حوار: مسعد عبد الوهاب
تعيدني ذاكرتي إلى ذلك اليوم الذي كدت أسقط فيه في رحلتي مع حركة الحياة، حيث المشهد الذي احتضني أبي وضمني إلى صدره قائلاً: «أنا لن أتخلى عنك حتى أموت».
هكذا كانت استهلالية الفارس محمد سالم هيف الحمادي لحواره مع «الخليج الرياضي» الذي نستعرض من خلاله مسيرته الرياضية مع الفروسية، تلك البداية لفارس مميز من أبناء الوطن تجسد لمسة وفاء وتعبير عن رد الجميل، حين قال إنه لولا والده لما كان وصل إلى ما وصل إليه من نجومية في عالم الفروسية، ويكفي للتأكيد على ذلك أنه يلعب الآن لواحد من أكبر وأقوى الإسطبلات في الدولة «إم آر إم».
حضن الأب الحنون كان له الأثر والتأثير في محمد الذي تنم كلماته عن وفائه وحبه الشديد لأبيه فهو الداعم الأول الذي يضيء له دروبه، كما يمتاز الفارس الطموح بقوة ذاكرته، إذ يوثق بالتواريخ والأرقام مسيرته التي لم تخل من المفارقات، كما لم يعرف الاستسلام فخاصية الإرادة الفولاذية التي اكتسبها من والده التربوي العريق سالم محمد هيف الحمادي، جعلته متحدياً بالفطرة.
استعرضنا مع محمد، محطات مسيرته التي ما زالت مستمرة، لكنه يتطلع بشغف للموسم القادم الذي ينتظره ليكسر فيه الرقم 4 صعوداً باتجاه منصة التتويج التي أصبحت حلمه، وهنا نص الحوار:
* حدثنا عن بدايتك مع رياضة الفروسية؟
- في مستهل كلامي أود التأكيد على حقيقة مهمة في حياتي، بل هي المنطلق والدافع والباعث لتفاعلي مع حركة الحياة والناس وأرددها بفخر دائماً وهي أنه لولا أبي ما كنت وصلت إلى المكان الذي أوجد فيه الآن في مشواري مع الفروسية.
* ما هي أول محطة في حياتك بصفتك فارساً؟
- بدأت ممارسة الفروسية وأنا بعمر 10 سنوات، أبي أخذني إلى نادي الشارقة للفروسية وقدمني إلى مدير النادي سلطان اليحيائي، ومن هناك بدأت مسيرتي مع الفروسية في تخصص قفز الحواجز، ولابد من الإشارة إلى أنني تأسست على يد المرحومة المدربة سهيلة وكنت وقتها بعمر 10 سنوات في الفترة ما بين 2010 و2012، وكان والدي وسندي الأول هو من يصحبني يومياً إلى النادي ويظل منتظراً حتى أنتهي من التدريبات ثم نعود إلى المنزل ويسدي إلي بعض النصائح فهو أيضاً من محبي وعشاق الفروسية عقب ذلك اشترى لي فرساً في عام 2013، أنا خريج الثانوية العسكرية في العين 2015، وحالياً أدرس في كلية الأفق، وعندما حالت ظروفي دون إكمال دراستي في كلية خليفة العسكرية بسبب ظروف قهرية مررت بها، كنت محبطاً للغاية وفي اليوم الأخير لي في هذا الصرح الشامخ، وبعد خروجي من البوابة شعرت بغصة ومرارة وفي هذه اللحظة التي كدت أسقط فيها على الأرض من شدة التأثر وجدت أبي أمامي ينتظرني خارج باب الكلية، وقال لي كلمة لم ولن أنساها في حياتي (أنا ما بتخلى عنك أبداً لين أموت، ثم احتضنني هذه الجملة ما بنساها وعندما أتذكرها تصيبني قشعريرة).
دعم تربوي
* واضح تأثرك الشديد بوالدك هل من باب الامتنان؟
- نعم متأثر بوالدي فهو بالأساس تربوي فاضل وأقولها بكل فخر واعتزاز وهذا ليس من باب بر الوالدين فقط والاعتراف بفضل أبي كما أمر الله عز وجل، بل أيضاً من المواقف الإنسانية النبيلة، لقد أسرني جميل صنع أبي معي فلولاه ما كنت فارساً، فهو الداعم القوي لي، ومن ضمن تلك المواقف أنه فاجأني يوماً واصطحبني إلى مزرعة خيول، وقال لي اختر ما تريد، واشترى لي فرساً وسماها «هيف» فكانت السبب الرئيسي في أن أتوجه من قفز الحواجز إلى القدرة.
سبب التحول إلى القدرة
* تبدو متأثراً بالفرس هيف هل هي سر تحولك إلى القدرة؟
- نعم الفرس هيف مثلت علامة فارقة في مسيرتي، فعندما أخذني والدي إلى مزرعة، وقال لي: «اختار الخيل اللي يعجبك طاحت عيني على هذي الفرس وكان عمرها 5 سنوات والوالد هو من اختار الاسم»، وذات مرة التقيت عدداً من الشباب أصدقائي الفرسان وخضنا في حديث وحاولوا من خلاله إقناعي بالانخراط في رياضة القدرة، وبالفعل تشكلت لدي القناعة وتحولت إلى المسافات الطويلة.
* ماهو السبب؟
- لأن التحدي فيها أكبر من حيث السرعات وتنظيم وتوزيع جهد الحصان واتخاذ القرارات السليمة وتنفيذ التكتيك الموضوع من قبل المدرب خلال التنافس.
* ماذا عن مشاركاتك؟
- خضت 79 سباقاً خلال مسيرتي حتى الآن وما زالت أواصل مشواري ولدي أهداف أبذل قصارى جهدي، وأتدرب بجدية وإرادة فولاذية من أجل تحقيقها فأنا مصمم على اعتلاء منصة التتويج في السباقات الكبرى وسأرى في ذلك جزءاً من رد الجميل لأبي علما بأنني مهما فعلت فلن أوفيه حقه إزاء أفعاله ومواقفة.
* في أي الإسطبلات تتدرب وتلعب باسمه حالياً؟
- ألعب لإسطبلات «إم آر إم» وهى من أقوى الإسطبلات الكبيرة في الدولة وأنا محظوظ بكوني أتدرب على يد أبرز المدربين إسماعيل عبدالله وبصمته طورت مستواي، وأفتخر بوجودي مع فرسان أصحاب أسماء بارزة وهم على سبيل المثال لا الحصر: سيف المزروعي وسعيد بن قحيد ومنصور الفارسي وحمد الكعبي وسعيد المعمري، والتنافس والاحتكاك مع هؤلاء الفرسان المتميزين بالتأكيد يمنحني الفرصة لتطوير مستواي والاستفادة من خبراتهم وأنا وزملائي فرسان «إم آر إم» تجمعنا روح الفريق والألفة التي تسود الجميع.
* ماذا علمتك رياضة القدرة؟
- غيرت حياتي من الألف إلى الياء، ومن أهم ما تعلمته الصبر والإرادة والتحدي وأن أتخذ قراراتي في الوقت المناسب.
* كم سباق خضت وما هي إنجازاتك؟
- خضت 79 سباقاً في مجمل مسيرتي حتى الآن، وحققت المركز الرابع 4 مرات في كأس الشيخ محمد بن راشد للإسطبلات الخاصة 2024، وكأس الشيخ زايد بن منصور بن زايد آل نهيان للإسطبلات الخاصة، وكأس المدربين 2023 في مدينة دبي الدولية للقدرة، وكأس حتا في نسخته الأخيرة.
أول سباق
* هل تتذكر أول سباق شاركت فيه؟
- لن تبرح ذاكرتي أول مشاركة لي والتي كانت في سباق تأهيلي لمسافة 40 كلم في قرية بوذيب، وكان ذلك يوم 5 يناير عام 2021، وأول سباق رسمي كان سباق كأس الشهيد 2022 في مدينة دبي الدولية للقدرة وحققت المركز الثامن.
خطأ تكتيكي
* ما هو أغرب موقف تعرضت له في مسيرتك؟
- موقف مستحيل أنساه عندما كنت فارساً في إسطبلات «اس ام» وأثناء مشاركتي في سباق كأس الشيخ محمد بن راشد للإسطبلات الخاصة – وتحديداً في النسخة ال 17 في 21 فبراير من عام 2024 وعندما أصبحت على بعد 3 كم فقط من خط نهاية السباق تعجلت، واتخذت قراراً خاطئاً بأن فتحت للحصان وكان يتعين علي التريث بعض الوقت ودفعت ثمن هذا الاستعجال وصولي في المركز الرابع وكانت الفرصة مؤاتية لبلوغي منصة التتويج، كما أن مشاركتي في نسخة سابقة لسباق كأس جميلتي ضمن مهرجان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، لم تكن مرضية، لأن التوفيق جانبني ولم أكمل السباق وحزنت بالطبع، لكن الأمر لا يتعلق بي وحدي فالفرس لم يكن في يومه.
* أكثر موقف أنتابك فيه الحزن؟
- أكبر مرة انتابني فيها الزعل كانت في مشاركتي في كأس الشيخ زايد بن منصور بن زايد آل نهيان للإسطبلات الخاصة التي أقيمت يوم 9 مارس 2024، وصلت في المركز الثاني، لكن لم يجتز الحصان الفحص الطبي واستبعدت من السباق، ومنذ تلك اللحظة تعلمت أيضاً عدم التعجل وربما لأني انطلقت متأخراً.
* لمسة وفاء لمن؟
- وفق تدرجي في مراحل مسيرتي أنا مدين بالامتنان لكل من المدربة سهيلة، ومالك ومدرب إسطبلات الرمك خالد الصابري فهو أول مدرب دربني للمنافسة في سباقات القدرة، ومدربي الحالي في إسطبلات «إم آر إم» إسماعيل عبدالله وأفتخر بأنه مدربي فهو لاسم وقامة كبيرة في عالم رياضة الفروسية.
* ما طموحك المستقبلي؟
- بعد 13 سنة مع رياضة القدرة وصلت فيها إلى المركز الرابع 4 مرات أرغب في كسر الرقم 4 والوصول إلى منصة التتويج وأجهز نفسي بكل ما أوتيت من قوة ليكون الموسم القادم هو موسم الإنجازات بالنسبة لي وآمل التوفيق.
0 تعليق