخابية والأحزاب ترتكز على قطاع الخدمات والتجارة، ولا مصلحة لها بتقوية القطاع الأول المهم حياتياً والضعيف مادياً وسياسياً.
يعاني المزارع الإسباني مثلاً وغيره من الإجراءات الإدارية الثقيلة والمكلفة ومن الاتفاقيات التجارية التي لا تصبّ في مصلحته. فالحل لا يكمن في العنف وقطع الطرق، وإنما في تشكيل لوبي زراعي قوي في كل دول الوحدة الأوروبية وخارجها يُسهم في تغيير بعض السياسيين كما القوانين التي تسيء إلى الزراعة وتعزز أوضاع القطاعات الأخرى والسلع المستوردة. مشكلة الزراعة في كل مكان أنها ليست تقنية اقتصادية فقط، إنما أيضاً سياسية تنموية، حيث يحتسب السياسيون الأصوات المؤثرة على معاركهم الانتخابية، وهنا تخسر الزراعة، ويستمر إهمالها وإهمال حقوق المزارعين وبيئاتهم.
*كاتب لبناني
0 تعليق