يقدر خبراء في الأمن الغذائي أن نسبة الهدر في الغذاء تبلغ ثلث الإنتاج على المستوى العالمي، ما يتسبب في مشكلة عالمية ذات أبعاد اقتصادية وبيئية واجتماعية خطيرة، فيما يشكل هدر الغذاء على المستوى المحلي تحديا متزايدا في ظل محدودية الموارد الطبيعية والاعتماد الكبير على الاستيراد في المملكة.اضافة اعلان
وقال رئيس لجنة الزراعة والمياه في مجلس الأعيان الدكتور عاكف الزعبي لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) إن هدر الغذاء يكون في ثلاث مراحل، وهي: الإنتاج، والتسويق، والاستهلاك، وفي جميع أنواع الغذاء، ولا سيما الاستراتيجية؛ مثل القمح والسكر والرز والزيوت واللحوم الحمراء والبيضاء والألبان والأعلاف.
وأضاف إن مراحل الهدر في الخضار والفاكهة تبدأ من مرحلة الإنتاج عندما تكون الممارسات غير صحيحة؛ فتنقص الإنتاجية ثم ينتج الهدر في التسويق من القطف بسبب نقص تدريب العمال، ويتبع ذلك هدر أثناء الفرز والتدريج والتعبئة، وكذلك خلال نقل الثمار إلى أسواق الجملة، وعند عرضها للبيع في الأسواق أو محلات التجزئة عندما ينتقي المستهلك الثمار فيهدر المتبقي منها، بالإضافة إلى الهدر الناتج عن سلوك المستهلك الخاطئ.
ولفت الزعبي إلى أن نسبة الهدر في جميع المراحل بالأردن يبلغ حوالي 25 % من إجمالي الكمية المنتجة؛ نظرا لأن الهدر الناتج في مرحلة الإنتاج عادة لا يتم احتسابه، عدا عن التبعات السلبية المترتبة على الهدر الناتج من أمراض النبات والمخاطر الطبيعية، والمتمثلة بارتفاع الحرارة وانخفاضها والصقيع والرياح والسيول ومخاطر انخفاض الأسعار الذي يجبر المزارعين على ترك المحصول في أرضه دون حصاده.
وقال الخبير في الزراعة والأمن الغذائي الدكتور رضا الخوالدة إن هدر الغذاء مشكلة عالمية قد تصبح أزمة تتطلب حلولا عاجلة، ومن أكبر التحديات التي تواجه العالم اليوم، لأن إهدار كميات ضخمة من الغذاء يوميا في مختلف أنحاء العالم، يتسبب بخسائر اقتصادية كبيرة، فضلا عن الأضرار البيئية والاجتماعية، مشيرا إلى أن هدر الطعام عالميا يبلغ ثلث الإنتاج، أو ما يعادل نحو 1.3 مليار طن من الغذاء سنويا، في الوقت الذي يعاني أكثر من 800 مليون إنسان من الجوع وسوء التغذية.
وبين أن الخسائر الناجمة عن هدر الغذاء تبلغ نحو 940 مليار دولار سنويا، أما بيئيا فيتسبب الهدر في انبعاثات كربونية ضخمة، حيث ينتج حوالي 8-10% من انبعاثات الغازات الدفيئة عالميا نتيجة هدر الغذاء، ما يسهم بشكل كبير في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري، ومشكلة التغير المناخي.
وأرجع أسباب هدر الغذاء إلى عدد من العوامل، أبرزها الإنتاج الزراعي والتخزين حيث يهدر جزء كبير من الغذاء في مراحل الحصاد والتخزين بسبب سوء البنية التحتية، وعدم كفاءة أنظمة النقل، والتبريد، بالإضافة إلى التوزيع والتسويق لأن معايير الجودة الصارمة في الأسواق التجارية تؤدي إلى رفض كميات كبيرة من المنتجات الزراعية بسبب الشكل أو الحجم، على الرغم من صلاحيتها للاستهلاك، فيما يعد الاستهلاك المنزلي أحد أكبر مصادر الهدر؛ نظرا لأن المستهلكين يتخلصون من كميات كبيرة بسبب سوء التخطيط أو الإفراط في الشراء.
وأشار إلى أن هناك عدة مبادرات في الأردن لتوزيع كميات الغذاء على المحتاجين وتصريفها بما يتواءم والحفاظ على البيئة ومراعاة حاجة الناس لها.
ودعا الخبيران الخوالدة والزعبي إلى تحسين البنية التحتية وسلسلة التوريد للحد من الهدر في الغذاء، وكذلك الاستثمار في التخزين والتبريد للمساعدة في تقليل الفاقد خلال مراحل الإنتاج والنقل، وإعادة توزيع الفائض من خلال تشجيع التبرع به للمحتاجين عبر بنوك الطعام والمنظمات الخيرية، بالإضافة إلى رفع وعي المستهلكين من خلال حملات التوعية حول التخطيط المسبق للوجبات وتخزين الطعام بشكل صحيح، وتشريع قوانين تحفز المطاعم والأسواق على التبرع بالأطعمة، وتطوير تطبيقات تساعد المستهلكين والمتاجر على تقليل الهدر.
المستثمر ليث فاخوري الذي يؤسس لمشروع يقلل هدر الغذاء في الأردن من خلال تطبيق يهدف لربط المطاعم والفنادق ومختلف المتاجر بالمستهلكين، قال إن كمية كبيرة من الغذاء تهدر يوميا في المطاعم والمتاجر، لذلك فإن التطبيق الذي ينفذه سيحول الفائض لفرصة حقيقية لفائدة المجتمع والبيئة المستدامة.
وأشار إلى أن الخسائر الاقتصادية التي يتكبدها المستثمرون في قطاع الصناعات الغذائية نتيجة عدم قدرتهم على تسويق منتجاتهم، سيعمل التطبيق على التقليل من هذه الخسائر، وتحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي بعرض السلع بسعر أقل.
من جهتها، تطرقت خبيرة الغذاء الذكي والوظيفي المهندسة رانيا البابلي إلى مفهوم مختلف للحد من الهدر الغذائي يعكس اختصاص الغذاء الذكي والوظيفي الذي يعد مفهوما حديثا يطور الصناعات الغذائية الزراعية للمساهمة في تحقيق قيمة اقتصادية مضافة، فضلا عن رفع القيمة الغذائية للمنتجات من خلال إطالة مدة صلاحيتها ومعالجة مختلف الوظائف الغذائية.
وقالت إن هدر الخبز من المشكلات الكبيرة، إذ تصل نسبة التالف في بعض المخابز إلى نحو 30 %، بينما ترتفع هذه النسبة في المناطق الريفية لتصل إلى 50 %.
واشارت إلى أن التجارب التي أجريت لتحسين جودة الخبز وإطالة عمره الافتراضي، بناء على دراسات الغذاء الوظيفي والذكي التي أظهرت أن إضافة مواد طبيعية مثل التمر تسهم في تقليل التلف وتضاعف مدة صلاحيته، وتجعله يؤدي وظيفة غذائية متكاملة.
وأوضحت البابلي أن حلول الهدر يمكن تطبيقها في الغذاء الذكي والوظيفي كتجفيف الخضار والفواكه، والتي يمكن استخدامها كمواد أولية في الصناعات الغذائية، ما يتيح إنتاج أغذية وظيفية عند تصنيعها وفق أسس علمية صحيحة، ما يؤدي إلى الحد من الهدر الغذائي. (بترا)
0 تعليق