من بيوت العمال إلى 800 مليون دينار.. مسيرة الإسكان في البحرين

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

لطالما كان السكن والمأوى هو الحلم الأول الذي يراود الإنسان منذ الأزل، فالسكن من السكون والبيت ليس مجرد أربعة جدران وسقف.. بل هي حياة الإنسان التي تتشكل به وتستقر به، حيث تنشأ العائلات، وتتجذر الذكريات، وتُنسج العلاقات الاجتماعية، ففي المساء حين تجتمع الأسرة حول صحن العشاء.. يروي الجد قصصاً عن الزمن الذي كانت فيه المساكن تبنى من الطين والجريد، والليل الذي يلفّ البيوت برداء النجوم، هناك حيث البحرينية القديمة بدأت الحكاية.

عندما نتحدث عن تاريخ الإسكان في البحرين، لا يمكننا إلا أن نتوقف عند البدايات الأولى التي وضعت الأساس لنهضة الإسكان في المملكة، وبينما تشتهر مدينة عيسى كأول مدينة إسكانية نموذجية في البحرين والخليج العربي، فإن إرهاصات الرؤية السكنية بدأت قبل ذلك بفترة، مع مشاريع رائدة شهدتها أواخر عقد الخمسينيات من القرن الماضي.

ففي عهد صاحب العظمة المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البحرين، بدأت العائلات المنامية في الانتقال إلى المناطق المفتوحة الواقعة غرب وجنوب قلعة الشرطة، بعد أن وزعت الحكومة قسائم سكنية على موظفيها بأمر من الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، كما قامت الحكومة بتشييد عدد من البيوت المخصصة لعمال الدخل المحدود في منطقة غرب مستشفى السلمانية، وكذلك في الغرب من قلعة الشرطة، حيث عُرفت تلك المنطقة باسم «السلمانية»، وهذه الخطوة الرائدة التي كانت بمثابة اللبنة الأولى للمشاريع الإسكانية التي هدفت في حينها إلى توفير مساحات معيشية مريحة للأسر البحرينية، مع الأخذ بعين الاعتبار قربها من المرافق الحيوية التي كانت تتطور بسرعة في تلك الفترة، وعرفت الكثير من تلك الخدمات الإسكانية آنذاك (ببيوت العمال).

ومع افتتاح صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، رحمه الله، لمستشفى السلمانية في مرحلته الأولى في سبتمبر 1956، بدأت تتشكل معالم مشروع صحي شامل اكتمل في فبراير 1959 بافتتاح جميع أقسام المستشفى، ولكن إلى جانب المستشفى تم إنشاء بيوت مخصصة للممرضات لتوفير السكن الملائم لهن بالقرب من مكان العمل، ما يعكس اهتماماً بالغاً بتهيئة بيئة مستقرة وداعمة للعاملين في المجال الصحي.

لكن المحطة الأهم جاءت عام 1962، عندما أصدر المغفور له الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، رحمه الله، مرسوماً بإنشاء إدارة الإسكان والتمليك، والذي يعتبر خطوة مفصلية دشّنت حقبة جديدة من العمل الحكومي الموجه نحو تحقيق استقرار مجتمعي شامل، والانتقال من فكرة الإيواء إلى تبني مفهوم المدن السكنية، وهو ما تجلّى في مدينة عيسى التي أصبحت نموذجاً أولياً للمدن المتكاملة، بمرافقها وشوارعها المخططة بدقة.

استمرت وتيرة العمل في العقود التالية بوتيرة متسارعة، فبين عامي 1963 و2015، لم تكتفِ البحرين ببناء المساكن، إنما صنعت مدناً متكاملة تواكب التطور العمراني، وتلبي احتياجات المستقبل، فمن مدينة عيسى إلى حمد فسلمان وخليفة، كانت كل مدينة إضافة جديدة لرؤية عمرانية متوازنة، تلاقت فيها الحداثة مع التخطيط المستدام، لتوفير بيئة سكنية تضمن جودة الحياة للمواطن البحريني.

لكن هذه الإنجازات لم تكن خالية من التحديات.. فمع تزايد الطلب، بات من الضروري إيجاد حلول تمويلية مبتكرة تواكب متطلبات المرحلة، ومن هذا المنطلق، برزت فكرة بنك الإسكان الذي تأسس في 1979 والذي أسهم في تمويل المشاريع، وأتاح فرصًا أوسع للمواطنين لامتلاك مساكنهم، ثم جاء برنامج «مزايا» ليقدم نموذجاً عملياً على التكامل بين القطاعين العام والخاص في توفير حلول إسكانية ميسرة، منح آلاف البحرينيين فرصة الحصول على مساكنهم بسهولة، بعيداً عن الانتظار الطويل.

واليوم بعد هذه العقود من العمل المستمر، تعلن الحكومة تخصيص 800 مليون دينار ضمن ميزانية 2025-2026 لدعم المشاريع الإسكانية، وهو الرقم الأكبر في تاريخ البحرين، هذه الخطوة تعكس التزام الدولة الحقيقي الذي يؤكد بأن ملف الإسكان يظل أولوية قصوى، لا ينفصل عن رؤية الدولة في تحقيق الاستقرار الاجتماعي والتنمية المستدامة.

حين نعود إلى الوراء، ندرك أن السكن لم يكن يوماً رفاهية، بل حجر الأساس في بناء المجتمع واستقراره.. فمن بيوت الطين والجريد إلى المدن الحديثة، كانت البحرين سبّاقة في تلبية احتياجات مواطنيها، متجاوزة التحديات، ماضية برؤية واضحة، واليوم مع قيادة سعادة الوزيرة آمنة الرميحي للملف الإسكاني، نشهد إدارة ترتكز على التخطيط المدروس وتسريع وتيرة الإنجاز، مواصلةً مسيرة عمرانية لا تتوقف.. فكل بيتٍ جديد يُبنى، هو خطوة أخرى نحو مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق