الشيخ سرحان بن سعيد الأزكوي

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

د. بدرية بنت علي الشعيبية

عاش سرحان بن سعيد بن سرحان بن محمد بن بلحسن بن سرحان أمبوعلي الإزكوي في فترة مهمة من تاريخ عُمان، فترة مفصلية من التاريخ العماني نهاية الدولة اليعربية وبداية الدولة البوسعيدية، أي في القرن الثاني عشر الهجري/ الثامن عشر الميلادي، فشهد الأحداث التي رافقت قيام الدولة البوسعيدية، وشارك في صناعتها والتأثير فيها. ويعد الشيخ سرحان من العلماء البارزين في عصره، وله مكانة و قدر رفيع بينهم ومن الذين عقدوا البيعة للإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي في البيعة الثانية سنة 1755م في نزوى بعد أن كان من المبايعين له في البيعة الأولى في الرستاق، وهو من كتب نص عقد البيعة، وأشار الشيخ سرحان بن سعيد على ذلك حيث كتب: "أنا أول من بايع الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي الأزدي الأدمي، وحضر البيعة حبيب بن سالم أمبوسعيدي العقري النزوي، والشيخ ... بن محمد الخروصي، والشيخ ... الشقصي، والشيخ محمد بن عامر المعولي والشيخ جاعد بن سالم السلامي وأنا الفقير سرحان بن سعيد أمبوعلي الإزكوي، وهاهنا ألف هذا الكتاب، وهذا الإمام يزداد قوة بعمان، وكانت بيعته بعد موت الإمام بلعرب بن حمير بن سلطان، طرش لنا وبايعناه، وانتقل الملك من السادة آل يعرب إلى الإمام أحمد بن سعيد".

لا تسعفنا المصادر بالكثير عن الشيخ سرحان من حيث تاريخ مولده أو تاريخ وفاته ولكن من المرجح أن تكون ولادته في مطلع القرن الثامن عشر الميلادي وأن وفاته كانت بين عامي 1755- 1765م. والشيخ سرحان الإزكوي شخصية موسوعية فهو مؤرخ وفقيه وأديب ولغوي، وهو شيخ المؤرخين العمانيين، فهو أول من كتب في التاريخ العماني وفصل في الكثير من الأحداث التاريخية، وقد يكون هناك عدد من المؤلفات قبل كتاب الشيخ الإزكوي إلا أنها لم تصل إلينا، لذا يعد كتابه موسوعة تاريخية حفظت للأجيال اللاحقة أحداث تاريخية عمانية مهمة لم تكن لتصل إلينا لولا الإزكوي. فهو صاحب فضل كبير على التاريخ العماني في حفظه وصيانته.

وعنون الشيخ سرحان الإزكوي كتابه بعنوان "كشف الغمة الجامع لأخبار الأمة" الذي انتهى من كتابته في عام 1734م، ويقع في جزئيين مقسمين على أربعين بابا. انتهج الإزكوي نفس النهج الذي سار عليه من سبقه من المؤرخين الإسلاميين حيث يستعرضون في البداية الكتاب التاريخ القديم وقصص الأنبياء منذ سيدنا آدم عليه السلام مرورا بجميع الرسل الذين ذكروا في القرآن الكريم. وركز الشيخ سرحان في الباب الرابع على هجرة قبائل الأزد إلى عُُمان، وأهم الأحداث التي رافقت هجرتهم، واستقرارهم في عمان وانتشارهم بين سهول عمان وجبالها، ثم تناول تاريخ الدعوة المحمدية في الأبواب من السادس وحتى الباب الثاني والعشرين واستعرض استجابة العمانيين للدين الإسلامي ودخولهم فيه طوعا، أما الأبواب من الثالث والعشرين وحتى السادس والعشرين فكانت لفترة الخلفاء الراشدين وأشار إلى الدور العماني في نشر الدين الإسلامي. وخصص الإزكوي الفصلين الثامن والعشرين والتاسع والعشرين للفرق والنحل الإسلامية، ويذكر الكثير من المواقف والأحداث التي شكلت هذه الفرق ورسمت مسارها الديني. أما الباب الثلاثون فكان للدولتين الأموية والعباسية ولقد تناول الشيخ سرحان تاريخ الدولتان بشيء من الايجاز، وخصص الإزكوي لتاريخ عمان الباب الثالث والثلاثين، وانتهت أحداث تاريخ عمان سنة 1140هـ / 1728م .

وتأتي أهمية كتاب كشف الغمة لكونه أول كتاب تاريخي عماني متخصص في التاريخ ينتهج أسلوب سرد الحدث التاريخي، بعد كان قبله العوتبي قد ركز على الأنساب ومنها انطلق إلى سرد الأحداث التي واجهت القبائل ومسارها التاريخي، أما الإزكوي فلقد ركز على الحدث التاريخي وتتبع تسلسله الزمني، وتأتي أهمية الكتاب كذلك من معاصرته لفترة مهمة من تاريخ عمان حيث يعد الإزكوي شاهد عيان لفترة انتقالية من التاريخ العماني.

يوضح الإزكوي في مقدمة كتابه غايته من كتابته لهذا المؤلف التاريخي الشامل حيث يقول: "فقد دعتني الهمة إلى جمع هذا الكتاب وتأليفه وتلخيص معانيه وتصنيفه، فلبيتها أهلا وسهلا، وإن لم أكن للتأليف أهلا، وذلك لما رأيت أكثر أهل زماننا قد غفلوا عن أصل مذهبهم الشريف، وأقبلوا على أئمة مذهبهم بالتعنيف والتعسيف، ومالوا إلى حب السادات ذوي التشريف، ... وجعلت ظاهره في القصص والأخبار، وباطنه في المذهب المختار، لأن الناس لقراءة الأثر لا يستمعون، ولاستماع القصص عن اللغو يثبتون، فملت إلى رغبتهم لكي يكونوا مستمعين، ولقراءته بصميم القلب مهطعين، عسى أنهم لأصول المذهب يعرفون، ولأهل الحق يعترفون، وسميته كشف الغمة الجامع لأخبار الأمة".

لا يشير الإزكوي إلى مصادره إشارة صريحة ولكن المتتبع للكتاب يجد أنه اعتمد على المصادر الفقهية مثل بيان الشرع والمصنف والاستقامة وجامع ابن بركة، كما اعتمد على الروايات الشفهية التي نقلها سماعا من شخصيات عاصرها فنقل عنهم رواياتهم، ولم ينقل الإزكوي الخبر دون تمحيص واستقراء فهو يحرص تمحيص الخبر التاريخي وتحليله. أما فيما يتعلق بالتاريخ الإسلامي فمن أبرز مصادر كشف الغمة كتاب محمد بن جرير الطبري تاريخ الأمم والملوك، ورجع إلى المسعودي صاحب مروج الذهب، وابن كثير صاحب البداية والنهاية، وابن خلدون في كتابه العبر وديوان المبتدأ والخبر، وابن الأثير في كتابه الكامل في التاريخ وابن الكلبي و الدرجيني و الشماخي.

يعد كتاب كشف الغمة الجامع لأخبار الأمة مصدرا مهما جدا في كتابة التاريخ العماني، حيث استفاد منه جميع من كتب في التاريخ العماني ممن جاؤوا بعد الشيخ الإزكوي كصاحب كتاب قصص وأخبار جرت في عمان أبي سليمان محمد بن عامر المعولي، وابن رزيق الذي استفاد من كشف الغمة في كتابة جميع مؤلفاته التاريخية ككتاب الفتح المبين، وكتاب الشعاع الشائع باللمعان، وكتاب الصحيفة القحطانية وكتاب الصحيفة العدنانية، والشيخ نور الدين السالمي في كتابة تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان.

للشيخ سرحان أمبوعلي مؤلفات أخرى مثل كتاب الجامع المفيد في أحكام أبي سعيد، حيث جمع ورتب عدد من أجوبة الشيخ أبي سعيد الكدمي ويقع الكتاب في خمسة أجزاء. وله أيضا كتاب "نور البيان في تفسير القرآن، وله عدد من الأجوبة متناثرة في كتب الأثر، وله قصائد شعرية في مدح النبي صلى الله عليه وسلم ، ومسائل كثيرة في المواريث مما يعني تمكنه من هذا العلم الذي يحتاج إلى معرفة واسعة ودقيقة في الفقه والحساب، وله تقريض لكتاب المهذب وعين الأدب لمؤلفه الشيخ محمد بن عامر بن رشد المعولي، قال في مطلعها:

أتيت بتصنيف سلالة عامر

حكى الكوكب الدري في عين ناظر

وبينت فيه للفرائض مذهبا

جمعت به أشتاتها في الدفاتر

وأوضحت فيه مشكلات علومها

وحليتها من قول أهل البصائر

رحم الله الشيخ سرحان بن سعيد الإزكوي فهو علم بارز من أعلام عُمان الذين حفظوا تاريخ عُمان وساهموا في تعريف العالم بأمجاد عُمان ومشاركتهم في بناء صرح التاريخ الإنساني.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق