عمان - مع بدء ظهور نتائج واعدة لما يسمى بــ"المياه الافتراضية"، و"البصمة المائية"، أكد خبراء في الشأن المائي، ضرورة الاستفادة من هذين التوجهين الجديدين لتشكيل حلقة ضمن سلسلة متصلة من إستراتيجية عامة للدولة لمواجهة العجز المائي وإدارة الموارد المائية الشحيحة وتحقيق الأمن الغذائي، وذلك عبر "تجارة المياه الافتراضية"، اضافة اعلان
وتعرف "المياه الافتراضية" بأنها كمية المياه المستهلكة لإنتاج السلع الزراعية التي يتم تصديرها إلى المناطق التي تعاني من ندرة المياه، ويمكن الاستفادة من هذا المصطلح عبر استيراد المحاصيل التي يحتاج إنتاجها إلى كميات مياه كبيرة، مقابل تصدير المحاصيل التي لا تحتاج إلى مياه كثيرة، وفي هذه الحالة يمكن اعتبار الفرق بين كميتي المياه المصدرة والمستوردة عبر المحاصيل هي "البصمة المائية"، مع الأخذ بالاعتبار أيضا تدفقات المياه المحلية.
وفيما دعا تقرير علمي متخصص صدر عن مجلة "نيتشر" العلمية، حصلت "الغد" على نسخة منه، إلى أهمية دراسة الاتجاهات والجهات الفاعلة الرئيسة والمنتجات المتداولة، والدوافع الرئيسة لتجارة المياه الافتراضية، أشار المختصون، في تصريحات لـ"الغد"، إلى ضرورة أن يتخذ الأردن إجراءات محددة من شأنها احتساب "البصمة المائية" لبعض المحاصيل والمنتجات الغذائية والزراعية.
ولفتوا إلى دور احتساب البصمة والمياه الافتراضية في استكشاف المخاطر والفرص المتعلقة بالمياه، ومن ثم تقييم أعمال إنتاج السلع والخدمات، ما سيمكن الدول وأصحاب الأعمال من تحديد المخاطر المتعلقة بالمياه، وما يجب القيام به لمنع الهدر وإدارة المياه والتحكم فيها.
وفي هذا السياق، أكد المدير التنفيذي للشبكة الإسلامية لتنمية وإدارة مصادر المياه (INWRDAM) د. مروان الرقاد، أهمية استثمار فرص تعزيز الإدارة الفعالة للمياه الافتراضية، والتي تتيح بدورها حماية الإمدادات المائية المحلية، وضمان استدامة الإنتاج الزراعي، خاصة في في بلد يعاني من ندرة المياه مثل الأردن.
وقال الرقاد إنه لتحقيق هذا التوازن "يتطلب الأمر اتباع نهج مبتكر وتعزيز التعاون الإقليمي، مع إعادة التفكير في كيفية إدارة الموارد المائية المشتركة".
وأضاف المدير التنفيذي للشبكة، إن مفهوم المياه الافتراضية، وهو قياس كمية المياه المستخدمة في الإنتاج الزراعي، يمثل ركيزة أساسية لتحقيق التوازن بين الأمن الغذائي وتصدير المنتجات الزراعية والحفاظ على الموارد المائية المحدودة.
وبين أنه يمكن للأردن، من خلال مواءمة استخدام المياه مع سياسات التجارة والتركيز على المحاصيل ذات البصمة المائية المنخفضة، الحفاظ على موارده المائية وتعزيز موقعه كمصدر زراعي رئيسي.
وأشار إلى مساهمة التعاون الإقليمي، خاصة مع الدول الواقعة في أعلى مجرى المياه مثل سورية، في تعزيز فرصة كبيرة لتعزيز إدارة المياه الافتراضية، مبينا أنه مع الدور الحيوي لسورية في تحرير المياه إلى الدول الواقعة في أسفل المجرى، يمكن أن تكون الاتفاقيات المتعلقة بالمياه الافتراضية أساساً لبناء الثقة، وتعزيز التعاون في مرحلة إعادة الإعمار بعد الصراع.
وأوضح أن هذه الاتفاقيات ستضمن التوزيع العادل للمياه مع تعزيز التجارة وتحقيق المصالح المشتركة، لافتا إلى إمكانية أن يقود الأردن مبادرات الغذاء والمياه الإقليمية أو ما يعرف بـ(Blue Green Deals)، التي تهدف إلى تعزيز الحفاظ على المياه، وبناء المرونة، وتحقيق السلام في منطقة تعاني من توترات سياسية، ولتكتمل دائرة الاستدامة ينبغي اعتبار الطاقة ضمن هذه المبادرات.
وتقنيا، اقترح الرقاد إمكانية تبني حلول متعددة لإدارة المياه الافتراضية بفعالية، من أبرزها؛ تطوير نظام إقليمي لمراقبة وتتبع البصمة المائية لكل منتج زراعي، ما يتيح للدول اتخاذ قرارات مبنية على بيانات دقيقة.
وذلك إلى جانب حلول تعزيز زراعة المحاصيل المحلية ذات الاستهلاك المنخفض للمياه، وتوظيف تقنيات الزراعة المائية والهيدروبونيك، ما سيقلل من الاعتماد على الموارد المائية التقليدية، وفق الرقاد الذي أشار أيضا إلى إمكانية الاستفادة من الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية، وتشغيل أنظمة المياه، وتقليل الانبعاثات وتعزيز الاستدامة.
وتابع أنه في الشبكة الإسلامية تم تحقيق خطوات كبيرة نحو تعزيز التعاون الإقليمي، منوها بأنه، من خلال مبادرة السلام الأزرق، تم استكمال تقييم إقليمي شامل لـ"البصمة المائية" في الشرق الأوسط، والذي يمكن أن يكون أساسًا لاتخاذ قرارات تعاونية.
كما تم إنشاء مجتمع الممارسين لترابط المياه والطاقة والغذاء والبيئة (WEFE Nexus) في منطقة البحر الأحمر، والذي يوفر منصة لتعزيز مفاهيم الاستدامة وكفاءة الموارد، وبناء المرونة للأجيال القادمة.
وقال الرقاد إن هذه المبادرات "تؤكد أهمية الأطر المشتركة والجهود التعاونية، ليس فقط للحفاظ على المياه، ولكن أيضًا لبناء الثقة والسلام في الشرق الأوسط"، مشددا على ضرورة تحقيق التوازن بين الأمن الغذائي والتجارة الإقليمية للغذاء، وهو ما يتطلب نهجا إستراتيجيا يركز على تعزيز الإنتاج المحلي، مع الحفاظ على شراكات تجارية إقليمية مستدامة.
وأوضح "أن الاعتماد المفرط على استيراد الغذاء قد يشكل خطراً على الأمن الوطني في أوقات الأزمات أو اضطرابات سلاسل الإمداد العالمية"، داعيا في هذا الإطار دولا كالأردن نحو "تعزيز زراعة المحاصيل الأساسية محليا باستخدام تقنيات مستدامة وفعالة من حيث استخدام المياه، مع الاستفادة من الاتفاقيات الإقليمية لتبادل السلع الغذائية ذات الميزة التنافسية".
واعتبر أن هذا النهج يُمكن أن يقلل من المخاطر المرتبطة بالاعتماد الخارجي مع الاستمرار في دعم التعاون الإقليمي، لضمان استقرار الأسواق وتعزيز التكامل الاقتصادي بين دول المنطقة.
بدوره، أشار الأمين العام الأسبق لسلطة المياه إياد الدحيات إلى احتياج الأردن إلى كمية مياه تصل إلى 11 مليار متر مكعب من المياه لتحقيق الاكتفاء الذاتي لإنتاج الغذاء، لا تتوفر منها للقطاع الزراعي سوى ما نسبته %5، وبالتالي "يعتمد الأردن على استيراد المنتجات الغذائية والحيوانيّة الغنية بالمياه الافتراضية لسد احتياجاته الغذائية".
وقال الدحيات إن هذا يبرز مفهوم البصمة المائية، وهي الكمية الكلية من المياه المستهلكة في إنتاج محصول أو سلعة من أي مصدر مائي كان، سواء كان مياها جوفية، سطحية، أمطار، أو مياها معالجة.
وسلّط الأمين العام الأسبق لـ"المياه" الضوء على ضرورة قيام المؤسسات المعنية في الأردن، باتخاذ إجراءات محددة لتعزيز واستثمار مساهمات تلك المياه، مبينا أن من ضمنها؛ تصنيف المنتجات الغذائية والزراعية بحسب بصمتها المائية، واعتماد تلك المحاصيل والمنتجات ذات البصمة المعتدلة، واستبعاد ذات البصمة المائية العالية من الخطط الزراعية واستيرادها من الدول الأخرى.
وذلك إلى جانب رفع كفاءة أنظمة الري وتحديثها وفقا لأفضل الممارسات والتكنولوجيا، وإيقاف إساءة استخدام المياه في الري، بالإضافة إلى تصنيف المياه كسلعة اقتصادية تدخل في عمليات الإنتاج باعتبارها مادة أولية يجب أن يكون لها سعرها العادل، وبالتالي تسعيرها وفقا للرسوم التصاعدية وكميات الاستهلاك بشكل اقتصادي.
وعرّف الدحيات المياه الافتراضية بأنها مجموع كمية المياه المستخدمة لإنتاج سلعة معينة وكل مراحل التصنيع وهي المحتوى المائي لأي منتج، مضيفا: "ومن منظور أشمل؛ هي كمية المياه الداخلة في إنتاج الأغذية أو المنتجات ويتم استيرادها وتصديرها من خلال السلع المختلفة".
وتعتمد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اعتمادا كبيرا على المياه الافتراضية لتغذية سكانها المتزايد عددهم بسرعة، وفق الدحيات الذي أشار إلى إمكانية قيام الدول التي تعاني فقرا مائيا، بالتقليل من زراعة المحاصيل الكثيفة في استخدام المياه، وتعتمد على استيرادها من الدول ذات الوفرة المائية، وبهذه الطريقة تحقق الدول المستوردة توفيرا في المياه من خلال تجارة المياه الافتراضية.
من جانبها، لفتت الخبيرة الأردنية في دبلوماسية المياه ميسون الزعبي إلى الدور المهم حيال إمكانية مساهمة واردات المياه الافتراضية في تخفيف الضغط على الموارد المائية، مضيفة أنه "في البلدان التي تعاني من ندرة المياه، من الأفضل استيراد المياه الافتراضية عن طريق استيراد الأغذية بدلاً من استخدام المياه المحلية الشحيحة".
ونبهت الزعبي إلى الحاجة لتحديد المتطلبات المائية الحالية والمستقبلية، وإجراء مسح شامل لإمدادات المياه، وتنويع قاعدة الاقتصاد الوطني، والتسعير المناسب، وزيادة كفاءة استخدام المياه في الزراعة، واعتماد نظم إنتاج زراعي أقل استهلاكاً للمياه والتركيز على استيراد المنتجات الزراعية الأكثر استهلاكاً للمياه.
وذلك إلى جانب تعزيز التنمية الزراعية المستدامة، من خلال تحديد ما يتم إنتاجه واستيراده، لتقليل الفجوة المقدرة في تجارة المياه.
وبينت الخبيرة في "دبلوماسية المياه" أن أحد الخيارات لزيادة الأمن الغذائي، يتمثل في الدخول بشراكات مع شركات إنتاج الأغذية الدولية، وبالتالي الحصول على حصة في هذه الشركات، مشيرة إلى إمكانية قيام الحكومة أيضا بتشجيع الشركات الخاصة المحلية على شراء أو استئجار الأراضي في الخارج لإنتاج محاصيل للاستهلاك المحلي.
وقالت الزعبي إن المياه تعد إحدى القضايا الأساسية للأمن القومي لأي دولة، مضيفة إنه في ظل ندرة الموارد الطبيعية من المياه العذبة وتناميها، وتعدد استخداماتها في دول عديدة، قد ينتج عنها مشاكل واضطرابات قد تؤدي إلى نشوب حروب بين الدول من أجل تأمين مصادر كافية من المياه لمواطنيها.
وتابعت: "ولهذا هناك حاجة لدراسة هذه القضية من منظور مختلف قد يساهم في التقليل من المشاكل الناتجة عن الصراعات الدولية والإقليمية لتأمين المياه"، لافتة إلى أن التجارة الافتراضية للمياه، تعد أحد هذه البدائل الممكنة التي يمكن أن تساهم في حل المشكلة.
وقالت "إن الزيادة الهائلة في عدد سكان الأردن وما يصاحبها من زيادة في الطلب على المياه العذبة لأغراض مختلفة، مثل أغراض الشرب والزراعة وبعض الاستخدامات الصناعية، حولت المياه العذبة إلى مورد طبيعي نادر لا يكفي لتلبية الاحتياجات البشرية".
وفي ضوء ندرة الموارد المائية على المستوى الوطني والعالمي، استحدث العلماء مفهوما جديدا يسمى "البصمة المائية" لحسابات المياه، حيث تساهم البصمة المائية بشكل عام في وضع كل دولة على خريطة الاحتياج العالمي للموارد المائية، وتكشف بصمتها عن مدى اتساق استهلاكها مع مواردها واحتياجاتها المائية، وفق الزعبي.
ومن أحد الحلول التي تلجأ إليها الدول التي تعاني من الفقر المائي من أجل تحقيق الأمن المائي، هو استيراد المحاصيل الزراعية كثيفة الاستهلاك للمياه وتصدير المحاصيل التي لا تحتاج إلى مياه ري كثيرة، وهو ما يعرف عالمياً بمفهوم "المياه الافتراضية"، وفق الزعبي التي بينت أن هذا المفهوم "حديث نسبياً ظهر في منتصف التسعينيات".
وبحسب الزعبي، فإن المياه الافتراضية هي كمية المياه المستهلكة لإنتاج السلع الزراعية التي يتم تصديرها إلى المناطق التي تعاني من ندرة المياه، لذلك يمكن اعتبار التجارة الدولية للأغذية بمثابة تجارة في المياه الافتراضية.
فعلى سبيل المثال، يتطلب إنتاج كيلوغرام واحد من الأرز حوالي 2,500 لتر من المياه، لذلك عندما يستورد الأردن الأرز، فإنه يستورد أيضاً المياه التي استخدمت لإنتاج هذه السلعة.
وأشارت إلى مساهمة احتساب البصمة المائية والمياه الافتراضية، في استكشاف المخاطر والفرص المتعلقة بالمياه، ومن ثم تقييم أعمال إنتاج السلع والخدمات، ما سيمكن البلدان وأصحاب الأعمال من تحديد المخاطر المتعلقة بالمياه، وما يجب القيام به لمنع الهدر وإدارة المياه والتحكم فيها.
وشددت على أهمية المياه الافتراضية كأداة للحفاظ على الموارد المائية وزيادة كفاءة استخدامها، وكذلك حدود وأبعاد تجارة المياه الافتراضية، منوهة بضرورة تقييم ذلك من خلال مسح أهم الدراسات الميدانية ذات الصلة المباشرة بالموضوع.
وتابعت أنه رغم نتائج واعدة من حيث الأثر الإيجابي الذي قد ينتج عن الاستفادة من التجارة الافتراضية للمياه، إلا أنها يجب أن تكون حلقة في سلسلة متصلة من إستراتيجية عامة للدولة لمواجهة العجز المائي وإدارة الموارد المائية الشحيحة.
وفي هذا الصدد، يمكن استخدام مفاهيم مثل البصمة المائية لتحديد كمية المياه المستخدمة في إنتاج السلع والمحاصيل المختلفة، ومن ثم ترتيب أولويات إنتاجها حسب أهميتها للأمن القومي، وفي ضوء استهلاكها المائي، بحسبها.
وأوضحت أن الفهم الشامل لتأثير تجارة المياه الافتراضية، يرتبط بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بالأمن الغذائي للبلد وتعزيز نموه الاقتصادي والقضاء على الفقر، وبالتالي يجب أن يكون جزءا من سياسة عامة للدولة تأخذ بالاعتبار الأبعاد المختلفة لأمنها القومي، وأهمها الأمن الغذائي.
وبينت أن التجارة الافتراضية للمياه هي مفتاح تحقيق الأمن المائي والأمن الغذائي على حد سواء، إذ يمكن اعتبار المياه الافتراضية الخيار الأهم لمواجهة تحدي توفير الأمن الغذائي المرتبط إلى حد كبير بالأمن المائي من خلال التجارة الافتراضية للمياه، لاسيما وأن تحقيق الأمن الغذائي هو أحد أهم أولويات الدول.
وتؤدي معرفة المحتوى المائي لمختلف السلع والخدمات إلى زيادة وعي الناس بتأثير إنتاج هذه المنتجات على الموارد المائية المحلية، ما يشجعهم على الحد من زراعة المنتجات الغذائية كثيفة الاستهلاك للمياه واستيرادها من البلدان الوفيرة بالمياه، وبهذه الطريقة تحقق البلدان المستوردة وفورات من خلال التجارة الافتراضية للمياه، وفق الزعبي.
إلى ذلك، دعا التقرير العلمي الصادر عن مجلة "نيتشر" الدولية أخيرا، والذي حمل عنوانه "الاتجاهات والتأثيرات البيئية لتجارة المياه الافتراضية"، إلى أهمية تصنيف المياه الافتراضية، والمياه المضمنة في إنتاج السلع، وتقديم رؤى مفيدة حول التفاعل المعقد بين المياه والتجارة والاستدامة.
كما أشار إلى دراسة الاتجاهات والجهات الفاعلة الرئيسة والمنتجات المتداولة والدوافع الرئيسة لتجارة المياه الافتراضية، مضيفا إنه يتم تداول نحو 20 % من المياه المستخدمة في إنتاج الغذاء العالمي، افتراضيا بدلا من استهلاكها محليا.
وعلى هذا النحو، تهيمن الزراعة على تجارة المياه الافتراضية، حيث تساهم منتجات الثروة الحيوانية والقمح والذرة وفول الصويا ونخيل الزيت والقهوة والكاكاو بأكثر من 70 % من إجمالي تجارة المياه الافتراضية.
وبين التقرير ذاته أن هذه المنتجات تعمل على دفع نمو تجارة المياه الافتراضية، حيث زاد حجمها 2.9 مرة من العام 1986 إلى العام 2022.
وتعرف "المياه الافتراضية" بأنها كمية المياه المستهلكة لإنتاج السلع الزراعية التي يتم تصديرها إلى المناطق التي تعاني من ندرة المياه، ويمكن الاستفادة من هذا المصطلح عبر استيراد المحاصيل التي يحتاج إنتاجها إلى كميات مياه كبيرة، مقابل تصدير المحاصيل التي لا تحتاج إلى مياه كثيرة، وفي هذه الحالة يمكن اعتبار الفرق بين كميتي المياه المصدرة والمستوردة عبر المحاصيل هي "البصمة المائية"، مع الأخذ بالاعتبار أيضا تدفقات المياه المحلية.
وفيما دعا تقرير علمي متخصص صدر عن مجلة "نيتشر" العلمية، حصلت "الغد" على نسخة منه، إلى أهمية دراسة الاتجاهات والجهات الفاعلة الرئيسة والمنتجات المتداولة، والدوافع الرئيسة لتجارة المياه الافتراضية، أشار المختصون، في تصريحات لـ"الغد"، إلى ضرورة أن يتخذ الأردن إجراءات محددة من شأنها احتساب "البصمة المائية" لبعض المحاصيل والمنتجات الغذائية والزراعية.
ولفتوا إلى دور احتساب البصمة والمياه الافتراضية في استكشاف المخاطر والفرص المتعلقة بالمياه، ومن ثم تقييم أعمال إنتاج السلع والخدمات، ما سيمكن الدول وأصحاب الأعمال من تحديد المخاطر المتعلقة بالمياه، وما يجب القيام به لمنع الهدر وإدارة المياه والتحكم فيها.
وفي هذا السياق، أكد المدير التنفيذي للشبكة الإسلامية لتنمية وإدارة مصادر المياه (INWRDAM) د. مروان الرقاد، أهمية استثمار فرص تعزيز الإدارة الفعالة للمياه الافتراضية، والتي تتيح بدورها حماية الإمدادات المائية المحلية، وضمان استدامة الإنتاج الزراعي، خاصة في في بلد يعاني من ندرة المياه مثل الأردن.
وقال الرقاد إنه لتحقيق هذا التوازن "يتطلب الأمر اتباع نهج مبتكر وتعزيز التعاون الإقليمي، مع إعادة التفكير في كيفية إدارة الموارد المائية المشتركة".
وأضاف المدير التنفيذي للشبكة، إن مفهوم المياه الافتراضية، وهو قياس كمية المياه المستخدمة في الإنتاج الزراعي، يمثل ركيزة أساسية لتحقيق التوازن بين الأمن الغذائي وتصدير المنتجات الزراعية والحفاظ على الموارد المائية المحدودة.
وبين أنه يمكن للأردن، من خلال مواءمة استخدام المياه مع سياسات التجارة والتركيز على المحاصيل ذات البصمة المائية المنخفضة، الحفاظ على موارده المائية وتعزيز موقعه كمصدر زراعي رئيسي.
وأشار إلى مساهمة التعاون الإقليمي، خاصة مع الدول الواقعة في أعلى مجرى المياه مثل سورية، في تعزيز فرصة كبيرة لتعزيز إدارة المياه الافتراضية، مبينا أنه مع الدور الحيوي لسورية في تحرير المياه إلى الدول الواقعة في أسفل المجرى، يمكن أن تكون الاتفاقيات المتعلقة بالمياه الافتراضية أساساً لبناء الثقة، وتعزيز التعاون في مرحلة إعادة الإعمار بعد الصراع.
وأوضح أن هذه الاتفاقيات ستضمن التوزيع العادل للمياه مع تعزيز التجارة وتحقيق المصالح المشتركة، لافتا إلى إمكانية أن يقود الأردن مبادرات الغذاء والمياه الإقليمية أو ما يعرف بـ(Blue Green Deals)، التي تهدف إلى تعزيز الحفاظ على المياه، وبناء المرونة، وتحقيق السلام في منطقة تعاني من توترات سياسية، ولتكتمل دائرة الاستدامة ينبغي اعتبار الطاقة ضمن هذه المبادرات.
وتقنيا، اقترح الرقاد إمكانية تبني حلول متعددة لإدارة المياه الافتراضية بفعالية، من أبرزها؛ تطوير نظام إقليمي لمراقبة وتتبع البصمة المائية لكل منتج زراعي، ما يتيح للدول اتخاذ قرارات مبنية على بيانات دقيقة.
وذلك إلى جانب حلول تعزيز زراعة المحاصيل المحلية ذات الاستهلاك المنخفض للمياه، وتوظيف تقنيات الزراعة المائية والهيدروبونيك، ما سيقلل من الاعتماد على الموارد المائية التقليدية، وفق الرقاد الذي أشار أيضا إلى إمكانية الاستفادة من الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية، وتشغيل أنظمة المياه، وتقليل الانبعاثات وتعزيز الاستدامة.
وتابع أنه في الشبكة الإسلامية تم تحقيق خطوات كبيرة نحو تعزيز التعاون الإقليمي، منوها بأنه، من خلال مبادرة السلام الأزرق، تم استكمال تقييم إقليمي شامل لـ"البصمة المائية" في الشرق الأوسط، والذي يمكن أن يكون أساسًا لاتخاذ قرارات تعاونية.
كما تم إنشاء مجتمع الممارسين لترابط المياه والطاقة والغذاء والبيئة (WEFE Nexus) في منطقة البحر الأحمر، والذي يوفر منصة لتعزيز مفاهيم الاستدامة وكفاءة الموارد، وبناء المرونة للأجيال القادمة.
وقال الرقاد إن هذه المبادرات "تؤكد أهمية الأطر المشتركة والجهود التعاونية، ليس فقط للحفاظ على المياه، ولكن أيضًا لبناء الثقة والسلام في الشرق الأوسط"، مشددا على ضرورة تحقيق التوازن بين الأمن الغذائي والتجارة الإقليمية للغذاء، وهو ما يتطلب نهجا إستراتيجيا يركز على تعزيز الإنتاج المحلي، مع الحفاظ على شراكات تجارية إقليمية مستدامة.
وأوضح "أن الاعتماد المفرط على استيراد الغذاء قد يشكل خطراً على الأمن الوطني في أوقات الأزمات أو اضطرابات سلاسل الإمداد العالمية"، داعيا في هذا الإطار دولا كالأردن نحو "تعزيز زراعة المحاصيل الأساسية محليا باستخدام تقنيات مستدامة وفعالة من حيث استخدام المياه، مع الاستفادة من الاتفاقيات الإقليمية لتبادل السلع الغذائية ذات الميزة التنافسية".
واعتبر أن هذا النهج يُمكن أن يقلل من المخاطر المرتبطة بالاعتماد الخارجي مع الاستمرار في دعم التعاون الإقليمي، لضمان استقرار الأسواق وتعزيز التكامل الاقتصادي بين دول المنطقة.
بدوره، أشار الأمين العام الأسبق لسلطة المياه إياد الدحيات إلى احتياج الأردن إلى كمية مياه تصل إلى 11 مليار متر مكعب من المياه لتحقيق الاكتفاء الذاتي لإنتاج الغذاء، لا تتوفر منها للقطاع الزراعي سوى ما نسبته %5، وبالتالي "يعتمد الأردن على استيراد المنتجات الغذائية والحيوانيّة الغنية بالمياه الافتراضية لسد احتياجاته الغذائية".
وقال الدحيات إن هذا يبرز مفهوم البصمة المائية، وهي الكمية الكلية من المياه المستهلكة في إنتاج محصول أو سلعة من أي مصدر مائي كان، سواء كان مياها جوفية، سطحية، أمطار، أو مياها معالجة.
وسلّط الأمين العام الأسبق لـ"المياه" الضوء على ضرورة قيام المؤسسات المعنية في الأردن، باتخاذ إجراءات محددة لتعزيز واستثمار مساهمات تلك المياه، مبينا أن من ضمنها؛ تصنيف المنتجات الغذائية والزراعية بحسب بصمتها المائية، واعتماد تلك المحاصيل والمنتجات ذات البصمة المعتدلة، واستبعاد ذات البصمة المائية العالية من الخطط الزراعية واستيرادها من الدول الأخرى.
وذلك إلى جانب رفع كفاءة أنظمة الري وتحديثها وفقا لأفضل الممارسات والتكنولوجيا، وإيقاف إساءة استخدام المياه في الري، بالإضافة إلى تصنيف المياه كسلعة اقتصادية تدخل في عمليات الإنتاج باعتبارها مادة أولية يجب أن يكون لها سعرها العادل، وبالتالي تسعيرها وفقا للرسوم التصاعدية وكميات الاستهلاك بشكل اقتصادي.
وعرّف الدحيات المياه الافتراضية بأنها مجموع كمية المياه المستخدمة لإنتاج سلعة معينة وكل مراحل التصنيع وهي المحتوى المائي لأي منتج، مضيفا: "ومن منظور أشمل؛ هي كمية المياه الداخلة في إنتاج الأغذية أو المنتجات ويتم استيرادها وتصديرها من خلال السلع المختلفة".
وتعتمد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اعتمادا كبيرا على المياه الافتراضية لتغذية سكانها المتزايد عددهم بسرعة، وفق الدحيات الذي أشار إلى إمكانية قيام الدول التي تعاني فقرا مائيا، بالتقليل من زراعة المحاصيل الكثيفة في استخدام المياه، وتعتمد على استيرادها من الدول ذات الوفرة المائية، وبهذه الطريقة تحقق الدول المستوردة توفيرا في المياه من خلال تجارة المياه الافتراضية.
من جانبها، لفتت الخبيرة الأردنية في دبلوماسية المياه ميسون الزعبي إلى الدور المهم حيال إمكانية مساهمة واردات المياه الافتراضية في تخفيف الضغط على الموارد المائية، مضيفة أنه "في البلدان التي تعاني من ندرة المياه، من الأفضل استيراد المياه الافتراضية عن طريق استيراد الأغذية بدلاً من استخدام المياه المحلية الشحيحة".
ونبهت الزعبي إلى الحاجة لتحديد المتطلبات المائية الحالية والمستقبلية، وإجراء مسح شامل لإمدادات المياه، وتنويع قاعدة الاقتصاد الوطني، والتسعير المناسب، وزيادة كفاءة استخدام المياه في الزراعة، واعتماد نظم إنتاج زراعي أقل استهلاكاً للمياه والتركيز على استيراد المنتجات الزراعية الأكثر استهلاكاً للمياه.
وذلك إلى جانب تعزيز التنمية الزراعية المستدامة، من خلال تحديد ما يتم إنتاجه واستيراده، لتقليل الفجوة المقدرة في تجارة المياه.
وبينت الخبيرة في "دبلوماسية المياه" أن أحد الخيارات لزيادة الأمن الغذائي، يتمثل في الدخول بشراكات مع شركات إنتاج الأغذية الدولية، وبالتالي الحصول على حصة في هذه الشركات، مشيرة إلى إمكانية قيام الحكومة أيضا بتشجيع الشركات الخاصة المحلية على شراء أو استئجار الأراضي في الخارج لإنتاج محاصيل للاستهلاك المحلي.
وقالت الزعبي إن المياه تعد إحدى القضايا الأساسية للأمن القومي لأي دولة، مضيفة إنه في ظل ندرة الموارد الطبيعية من المياه العذبة وتناميها، وتعدد استخداماتها في دول عديدة، قد ينتج عنها مشاكل واضطرابات قد تؤدي إلى نشوب حروب بين الدول من أجل تأمين مصادر كافية من المياه لمواطنيها.
وتابعت: "ولهذا هناك حاجة لدراسة هذه القضية من منظور مختلف قد يساهم في التقليل من المشاكل الناتجة عن الصراعات الدولية والإقليمية لتأمين المياه"، لافتة إلى أن التجارة الافتراضية للمياه، تعد أحد هذه البدائل الممكنة التي يمكن أن تساهم في حل المشكلة.
وقالت "إن الزيادة الهائلة في عدد سكان الأردن وما يصاحبها من زيادة في الطلب على المياه العذبة لأغراض مختلفة، مثل أغراض الشرب والزراعة وبعض الاستخدامات الصناعية، حولت المياه العذبة إلى مورد طبيعي نادر لا يكفي لتلبية الاحتياجات البشرية".
وفي ضوء ندرة الموارد المائية على المستوى الوطني والعالمي، استحدث العلماء مفهوما جديدا يسمى "البصمة المائية" لحسابات المياه، حيث تساهم البصمة المائية بشكل عام في وضع كل دولة على خريطة الاحتياج العالمي للموارد المائية، وتكشف بصمتها عن مدى اتساق استهلاكها مع مواردها واحتياجاتها المائية، وفق الزعبي.
ومن أحد الحلول التي تلجأ إليها الدول التي تعاني من الفقر المائي من أجل تحقيق الأمن المائي، هو استيراد المحاصيل الزراعية كثيفة الاستهلاك للمياه وتصدير المحاصيل التي لا تحتاج إلى مياه ري كثيرة، وهو ما يعرف عالمياً بمفهوم "المياه الافتراضية"، وفق الزعبي التي بينت أن هذا المفهوم "حديث نسبياً ظهر في منتصف التسعينيات".
وبحسب الزعبي، فإن المياه الافتراضية هي كمية المياه المستهلكة لإنتاج السلع الزراعية التي يتم تصديرها إلى المناطق التي تعاني من ندرة المياه، لذلك يمكن اعتبار التجارة الدولية للأغذية بمثابة تجارة في المياه الافتراضية.
فعلى سبيل المثال، يتطلب إنتاج كيلوغرام واحد من الأرز حوالي 2,500 لتر من المياه، لذلك عندما يستورد الأردن الأرز، فإنه يستورد أيضاً المياه التي استخدمت لإنتاج هذه السلعة.
وأشارت إلى مساهمة احتساب البصمة المائية والمياه الافتراضية، في استكشاف المخاطر والفرص المتعلقة بالمياه، ومن ثم تقييم أعمال إنتاج السلع والخدمات، ما سيمكن البلدان وأصحاب الأعمال من تحديد المخاطر المتعلقة بالمياه، وما يجب القيام به لمنع الهدر وإدارة المياه والتحكم فيها.
وشددت على أهمية المياه الافتراضية كأداة للحفاظ على الموارد المائية وزيادة كفاءة استخدامها، وكذلك حدود وأبعاد تجارة المياه الافتراضية، منوهة بضرورة تقييم ذلك من خلال مسح أهم الدراسات الميدانية ذات الصلة المباشرة بالموضوع.
وتابعت أنه رغم نتائج واعدة من حيث الأثر الإيجابي الذي قد ينتج عن الاستفادة من التجارة الافتراضية للمياه، إلا أنها يجب أن تكون حلقة في سلسلة متصلة من إستراتيجية عامة للدولة لمواجهة العجز المائي وإدارة الموارد المائية الشحيحة.
وفي هذا الصدد، يمكن استخدام مفاهيم مثل البصمة المائية لتحديد كمية المياه المستخدمة في إنتاج السلع والمحاصيل المختلفة، ومن ثم ترتيب أولويات إنتاجها حسب أهميتها للأمن القومي، وفي ضوء استهلاكها المائي، بحسبها.
وأوضحت أن الفهم الشامل لتأثير تجارة المياه الافتراضية، يرتبط بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بالأمن الغذائي للبلد وتعزيز نموه الاقتصادي والقضاء على الفقر، وبالتالي يجب أن يكون جزءا من سياسة عامة للدولة تأخذ بالاعتبار الأبعاد المختلفة لأمنها القومي، وأهمها الأمن الغذائي.
وبينت أن التجارة الافتراضية للمياه هي مفتاح تحقيق الأمن المائي والأمن الغذائي على حد سواء، إذ يمكن اعتبار المياه الافتراضية الخيار الأهم لمواجهة تحدي توفير الأمن الغذائي المرتبط إلى حد كبير بالأمن المائي من خلال التجارة الافتراضية للمياه، لاسيما وأن تحقيق الأمن الغذائي هو أحد أهم أولويات الدول.
وتؤدي معرفة المحتوى المائي لمختلف السلع والخدمات إلى زيادة وعي الناس بتأثير إنتاج هذه المنتجات على الموارد المائية المحلية، ما يشجعهم على الحد من زراعة المنتجات الغذائية كثيفة الاستهلاك للمياه واستيرادها من البلدان الوفيرة بالمياه، وبهذه الطريقة تحقق البلدان المستوردة وفورات من خلال التجارة الافتراضية للمياه، وفق الزعبي.
إلى ذلك، دعا التقرير العلمي الصادر عن مجلة "نيتشر" الدولية أخيرا، والذي حمل عنوانه "الاتجاهات والتأثيرات البيئية لتجارة المياه الافتراضية"، إلى أهمية تصنيف المياه الافتراضية، والمياه المضمنة في إنتاج السلع، وتقديم رؤى مفيدة حول التفاعل المعقد بين المياه والتجارة والاستدامة.
كما أشار إلى دراسة الاتجاهات والجهات الفاعلة الرئيسة والمنتجات المتداولة والدوافع الرئيسة لتجارة المياه الافتراضية، مضيفا إنه يتم تداول نحو 20 % من المياه المستخدمة في إنتاج الغذاء العالمي، افتراضيا بدلا من استهلاكها محليا.
وعلى هذا النحو، تهيمن الزراعة على تجارة المياه الافتراضية، حيث تساهم منتجات الثروة الحيوانية والقمح والذرة وفول الصويا ونخيل الزيت والقهوة والكاكاو بأكثر من 70 % من إجمالي تجارة المياه الافتراضية.
وبين التقرير ذاته أن هذه المنتجات تعمل على دفع نمو تجارة المياه الافتراضية، حيث زاد حجمها 2.9 مرة من العام 1986 إلى العام 2022.
0 تعليق