الصيام وصحة الدماغ

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

إعداد: د. فاطمة عبدالله


يمكن تعريف "الصيام" بأنه الامتناع الطوعي عن الطعام والشراب لفترات زمنية محددة ومتكررة، باختلاف الديانات وأطياف المجتمعات. غالباً ما يُقارن الصيام بالتغذية حسب الرغبة، والتي تتميز بتناول ثلاث وجبات أو أكثر يومياً في المجتمعات الحديثة، وقد يزيد - إلى جانب نمط حياة خامل - من خطر إصابة الشخص بأمراض عصبية مزمنة. ولا ينبغي الخلط بين الصيام والجوع، وهو حالة من نقص التغذية المزمن غير الطوعي وغير المُتحكم فيه، وقد تؤدي إلى فشل الأعضاء والوفاة.

يعتبر الجلوكوز المصدر الرئيسي للطاقة للدماغ، وفي الصيام يستمد الدماغ طاقته من أجسام الكيتون المشتقة من الدهون، أو الكيتونات. وتشكل الكيتونات مصدراً أكثر كفاءة للطاقة لكل وحدة أكسجين في العضلات، وفي الدماغ.

للصيام تأثيرات متعددة على صحة الدماغ، وليس حصراً يمكن تلخيصها في عدة نقاط مهمة:

1- تحفيز إنتاج الخلايا العصبية الجديدة: عند الصيام، يزيد الجسم من إفراز مادة تُسمى عامل النمو العصبي المُغذي (BDNF)، وهي مادة تساعد على تحفيز نمو الخلايا العصبية وتساعد على تحسين التواصل بين الخلايا العصبية في الدماغ.. تعتبر مستويات BDNF المرتفعة مفيدة للتعلم والذاكرة وصحة الدماغ بشكل عام.

2- تحسين الوظائف الإدراكية: تشير بعض الدراسات إلى أن صيام رمضان قد يعزز بعض الوظائف الإدراكية. على سبيل المثال، لاحظت إحدى الدراسات التي تم دراستها على خمسة عشر متطوعًا سليمًا تتراوح أعمارهم بين 21 و28 عامًا تحسنات كبيرة في المهام التي تقيم المرونة الإدراكية والانتباه أثناء فترات الصيام.

3- تعزيز وظائف الدماغ والحفاظ أو التقليل من خطر الإصابة ببعض الأمراض العصبية: ينشط الصيام عملية الالتهام الذاتي (Autophagy)، حيث يقوم الجسم بإزالة الخلايا التالفة أو غير الضرورية، كآلية للبقاء على قيد الحياة. فعندما لا يتوفر الطعام، يلجأ الجسم إلى موارده الداخلية للحفاظ على الطاقة وحماية الأنسجة الحيوية، وخاصة الدماغ. هذه العملية ضرورية للحفاظ على صحة الخلايا، ودعم طول العمر بشكل عام، والوقاية من الأمراض مثل مرض الزهايمر والشلل الرعاشي وغيرها من الأمراض العصبية الضمورية، والتي تتسم بوجود بروتينات ضارة تترسب في الخلايا العصبية والمسببة لهذه الأمراض.

4- تحسين الحالة المزاجية: بعض الدراسات تُظهر أن الصيام قد يُحسن الحالة المزاجية، ويقلل من الشعور بالقلق والاكتئاب. يُعتقد أن هذا يعود إلى زيادة مستوى بعض النواقل العصبية التي يفرزها المخ، والتي بدورها تحسن الحالية المزاجية للصائم.

5- تحسين مقاومة الإجهاد: عندما يصوم الشخص، يتعرض الجسم لحالة من الإجهاد المعتدل الذي يُحفز الدماغ على التكيف مع التحديات؛ بسبب نقص الماء والغذاء في فترة الصيام، مما يُحسن مقاومته للإجهاد العقلي والبدني. وهذه الآلية ليست مقتصرة فقط على الإنسان فحسب، بل كذلك على الكائنات الحية الدقيقة مثل البكتيريا، الفطريات والديدان وهو أسلوب المعيشة للحفاظ على الموارد وتقليل الضرر وتعزيز طول العمر. كما يحسن الصيام النشاط الجسدي والمعرفي لبعض الكائنات مثل أسماك الرئة، والثعابين البحرية، والضفادع، والثعابين، والمفصليات، مقاومة غير عادية لندرة العناصر الغذائية، مما يحسن قدرتها على البحث عن الطعام والحصول عليه.

6- التقليل من خطر الإصابة ببعض الأمراض العصبية: يُحدث الصيام حالة أيضية مُغيّرة تُحسّن الطاقة الحيوية للخلايا العصبية، ومرونتها، بطريقة قد تُعاكس مجموعة واسعة من الاضطرابات العصبية. في كل من التجارب والبحوث التي أجريت على الحيوانات والبشر، يمنع الصيام ويُعالج متلازمة التمثيل الغذائي، وهي عامل خطر رئيسي للعديد من الأمراض العصبية، وخصوصاً الجلطات الدماغية. وفي حالات سرطانات الإنسان، بما في ذلك السرطانات التي تصيب الدماغ، يُخفف الصيام من الآثار الجانبية المرتبطة بالعلاج الكيميائي، وقد يحمي الخلايا الطبيعية من آثار العلاج الكيميائي. كما يُحسّن الصيام الإدراك، ويُوقف التدهور المعرفي المرتبط بالعمر، ويُبطئ من ضمور الخلايا العصبية، ويُقلل من تلف الدماغ، ويُعزز التعافي الوظيفي بعد السكتة الدماغية، ويُخفف من السمات المرضية والسريرية للصرع والتصلب المتعدد في النماذج الحيوانية.

وفي الختام يؤدي الصيام إلى تغيير منسق للعديد من الآليات الأيضية في الجسم، والتي تساعد على تحسين التواصل بين الخلايا العصبية وصحة الدماغ بشكل عام. كما يعزز الصيام الوظائف الإدراكية، ويقلل المخاطر بالإصابة من الأمراض العصبية، ونظراً لقوة الأدلة المستمدة من التجارب والبحوث على الحيوانات، فقد تكون هناك العديد من الاكتشافات المثيرة في انتظار تحقيقات مستقبلية حول جدوى الصيام كعلاج للأمراض العصبية.

* استشارية المخ والأعصاب - عضو جمعية أصدقاء الصحة

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق