تحتفل الأمانة العامة لجامعة الدول العربية اليوم السبت بمرور ٨٠ عاما على تأسيس المنظمة الجامعة لدول العالم العربي ال ٢٢، وسط تحديات إقليمية ودولية موغلة في التعقيد مع بلوغ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ذروة المواجهة جراء حرب الإبادة الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني الأعزل الذي يواجه أقسى الجرائم والمجازر على مرأى العالم الصامت وعجز عربي واضح في لجم إرهاب دولة الاحتلال بحق الفلسطينيين، رغم المساعي العربية للضغط بتجاه وقف العدوان ورفض الخطط الأمريكية الإسرائيلية لتهجير الغزيين من القطاع، وذلك من خلال اتخاذ الجامعة العربية لقرار موحد يرفض أي مخطط لتهجير الفلسطينيين وتصفية قضيتهم العادلة وتمرير مشاريع استعمارية في المنطقة، إلا أن هذا القرارات رغم أهميتها تبقى رهينة مقدرة الدول العربية على مواجهة الضغوط الأمريكية في هذا الصدد.
ورغم الإنجازات التي حققتها جامعة الدول العربية منذ تأسيسها قبل ثمانية عقود من خلال تعزيز وحدة الصف والتضامن العربي ودعم حركات التحرر الوطني في الأقطار العربية لنيل الاستقلال والتعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء، إضافة إلى إبراز الهوية العربية المشتركة، إلا أن هناك تحديات واجهت المنظمة العربية ولا زالت تواجهها، والتي شكلت بدورها عقبة أمام أي دور إقليمي ودولي عربي فاعل، حيث أدى تباين المواقف بين الدول الأعضاء في بعض القضايا الإقليمية دورا مهم في تكريس هذه التحديات، إضافة إلى عدم وجود آليات واضحة وملزمة لتنفيذ القرارات الصادرة عن الجامعة العربية، كما أججت التدخلات الخارجية من تعقيد المشهد السياسي في المنطقة، إضافة إلى استمرار الصراعات الداخلية في بعض البلدان العربية.
أما في الشان الاقتصادي ورغم أن الجامعة سعت لتعزيز التكامل الاقتصادي العربي من خلال إنشاء مجلس الوحدة الاقتصادية العربية عام 1957، وتوقيع اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى عام 1997، إلا أن التجارة البينية بين الدول الأعضاء لا تزال ضعيفة مقارنة بالمناطق الاقتصادية الأخرى في العالم.
بروتوكول الإسكندرية
تأسست جامعة الدول العربية في 22 مارس 1945 بناءً على بروتوكول الإسكندرية - وهو الوثيق التأسيسية التي مهدت لإنشاء المنظمة العربية وتم توقيعها في السابع من أكتوبر 1944 بمدينة الإسكندرية خلال اجتماع ضم ممثلين عن سبع دول عربية مستقلة آنذاك وهي (مصر، والعراق، وسوريا، ولبنان، واليمن، والسعودية، والأردن "شرق الاردن آنذاك") -، لتتوسع لاحقا وتشمل 22 دولة، لتكون أول منظمة إقليمية من نوعها تهدف إلى تحقيق التنسيق والتعاون والتكامل بين الدول الأعضاء في مختلف المجالات، وتعزيز التضامن والوحدة في مواجهة التحديات المشتركة.
ونص ميثاق الجامعة على مجموعة من الأهداف التي تسعى المنظمة لتحقيقها، نبرز أهمها:
- تعزيز الوحدة والتضامن العربي والتأكيد على الروابط الثقافية والتاريخية المشتركة.
- التنسيق السياسي والدبلوماسي من خلال توحيد المواقف العربية في المحافل الدولية.
- التعاون الاقتصادي والاجتماعي وتعزيز التجارة البينية بين الدول الأعضاء ودعم مشاريع التكامل الاقتصادي العربي.
- التعاون في مجال الأمن والدفاع من خلال وضع سياسات دفاعية مشتركة لحماية الأمن القومي العربي من التهديدات الخارجية والتدخلات الأجنبية.
- دعم التنمية والبحث العلمي وتعزيز التعاون في مجالات التعليم والثقافة.
الهيكل التنظيمي
تتكون جامعة الدول العربية من عدة أجهزة رئيسية، يأتي في مقدمتها مجلس الجامعة، وهو أعلى سلطة، ويتكون من ممثلي الدول الأعضاء، وتتخذ قراراته بالإجماع أو الأغلبية.
ثانيا، الأمانة العامة، ويرأسها الأمين العام، وتُعد الجهاز التنفيذي للجامعة. ثالثا، المجالس الوزارية، وهي اجتماعات وزارية تصنف حسب الموضوعات المطروحة.
الأمناء العامين للجامعة
تولى منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية عدة شخصيات بارزة منذ تأسيسها حيث احتفظت مصر بالمنصب باستثناء الفترة ما بين 1979 و1990، حيث شغل عبدالرحمن عزام باشا منصب أول أمين عام للجامعة ما بين الفترة (1945 - 1952)، ثم تولى الدبلوماسي المصري البارز محمد عبد الخالق حسونة المنصب خلال الفترة (1952 - 1972) وهو أطول من شغل المنصب لمدة 20 عامًا. وشهدت فترته الوحدة بين مصر وسوريا 1958 ثم انفصالها، ونكسة 1967.
وما بين الفترة (1972 - 1979) شغل محمود رياض المنصب، حيث شهدت فترة مسؤوليته حرب أكتوبر 1973، وبعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل 1979، نقل مقر الجامعة إلى تونس إثر مقاطعة العرب لمصر بسبب توقيعها اتفاقية السلام مع إسرائيل، وتم تعيين التونسي الشاذلي القليبي حتى العام 1990، حيث عاد مقر الجامعة العربية إلى القاهرة بعد المصالحة مع مصر، وتولى أحمد عصمت عبد المجيد (1991 - 2001) منصب الأمين العام.
وبين العام (2001 - 2011) تولى الدبلوماسي المصري البارز، عمرو موسى المنصب، حيث أطلق مبادرات عدة لإصلاح الجامعة العربية.
ومع بداية الربيع العربي في 2011 تولى نبيل العربي مسؤولية قيادة المجلس حيث شهدت الكثير من الدول العربية أزمات داخلية واحتجاجات وسقوط أنظمة، كما شهدت تعليق عضوية سوريا في الجامعة.
ومنذ 2016 يشغل أحمد أبو الغيط منصب الأمين العام، وتم التجديد له لفترة ثانية في 2021.
فلسطين: القضية المركزية
ومنذ تأسيسها، وضعت جامعة الدول العربية القضية الفلسطينية على رأس أولوياتها، واتخذت العديد من القرارات لدعم حقوق الشعب الفلسطيني سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا. ففي العام 1945، وحتى قبل إعلان قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي، قررت الدول الأعضاء مقاطعة المنتجات والشركات الداعمة للصهيونية.
وفي 1951، تم إنشاء مكتب المقاطعة العربي للإشراف على تنفيذ الحظر الاقتصادي على الكيان الإسرائيلي.
كما دعمت جامعة الدول العربية تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، وفي قمة الرباط عام 1974 اعترفت الجامعة بمنظمة التحرير كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، مما عزز مكانتها في المحافل الدولية.
وبعد النكسة واحتلال الضفة الغربية وغزة عام 1967، دعمت الجامعة المقاومة الفلسطينية وخصصت لها موارد مالية.
كما أطلقت القمة العربية في بيروت عام 2002 مبادرة السلام العربية، التي نصت على انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 1967، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، وحل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين مقابل تطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل.
ودعمت الجامعة العربية حصول فلسطين على صفة دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة عام 2012، كما عملت على دعم الاعتراف الدولي بدولة فلسطين في المؤسسات الأممية.
وفي 2020 رفضت الجامعة العربية "صفقة القرن" التي أعلن عنها الرئيس الامريكي دونالد ترامب في ولايته الأولى لأنها تجاهلت حقوق الشعب الفلسطيني.
ورغم توقيع بعض الدول العربية اتفاقيات تطبيع مع الكيان الإسرائيلي في إطار صفقة ترامب، إلا أن الجامعة أكدت أن التطبيع لا يمكن أن يكون بديلاً عن حل القضية الفلسطينية، داعية إلى الالتزام بمبادرة السلام العربية كأساس للعلاقات مع إسرائيل.
ومع تولي ترامب لولايته الثانية والتي أتت في خضم حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، أعلن عن خطته المثيرة للجدل والقاضية بتهجير 2.3 مليون غزي من القطاع المنكوب إلى بعض الدول العربية الأمر الذي رفضته الجامعة العربية رفضا قاطعا وتبنت في المقابل خطة مصرية لإعادة إعمار غزة ونشر قوات أممية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وفي ما يخص دورها في باقي الأقطار العربية، فقد لعبت الجامعة منذ منتصف القرن العشرين دورًا مهمًا في دعم استقلال الدول العربية من الاستعمار، سواء عبر التأييد السياسي أو من خلال الدعم المادي.
كما لعبت على مدار تاريخها دور الوساطة في العديد من الأزمات العربية، حيث نجحت في حلحلت بعضها وفشلت في أخرى وحدت الخلافات بين بعض دول الأعضاء وضعف آليات التنفيذ من فعاليتها في بعض القضايا والأزمات.
ففي الحرب الأهلية اللبنانية (1975 - 1990)، أرسلت الجامعة قوات ردع عربية في 1976 في محاولة لوقف القتال، كما رعت اتفاق الطائف عام 1989 بين الفرقاء اللبنانيين والذي وضع حدًا للحرب الأهلية.
وفي السودان دعمت الجامعة مفاوضات السلام بين الحكومة والجماعات المسلحة في دارفور عام 2003، كما لعبت دورًا مهما في دعم المفاوضات بين السودان وجنوب السودان بعد انفصال البلدين عام 2011.
ومع بداية أزمة الربيع العربي التي امتدت إلى أقطار عدة في العالم العربي، علّقت الجامعة عضوية سوريا في 2011 بسبب قمع النظام للمظاهرات، كما حاولت التوسط عبر مبادرات سياسية لإنهاء الأزمة لكنها فشلت، واستعادت سوريا مقعدها في الجامعة عام 2023 دون تحقيق حل سياسي شامل.
أما في الأزمة الليبية فقد دعمت الجامعة فرض حظر جوي على ليبيا لحماية المدنيين من نظام الرئيس السابق معمر القذافي، كما أنها ساندت اتفاق الصخيرات 2015 بين الفرقاء الليبيين، والذي لم يفض إلى حال شامل للأزمة حتى الآن.
0 تعليق